فؤاد الكنجي
أمد/ مكانة (المرأة العراقية) في المجتمع (العراقي) ودورها في صنع الحياة؛ مكانة مرموقة منذ فجر التاريخ في (بلاد الرافدين) والى يومنا هذا؛ فقد اعتلت ارفع المناصب في البلاد.. وجاهدت.. وناضلت.. وكافحت من اجل بناء وإعلاء شان الوطن بين الأمم والشعوب العالم اجمع؛ وقد دأبت في مواصلة العلم.. والمعرفة.. والعمل.. وإدارة شؤون الأسرة ليل – نهار؛ وحملت وتحملت أعباء الحياة.. وربت أجيال – وأجيال؛ وواكبت تعليمها.. وعلومها.. وأبدعت.. وحصلت على شهادات رفيعة المستوى والتقدير بمختلف مجالات وعلوم الحياة من الأدب.. والفن.. والشعر.. لتكتب تاريخا وارثها وحضارتها بخط عرض مشرق في (بلاد الرافدين – العراق) .
نذكر منهن (انانا – نينا) وهي إلهة (بلاد الرافدين) القديمة المرتبطة بالآلهة الحب.. والجمال.. والحرب.. والعدالة.. والسلطة السياسية.. والجنس.. والرغبة.. والخصوبة؛ كانت تعبد في الأصل في بلاد (سومر) و(أكد) و(آشور) تحت اسم (عشتار)؛ وكانت تعرف باسم (ملكة السماء) وكانت ربة معبد (إينانا) في مدينة (الوركاء)، والتي كانت لها مركز عبادة رئيسية في تلك الحقبة التاريخية من تاريخ (العراق) القديم، ونذكر أيضا الشاعرة التي تلقب (بشكسبير العراق) الشاعرة (انخيدونا) وهي شاعرة (آشورية – أكادية) عاشت في الفترة الواقعة ما بين ( 2285 إلى 2250 ق.م)، هي أول كاتبة معروفة بهذا الاسم؛ وكانت ابنة لـ(سرجون الأكدي) ليضع كامل ثقته في (إنخيدوانا)؛ إذ رفعها إلى منصب (الكاهنة العليا) في أهم معبد في (سومر) في مدينة (أُور) وترك لها مسؤولية دمج الآلهة (السومرية) بالآلهة (الأكادية)؛ وذلك لخلق الاستقرار الذي تحتاجه إمبراطوريته للازدهار والتقدم؛ لذلك ينسب إليها الفضل في إنشاء نماذج الشعر.. والمزامير.. والصلوات المستخدمة في جميع أنحاء العالم القديم، والتي أدت إلى تطور هذه الأنواع من المزامير والصلوات المعروفة في يومنا هذا، فمؤلفاتها ظلت تمثل نماذج رائعة للصلاة التوسلية ولفترة طويلة جدا؛ فأشعارها أُثرِيت.. وأُلهمت صلوات.. ومزامير الكتاب (المقدس العبري – التوراة).. وتراتيل (هوميروس اليونانية).. وفي ترنيمة (الكنيسة المسيحية الأولى في الكتاب المقدس – الإنجيل)، ومن خلالهم يمكن سماع أصداء لاسم (إنخيدوانا) أول كاتبة أدبية (عراقية) في التاريخ، وكذلك نذكر ملكة (الإمبراطورية الآشورية) الملكة (شميران – سميرة أميس) التي تربعت على عرش (الإمبراطورية الآشورية بين عامي 811 – 806 ق.م) لأن ابنها كان صغيرا وكانت هي الوصية على العرش لحين بلوغه السن القانوني؛ فهي ملكة عظيمة عرفت باسم (سميراميس) زوجة للملك (الآشوري – شمشي الخامس 823 – 811 ق.م.)؛ وعندما توفي هذا الملك تسلمت هي الحكم لحين بلوغ ابنها (أدد نيراري الثالث) السن القانونية للحكم، وعندما بلغ هذا الملك سن الرشد سلمته أمه الحكم، فقد استطاعت الملكة (شميران) بذكائها الخارق أن تحافظ على الحكم بعد وفاة زوجها، بل وتقوي دولتها لتسلم ابنها دولة أقوى من تلك التي تسلمتها، وتذكر لنا (المدونات التاريخية القديمة) كيف كان عهدها عهدا عظيما للإمبراطورية (الآشورية) فقد خلدتها ذاكرة (الآشوريون) و(الإغريق)؛ وألهمت قصتها الخيال الفني العالمي؛ فقد حكي قصتها (الإغريق) و(الرومان)؛ كما ألهمت رسامين في عموم (أوربا)؛ فرسموها بلوحات خالدة مازلت معروضة في أروقة متاحف العالم؛ وأيضا ألهمت خيال الموسيقيين في عموم دول (أوربا)؛ فظهرت أوبرا (سميراميس) من تأليف (الإيطالي – جايتاتو)، فقد حكمت (الملكة الآشورية – شميران) لمدة أربعين عاما؛ فكانت دولتها مترامية الأطراف وسيطرت على (الأناضول) و(وسط آسيا) و(ارمينيا) إضافة إلى حكمها في (بلاد الرافدين)، وقد أقامت (الملكة الآشورية – شميران – سميراميس) لنفسها مسلة ضخمة تربط اسمها عليها؛ فقد نقشت على مسلّتها أنها زوجة الإمبراطور(شمشي) وأم الإمبراطور (نيراري)؛ والتي لقبت بلقب (ملكة الجهات الأربع) .
وتتوالى الأسماء لـ(للمرأة العراقية) المبدعة إلى العصر الحديث؛ حيث نشير إلى (المرأة) الحقوقية ( نزيهة الدليمي) كأول وزيرة في تاريخ (العراق) والشرق الأوسط؛ واستلمت وزارة البلديات في أول حكومة برئاسة الرئيس (عبد الكريم قاسم) رئيس (جمهورية العراق) عام 1959، ولعبت دورا بارزا في تشريع قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، الذي ضمن جزء من حقوق (المرأة العراقية) واعتبر قانونا متقدما على مستوى (الشرق الأوسط) في ذلك الوقت، رغم كونها طبيبة ومارست مهنتها كطبيبة في مستشفيات (بغداد)؛ والتي كان لها دورا بارزا كناشطة في (الحركة النسوية العراقية)، ومن المبدعات في عالم (المرأة العراقية) نذكر أيضا (رزين محمد الدوسكي) كأول (امرأة عراقية) تعتلي درجة (ربان طائرة)، كما نذكر الشاعرة المرموقة (نازكة الملائكة) والي تعتبر من رواد حركة (الشعر الحر) في (العراق) و(الشرق الأوسط) خلال القرن الماضي، كما نذكر الشاعرة (لميعه عباس عماره) ، وأيضا نذكر المعمارية (زها حديد) التي تنتشر تصاميمها المعمارية والتي تتجاوز عن ثلاثمائة تصميم معماري منجز في العديد من دول العالم، ونذكر كذلك الصحفية (بولينا حسون) كأول صحفية ميدانية ومناصرة لقضايا النساء خلال العشرينات من القرن الماضي والتي أسست أول مجلة نسائية باسم (ليلى) عام 1933 وكانت هي رئيسة تحريرها، وهناك في عالم (المرأة العراقية) عدد كبير من اللواتي يحملن درجة (البروفيسور) في مختلف مجالات العلم والمعرفة في جامعات (العراق) و(العالم) ونذكر – على سيل المثال وليس الحصر – الدكتورة (لميعة البدري) أستاذة في جامعة بغداد.. والدكتورة (مليحة رحمة الله) مؤرخة دكتوراه في التاريخ الإسلامي من (جامعة القاهرة) لها العديد من الملفات في التاريخ.. والدكتورة (سيرانوش الريحاني) طبيبة نسائية وحاصلة على شهادة الطب من بغداد.. والبروفسور الدكتورة (هيفاء علوان الحلي) اختصاص (فيزياء).. والبروفسور الدكتورة (وسماء الأغا) حصله على درجة بروفسور في (الفن التشيلي العراقي) في (بغداد) ولها العديد من المعارض.. والبروفسور الدكتورة (منا ياقو) مختصة في القانون الدولي لحقوق الإنسان وأستاذة في جامعة (العراق – اربيل) و رئيسة هيئة حقوق الإنسان ولها أكثر من أربعين كتابا في القانون؛ كما إنها أشرف على العديد من دراسات العليا.. ونذكر أيضا البروفسور الدكتورة (الس شموئيل) أستاذه مختصة في علوم (الكيمياء) ومدرسة في جامعات (شيكاغو – الأمريكية).. وغيرهن كثر من (النساء العراقيات) اللواتي برزن منذ ما يزيد على سبعة ألاف سنه من (تاريخ العراق) في مجالات مختلفة كالقانون.. والقضاء.. والصحافة.. والسياسة.. والاقتصاد، لتبرز (المرأة العراقية) كقياديات في مجالات مختلفة؛ وساهمن في تمكين (المرأة) وتعزيز موقعها في المجتمع (العراقي)؛ وهذا ما جعل (المرأة العراقية) تتبوأ مكانة بارزة في مختلف مجالات الحياة؛ وقد لعبت (المرأة) دورا مهما في التنمية السياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية، وتعد (المرأة العراقية) كشخصية بارزة في حركات النضال من أجل الحرية.. والاستقلال.. والديمقراطية.. والتقدم الاجتماعي في (العراق) .
ونظرا لما يشهده عالمنا اليوم من تحولات في جميع ميادين الحياة الاقتصادية.. والاجتماعية.. والثقافية.. والتكنولوجية؛ الأمر الذي حتم على المجتمعات كافة بضرورة تغيير البيئة النمطية للحياة؛ وذلك بإعادة النظر في بنية الموارد البشرية فيها بصورة عامة و(المرأة) بصورة خاصة؛ ليتم إدماج (المرأة) في عملية (التنمية المجتمعية) ومنحها بما يليق مكانتها الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية؛ لتحمل دورها الايجابي الفاعل وبخاصة في المشاركة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية في الدولة؛ وذلك بإفساح المجال لها للمشاركة والمساهمة في بناء المجتمع وتطويره وتنميته، ولما كانت (المرأة) تمثل نصف المجتمع فان الحاجة إلى مشاركة (المرأة) في سوق العمل والإنتاج أصبحت ضرورة ملزمة للمجتمع لإحداث التوازن في البناء الهيكلي للاقتصاد ولسوق العمل؛ لنجد أن (المرأة) على الرغم من اندماجها الفعال في المجتمع عبر مزاولة مهن متعددة في كافة مجلات الحياة؛ إلا أنها ما زالت تواجه العديد من التحديات على مستوى مشاركتها المجتمعية؛ ومع ذلك باتت قضية النهوض بـ(المرأة) وتطور قدراتها وتمكينها من أهم القضايا المعاصرة التي يهتم بها المفكرين.. والحكومات.. والمؤسسات والهيئات الدولية؛ كونها تمثل نصف المجتمع، لذلك يتم التركيز على تعليم (المرأة) كمظهر من مظاهر تطور المجتمع بأكمله وضرورة مشاركتها في ميادين العمل والإنتاج بما في ذلك المشاركة الفاعلة في التنمية بمجالاتها العديدة وفي التخطيط واتخاذ القرارات وبما يليق مكانتها؛ لان تمكين (المرأة) يمهد الطريق لها لفتح أفاق الحياة لها والخروج من المنزل والمشاركة في الحياة بكل مجالاتها .
فإذ وجدت (المرأة) المكافحة فرص العمل متوفرة أمامها والقدرة عن التعبير عن رأيها؛ فإنها حتما ستدخل في هذا المجل؛ وذاك لان ذلك سيمهد لها إضافة في تتبلور شخصيتها ويصقل شخصيتها ويحسن ويزيد من وعيها حول مشاكل المجتمع وتعقيدات الحياة، بعد إن يهيئ المجتمع موقعها بتجاوز التقاليد التي تمنع (المرأة) من العمل في أماكن وادوار معينة؛ وهنا تبرز مدى أهمية تغيير واقع الاجتماعي للمجتمع ليفسح المجال أمام (المرأة) للمساهمة في العمل والإنتاج التنموي في مختلف مجالات وتهيئتها لأعمال قيادية على مختلف الأصعدة الإدارية والسياسية وحسب حضارة المجتمع .
ولما كانت (المرأة) في السابق تقبل.. وتقتنع.. وترضى.. بواقعها المفروض عليها اسريا أو مجتمعيا وتقنع بما فرض عليها من عادات وتقاليد؛ أصبحت اليوم وبانتشار أفاق (العولمة).. و وسائل التكنولوجيا الحديثة.. والاتصالات.. وأفاق العلم.. والمعرفة؛ (لا) تقبل بذلك؛ وأصبحت تطالب بحقوقها.. وتطالب بالمساواة.. وبدأت تتحدى الواقع الذي تعيش فيه؛ وتطالب المجتمع والدولة بمصالحها ولصالح الحياة، لان ثقافة العصر أيقظ مشاعرها وفطنها لما هو حق من حقوها بما لا يتجاوز قيم المجتمع بل لتعززه بالعلم والمعرفة وبأساليب حديثة متقدمة لخلق أساليب وثقافة جديدة للمجتمع؛ تكون شكل جديد للحياة يساهم في تطويره وازدهاره، ومع كل ذلك تتحمل (المرأة) مسؤوليات كبيرة وكبيرة جدا من تربية الأطفال.. وإدارة شؤون الأسرة.. ومراعاة ظروف زوجها وتشاركه في السراء والضراء؛ رغم إن المجتمع يضع الكثير من معرقلات إمامها في حقها بالعمل.. ومشاركتها في قرارات تخص شؤون الدولة.. وسن القوانين.. وإنصافها وأعطها الحق الكامل في الحرية واتخاذ القرار تخص حياتها، فمن المعوقات التي تعترض سبيلها هو عدم تشجيعها لتلقي علومها الدراسية؛ لذلك نجد (المرأة) ترزخ تحت نسبة عالية من الأمية؛ ومع ذلك نجد حجم المثابر والعمل البناء من لدنها لمواكبة الحداثة لتحاول تلقي علوما مهما كانت المعوقات والمعرقلات؛ وفعلا استطاعت (المرأة) إن تفرض وجودها في المجتمع؛ لتدخل الحياة العامة بجوانبها الاقتصادية.. والسياسية.. والاجتماعية كافة؛ لتصبح مساهمة.. وفاعلة.. ومشاركة.. بكل هذه الإبعاد لتواصل العطاء من اجل بناء مجتمع معاصر عبر مشاركتها في النشاطات الاجتماعية من اجل قضية تحرير (المرأة) من العبودية والاستغلال الجنسي .
لذلك كثفت (المرأة) نشاطها من خلال المنظومات النسوية والهيئات غير الحكومية كـ(اتحاد العام للنساء )؛ لتبرز في الساحة الاجتماعية لدولة العديد من المنظمات النسوية التي تهتم بشؤون (المرأة) والدفاع عن حقوقها من خلال إقامة المؤتمرات الجماهيرية.. والندوات العلمية والتربوية.. والمشاريع الخيرية، إذ استطاعت (المرأة) إن تشق طريقها بجهدها ومثابرتها للمشاركة في جميع الشؤون العامة واتخاذ القرارات تخص (المرأة) والمجتمع عن طريق النظم المستحدثة التي واكبت انفتاح الاتحادات النسوية.. والتنظيمات النسوية الشعبية.. وكل ذلك جاء لهدف التنمية الاجتماعية.. والاقتصادية.. لتحسين مستوى المعيشة والحياة من اجل حصول الفرد على حقوقه والقضاء على كافة إشكال التمييز .
ومن هنا نفهم بان من أهم متطلبات نهوض (المرأة) مرتبطة بمدى طموح الدولة والمؤسسات المجتمع المختلفة بتنمية وتغيير واقع (المرأة) من خلال رفع مكانتها وتعزيز دورها الاجتماعية وإدراك هذه المؤسسات بواجباتها اتجاه (المرأة) وإبراز طاقاتها وإظهار إبداعاتها والعمل الفعال والفعلي من اجل نهضة المجتمع واستقراره؛ وذلك لتكون تطلعات (المرأة) وطموحاتها منسجمة مع ما تقوم به مؤسسات الدولة من خدمة المجتمع في عملية النهوض والتقدم؛ والتي لابد من مساهمة (المرأة) في حركة التنمية؛ لان مشاركة (المرأة) في عملية التنمية والإنتاج يضعها موضع (القوة) و(الإبداع)؛ إذ تصبح فيه شريكة حقيقية للرجل في الواجبات ولها كامل الحقوق الاجتماعية.. والاقتصادية.. والسياسية، ومن هنا يبرز دون (العمل) في الحياة لان (العمل) هو الوسط الحقيقي الذي تتبلور فيه شخصية (المرأة) واستقلاليتها .
لذلك بدأت (المرأة) تدرك أهمية (العمل) بما يؤمن حضورها اقتصادي.. والاجتماعي.. والسياسي.. والثقافي.. ولاسيما في مؤسسات (التربية) و(التعليم)، ليزاد الاهتمام بها ضمن أهداف وخطط (التنمية)؛ وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد المدارس الابتدائية.. والمتوسطة.. والثانوية.. والمعاهد.. والكليات؛ وهذه الزيادة صاحبت زيادة الطلب على قوة العمل النسائية؛ وهو ما مهد إلى زيادة الطلب إلى عمل (المرأة) في مهن أخرى؛ لتكون (المرأة) التي تمثل (نصف المجتمع) هي الأم..الزوجة.. والأخت.. والعاملة.. وربة البيت.. والمديرة.. والمستشارة.. والدكتورة.. والمعلمة.. والمهندسة.. والصحفية.. والسياسية.. والمزارعة.. والتاجرة.. وصاحبة مشاريع واستثمارات الحرة .
فـ(المرأة) التي ناضلت.. وكافحت.. وسقت طريقها للوصول إلى هذه المستوى والمكانة الاجتماعية في المجتمع لما امتلكته من الخبرة.. والمهنية.. والاختصاص.. وتحمل المسؤولية؛ لا يمكن (اختزال) دورها بثلة من (الفاشنيستات).. و(البلوقر).. وفتيات الإعلان.. والمشاهير (السوشيال ميديا).. وسائل التواصل الاجتماعي؛ وحياة اغلبهن هي حياة مزيفة.. مبتذله .. مصطنعة لا ينجذب إلى هذه النماذج الا من هو فاشل ومبتذل وليس له مكانة من الإعراب – كما يقال المثل – لأنه لا يعرف أولا من هو……!
وماذا يريد………..؟
فـ(الفاشينيستات)؛ هن ثلة من النساء يعانون من كبت لعدة أسباب؛ منها نفسية.. ومنها اجتماعية؛ لظروف التي عصفت بمنطقتنا الشرقية ولفترة طويلة، لذلك اخترن الخروج عن والعادات.. والتقاليد.. وكل ما هو مألوف في المجتمع، ونتيجة لتقدم العلمي.. والتكنولوجي في مجال الاتصالات.. والانترنت.. وشبكات التواصل.. وبعد إن عملت (الرأسمالية الأمريكية) وعبر فلسفتها (الليبرالية) إلى (عولمة العالم)؛ بما جعلا (العالم) قرية صغيرة ، فتم فتح أفق (التواصل الاجتماعي) بين المجتمعات بشكل مطلق وغير محدود؛ وهذا ما أدى إلى انفجار في ظواهر الاتصال.. والتواصل بين كافة المجتمعات وأفرادها في العالم، ونضرا للايجابيات الانترنيت.. ومواقع التواصل الاجتماعي.. بكون هذا العالم فتح أفاق العلم والمعرفة للجميع، فبقدر ايجابيات هذه المعرفة ظهر إلى جانبها جوانب سلبية التي أثرت بشكل سلبي على أفراد المجتمعات هنا وهناك وخاصة في مجال (شبكات التواصل) ما أدى إلى بروز ظاهرة (المحتوى الهابط) السطحي الذي يوصف بأنه محتوى مبتذل لا قيمة له؛ بقدر ما يدرج في باب (السقوط الأخلاقي) بما يمثل تصرفاتهن من انحدار في قيم المجتمع وأعرافه، وهذا الأسلوب ابتدعه بعض الفئات الهشة في المجتمع من اللذين يعانون (الكبت) و(الفشل) فجذبن هذه المواقع بعض المنحرفات اللواتي أخن يتفنن بمظهرهن لنشر صورهن في هذه المواقع ليعرفن تحت اسم (الفاشينيستات) ليصبحن بين ليلة وضحاها من (مشاهير السوشيال ميديا) نظرا لاستقطابهن مئات الآلاف من المتابعين والمتابعات على حساباتهن في وسائل التواصل، ليقمن باستغلال هذا الاندفاع الجنوني من الشباب المراهقين والمراهقات نحو متابعتهن، بالتسويق الإعلاني لمنتجات أو لمحلات تجارية؛ حتى تصل تكلفة ساعة (الفاشينيستا) في وقوفها بأحد المحلات إلى مبلغ كبير وكبير جدا لا يعقله العقل؛ فقد تتقاضى (الفاشينيستا) على ساعة واحدة للإعلان في محل تجاري أو صالون نسائي مبلغ لا يتقاضه (الطبيب) في يومه الكامل وهو يجري فحوصات ويعين مرضى ويوصف الأدوية لعشرات المرضى، ونظرا للأموال والعائدات والأرباح التي يحصلون عليه والتي لا يمكن أن يحصل عليها الأطباء.. والمهندسين.. أو التجارة.. وأصحاب الأعمال الحرة؛ ليصبحن في المجتمع قدوة ونموذج يتهافت عليهن الشباب بعد إن انتقلت قدوة الشباب مع المشاهير من عالم الرياضة والفن بأنواعه إلى هذا العالم المبتذل .
فهذه الظواهر السلبية التي أخذت تغزو مجتمعات العالم؛ ظواهر غير سليمة ولا صحية؛ لا شك أن المجتمع له دور كبير في انتشار هذه الظواهر؛ لان لـ(وسائل الإعلام) لها دور كبير أيضاً ولا سيما شركات الإعلان؛ ولكن أولا وأخيرا يبقى الدور المحوري على العائلة والبيت في غياب التربية الأسرية ودور الأهل في توجيه أبنائهم نحو الطريق السليم، فالمجتمع هو من يسوق لهؤلاء (النساء – فاشينيستات) بشكل كبير واستفزازي؛ لان صورهن تنتشر في شوارع هذه المدينة وتلك.. وهنا وهناك؛ ومن خلال لوحات الإعلانات الضخمة على جوانب الطرق، ليكون هذا الإعلان إعلانا صريحا لهن، وتسويقا للجيل كي يقتدي بهن، لتصبح تلك الشخصيات من (فاشينيستات) قدوة ونموذجا يقتدي بها الشباب والشابات .
(فاشينيستات).. مصطلح تطلق على (المرأة) المشغوفة بالموضة (الفاضحة)، وتتميز هذه الموضة بإظهار مفاتن (المرأة) من أجزاء جسمها البارز في (المؤخرة) و(الصدر).. وحالات النفخ وزرق (الإبر) عند الشفاه وفي الخدود من اجل تكبير (الشفايف) ونفخها؛ وذلك لأن (الشفايف) تعد الجزء الأبرز من ملامح الوجه التي تجذب أنظار الآخرين إليها، فيستخدمن إبرة (بوكتس) او(الأيبوكسي) لإملاء وتسمين مناطق التشققات والتجاعيد الوجه والحاجب؛ لذلك تسعى الكثيرات للحصول على ابتسامة جذابة ساحرة وشفاه ممتلئة لإغراء الشباب إليهن, كذلك عمليات تسمين الوجه بـ(الهورومانت) لتكبير الخدود؛ وهي أيضا من (عمليات التجميل) لجذب الشباب وإغرائهم؛ ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى عدسات العيون وتلوينها ورفع الحاجب وإبداله بـ(التاتو) و(الوشم) على الأماكن الحساسة والتسريحات الشاذة .
وكل هذه العمليات تجريها (الفاشينيستات) اعتقادا منها إن مقاييسها الجسدية مصدراً للقوة.. والجاذبية.. وإغراء الأخر؛ لان المراهقون يجذبون ويهتمون بالفتيات اللواتي تكون صدورهن ممتلئة وكبيرة ومواخراتهن منفوخة وبارزة إلى الخلف أكثر مما هو معتاد لجسد الطبيعي للفتيات .
وإضافة إلى مصطلح (فاشينيستات) ظهر مصطلحات أخرى ومنها (البلوجر) و(الإنفلونسر)، ومصطلح (إنفلونسر) عبارة عن شخص يكون له تأثير كبير على المتابعين ويحصل على المال من خلال الترويج للمنتجات المختلفة سواء منتجات التجميل أو الملابس التجارية بعلاماتها المختلفة، وهو بذلك يكون له شعبية واسعة على مواقع (الانترنيت) وتحديدا على موقع (إنستجرام) من خلال نشر مقاطع الفيديوهات.. أو منشورات.. أو صور مختلفة .
اما مصطلح (البلوقر) او (لوجر) و (بلوجر) مصطلح يعنى (التدوين)؛ الهدف منه إعطاء المتلقي مساحة لعرض محتواه الشخصي على (شبكة الانترنيت) ويمكنه تحقيق الربح من محتواه سواء من الإعلانات أو التسويق لمنتجاته أو استخدامه في الربح من البيع بالعمولة، و(البلوقر) هي خدمة استضافة مجانية تقدمها (كوكل) لمستخدميها؛ وهذه الخدمة تتيح لمتطلع إليها إن يقوم بالتدوين أو كتابة المحتوى وعرضه على (الانترنت) كموقع خاص؛ يبدي اهتمامه بشيء ما ويحاول أن تظهر رأيه في أي موضوع من الموضوعات؛ وعادة تكون المدونات التي من هذا النوع تتناول موضوعات معينة مثل السفر والأزياء؛ واغلب من يصنع هذا المحتوى هو من (فاشينيستات)، رغم إن هناك فرق بين (الفاشينيستا) و(البلوقرات)؛ فلكل منهما مهمته والمهارات التي يجب أن تمتلكها من ترغب في العمل بإحداها، فلم يعد الأمر مقتصرا فقط على العروض.. والصور.. وتنزيل مقاطع الفيديو.. أو عملية مبادلة الرسائل؛ ولكن أصبح هناك أمر يتعلق ببعض العوامل التي تجعل كل منهما ناجحا في عمله.
وحين نحاول استقصاء عن كيفية اندفاع (الفتيات) إلى هذه العوالم سنجد بان (أم الفتات) هي من تشجع ابنتها للانخراط في هذه المجالات؛ لنجد بان اغلب هذه (الأمهات) هن أمهات لا يمتلكن (الوعي) واغلبهم نجدهم لم يتلقوا تعليمهم الدراسي؛ أو أنهم لم يواصلوا علومهن؛ واخلبهن دون شهادات.. وأميات.. وجاهلات، فهذه النماذج من النسوة – للأسف – هن من يشجعن بناتهن إلى الانحراف؛ لان هذه النماذج من (الأمهات) و – جهلا منهن – غالبا يشجعن بناتهن لسلوك سلوكا شاذا مخالفا للعادات والتقاليد المجتمع بغية تعويض عن أحلام التي لم يحققوها في حياتهن بأنفسهن والأشياء التي أنحرم منها أو أنها تراود أحلامهن ولم يستطعن تحقيها أو فعلها، لذلك لشعورهن بالنقص يقومن بتعويض ذلك من خلال تشجيع بناتهن لخوض ما كانت (الأم) تحلم بها وليس (البنت)، فتشجع ابنتها لدخول عالم (فاشينيستات) للحصول على المال عن طريق الشهرة أو لمآرب أخرى يعرفها الجميع، لتتجرد هذه النماذج من الفتيات الـ(فاشينيستات) المسؤولية والشعور بالذات وخاصة من اللواتي لم يدخلن المدارس ولم يتلقين العلوم والمعرفة؛ وهذا ما يقودها إلى الانحراف لاعتمادها على الآخرين؛ إضافة إلى عدم سيطرة (الأب) على الفتاة نتيجة قضاء اغلب أوقاته في العمل خارج المنزل أو لوجود خلافات بينه وبين زوجته التي هي من تتحكم بابنتهما وتشجعها لفعل كل ما تريد دون استشارة رأي الزوج، وفي الغالب نجد بان رب الأسرة او (الأب) يكون على قدر ما من الوعي.. والعاطفة.. والثقافة يتجنب دخول في مشادة كلامية مع أفراد عائلته؛ وهو الأمر الذي يوقع خلافات بينه وبين زوجته لينعكس الأمر سلبا في تربية أطفالهم وتحديدا مع البنات؛ لان من يتحكم في تصرفاتهن هي (الأم) وليس (الأب) .
لذلك فهؤلاء الفتيات اللذين خرجوا للحياة في ظل هذه البيئة فأنهن عن جهل يعتقدن اعتقادا مطلقا بأن التغييرات غير الطبيعية بتكبير الشفايف.. ونفخها بالإبر (الأيبوكسي) و(الفلر) من اجل أخفاء تجاعيد الوجه والحاجب بهذه (الإبر) من خلال (عمليات التجميل) من اجل حصولهم على شفاه ممتلئة.. وتكبير الخدود.. ونفخها.. وتحفيز وتسمين الوجه بـ(هورومانت).. وارتداء ملابس ضيقة تلتصق بالجسد؛ لتظهر الفتات أو (الفاشينيستات) بمظهر مثير لإثارة وان إبداعها لفن (الإغواء) من دون أن تتعرى يأتي من اجل جلب أنظار (الأخر) إليهن لأنهن يعتقدن بان (الجسد) هو وحده مصدر جاذبية (الأخر) – وهو أمر يأتي لجهلها – ودون إن تعلم بان (الرجل) ينظر إلى (الجمال) بشكل مغاير بما تعتقد (الفاشينيستا)؛ لأنه ينظر إلى (الجمال) بعيون أخرى وهو (جمال الروح)؛ وهو الجمال الحقيقي (للمرأة) أين كانت؛ لأنه يضفي على (جمال الجسد) جمالا أبهى.. وأنقى.. واصفي، لان (الجمال الظاهري) هو جمال قد يبهر الإبصار؛ وهو جمال لا يبقى مهما استخدم من تقنيات التجميل.. ومن (الإبر).. و(البوتاكس).. و.. و.. و ..الخ؛ لأنه عرضة للزوال في أية لحظة، بعكس (الجمال الباطني الروحي) الذي يتجلى برجاحة العقل.. والأخلاق.. والفضيلة.. والوقار.. ونفس بعيدة عن الغرور والتباهي.. وحسن التصرف.. واحترام الأخر.. وطيبته القلب.. وأعماله الصالحة.. وحسن خلق.. وعمل.. والتصرف.. وحسن معاشرة.. وحسن أمومة، هذه هي صفات (الجمال) الحقيقي الذي يسحر الشخصية وجاذبيتها؛ لا السطح الظاهر منها؛ فهذا (الجمال) هو جمال باقي ولا يفنى حتى بالموت وهذا (الجمال) هو الذي يشع ببهائه على (الجمال الظاهري)، ذلك فان الرجل المتزن يبحث عن علاقة (الحب) تحت هذا (الجمال) ليؤدي إلى الزواج؛ لان (الرجل) دوما يبحث عن شريكة حياة تحترم نفسها وتطلب الاحترام من الآخرين .
ولأكن أين (الفاشينيستات) من هذا التفكير………….؟
فهن بعيدين كل البعد عن هذه القيم التي يفكر بها الرجل؛ لذلك فأنهن يمارس سلوكا شاذا مجتمعيا؛ ولا يمكن قبوله بأي شكل من الإشكال؛ ومع ذلك فان (الفاشينيستات) تمارس هذه الأفعال دون (تأنيب الضمير) لهذه التصرفات الخاطئة؛ لأنهن – للأسف – كل واحدة منهن لها ملاين وليس ألاف المعجبون على المنصات الكترونية.. ووسائل التواصل الاجتماعي.. ومنصات على (السوشيال ميديا)؛ ولا شيء يهم لهؤلاء (الفاشينيستات) بقدر ما يهما الشهرة.. والنجومية.. وجمع المال.. واقتناء سيارات فخمه.. ويتراكضن وراء هذه النجومية الكاذبة اللاخلاقية .
وللأسف أصبحت (الفاشينيستا) وظيفة تجذب نمط معين من الفتيات لا عقل لهن ولا تعليم؛ وتبرز معظمهم بغض النظر عن خلفياتهم.. وأخلاقياتهم.. والمحتوى الذي يقدمون؛ لان ما يهم هو المال.. والشهرة.. والنجومية؛ بغض النظر عن الحروب.. والمآسي.. والويلات التي يعيشها عالمنا؛ لان (غياب الوعي)؛ أصبحت سمة لرواد التواصل الاجتماعي.. والسوشيال ميديا.. ومنصات التكنولوجيا الحديثة.. وعالم الانترنيت.. والتواصل الاجتماعي.. ومن خلال الثورة الرقمية والتكنولوجية في ظل (العولمة) التي يشهدها عالمنا والتي توفير كل الوسائل التي تجعلنا قادرين على التقليد وليس التثقيف ونشر الوعي…………!
ولكن يبقى القرار لنا عن شكل التغيير الذي نريده لتغيير واقعنا نحو الأفضل؛ والتأثير الذي نصبو إليه في زيادة المعرفة.. وتشكيل الوعي بما يخدم واقعنا ومستقبلنا …………!
لذلك فان من يتراكض وراء هذه المنصات وهو مغمض العقل؛ هو من يقع في وطأة المخالفات وتحت طائلة العقوبات وازدراء المجتمع، لان (الفاشينيستات) مهما بلغن من النجومية.. والشهرة.. وجمع المال؛ يبقى عالمهن محاصر في اطر ضيقة؛ لان (المجتمع) لا .. ولن.. ينظر إلى (المرأة) بصورة عامة كما ينظر إلى ثلة من (الفاشينيستات)؛ ولا يمكن (اختزال) نضال (المرأة) وتضحيتها وما يقدمن من عمل ونشاط في كل مجالات الحياة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادي؛ بثلة من (الفاشينيستات) .
لان (الإنسان) كـ(إنسان) يكمن أهميته بجوهر شخصيته والتي تحدد سيرته في الحياة وطريقة تعامله مع الناس.. ومدى انضباطه.. والتزامه بالقيم والمبادئ والأخلاقيات، فالإنسان إذا وجدت عنده فضيلة الوفاء.. والصدق.. والإخلاص.. وتفاني في تقدم عمل من اجل خير الأمة التي يعيش فيها؛ وكان صادقا في تعاملاته مع الناس واستطاع أن يبني الثقة معهم، وكذلك الحال مع كل القيم النبيلة الصادقة التي تعكس صورة الإنسان الحقيقيّة بدون تزييف؛ فكل إنسان بمعدنه الذي يعبر عن أصالته التي لا تتغير بتغير الأحوال والظروف، ولا بد لكل إنسان (رجل) كان أو (امرأة) أن يحرص على الاهتمام بجوهره أكثر من اهتمامه بمظهره الخارجي؛ رغم إن المظهر الخارجي للإنسان مطلوب ولأكن يجب أن يعكس بمظهره صورته الداخلية بحيث تتلاءم معها وتتوافق دون أن تتعارض .
فالمظهر لا يدلنا أبدا على معرفة (شخصية الإنسان) وأسلوبه إلا بعد التعامل معه ولا يمكن ان نحكم على الشخص من خلال مظهره؛ لان أي إنسان هو عبارة عن قيم داخلية من ثقافة.. وسلوك.. وعواطف.. ومشاعر.. وغيرها من أمور .