د. عبد الرحيم محمود جاموس
أمد/ تحلُّ على الشعب الفلسطيني الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد ابن فلسطين القائد الوطني الكبير فيصل عبد القادر الحسيني، تأتي هذه الذكرى الأليمة والثقيلة بكل ما تعني لفلسطين وللقدس ولغزة الأرض والشعب على السواء من المٍ كبير، لما تشهده غزة والقدس وكل فلسطين اليوم من هجمة صهيونية عنصرية فاشية اقتلاعية شرسة ومتصاعدة مخلفة القتل والدمار والتشريد الهمجي السافر، تستهدف ابتلاع الأرض وتهجير الإنسان وتدنيس المقدس، نعم في ذكرى الغياب الأليم نفتقدك يا حبيبنا فيصل، كما هي القدس وغزة وفلسطين تفتقدك اليوم بكل ما تحمل الذكرى من ألم وما يحمله الواقع من معاناة.
نعم نفتقد هذا الرمز الوطني الكبير من رموزنا الوطنية الفلسطينية المناضلة، لقد كان كبيرا متواضعا، شجاعا حَيِيَاً، كان صاحب قلب كبير، كان هو الروح الجامعة والفكر الثاقب وواسطة العقد المقدسي والوطني، حمل هم القدس وهم فلسطين الوطن والشعب، كان رحمه الله يعي ماذا تعني القدس له ولفلسطين وللعرب وللمسلمين والمسيحيين وللإنسانية جمعاء، كان يعي أن جوهر معركة فلسطين هي معركة الصمود ومعركة القدس، وأن من يكسب معركة القدس يكسب فلسطين، فهي بمثابة الرأس والروح للوطن وللأمة، فلا فلسطين بدون القدس، ولا قدس بدون فلسطين.
كان فيصل دارساً لتاريخ القدس وفلسطين مستوعباً لدروسه وعبره، يعرف مكانتها في الصراع الدائر منذ الأزل إلى الآن، أعطاها كل اهتمامه، لا يوجد حجر في القدس ولا شجر ولا بشر، إلا وأخذ من اهتمام الشهيد فيصل، كان مدركاً أن من يعطي الأرض هويتها ومن يعطي المقدس قيمته هو صمود الإنسان فيها وفيه، كان واسطة العقد لكل مكونات القدس الإنسانية والسياسية، إسلامية ومسيحية واجتماعية، كان قائداً فذاً واعيا قولا وعملا، يجمع ولا يفرق، يستنهضُ ولا يخذِلُ ولا يعرف الإحباط مهما ادلهم الصعب ومهما تصاعد القمع، كان في المقدمة دائماً دفاعاً عن المقدسات ودفاعاً عن الإنسان ودفاعاً عن الأرض، لقد استحق بكلِ جدارة كل أوسمة النضال، في الدفاع عن القدس والمقدسيين، وعن فلسطين والفلسطينيين، كان لا يألو جهداً، ولا يترك مناسبة أو حدثاً إلا والقدس وفلسطين حاضرتين فيه، كان مناضلاً من طراز خاص، لا ترهبه إجراءات العدو، ولا تثنيه عن مواصلة النضال من أجل الهدف الذي نذر له نفسه، كما فعل والده من قبله الشهيد عبد القادر الحسيني وجده موسى كاظم الحسيني، دفاعاً عن عروبة وإسلامية ومسيحية المدينة المقدسة، دفاعاً عن حقوق شعبه المشروعة في وطنه فلسطين، كان رحمه الله مدرسة نضالية، كان مدينة في رجل، ووطناً في رجل، كان سهلَ القبولِ والوصول إلى النفوس، دون تكلف أو فيهقة، أحبه الجميع، واستحق عن جدارة كل الحبِ وكل الأوسمة والألقاب في الدفاع عن القدس وما تمثله، هو فارس القدس، وأميرها، بقي ثابتا حتى لاقى وجه ربه على أرض الكويت الشقيق يوم 31/05/2001م وهو يحملُ همَّ القدس وهمَّ فلسطينَ، هذا الهمُّ الذي لم يفارقه لحظة واحدة طيلة حياته وقضى في سبيله، لقد أحبه شعبه وبكاه يوم فقده وغيابه، بما يستحق العظماء من البكاء حين تحلُ ساعة الوداع والرحيل، ودعه شعبه بما يستحق من وداع، أرهب به العدو الإسرائيلي، فرض عليه هيبته ومكانته، فأخلى العدو مواقعه في المدينة المقدسة خوفاً ورهبة من موكب وداع هذا الراحل الكبير بذلك الوداع الشعبي العفوي الكبير.
الشعب الفلسطيني اليوم يفتقد غياب فارس القدس وأميرها وشهيدها، يستذكر فيه كل هذه المعاني النضالية العظيمة التي كان يجسدها حضوره وفعله، ليؤكد اليوم أنه على خطى هذا الفارس القائد البارع في الدفاع عن القدس والوقوف في وجه الهجمة الإسرائيلية الفاشية العنصرية والتوسعية والإقتلاعية الجارية الشرسة المتصاعدة، التي تتواصل وتتصاعد في ظل سياسات التطرف والإرهاب من قبل حكومة المستعمرة اليمينية الدينية الصهيونية الساعية إلى طمس هوية القدس وتهويدها، وقطع رأس المشروع الوطني الفلسطيني واستئصال قلبه (القدس).
رفاق فيصل من إخوانه وأبناءه وأحفاده أبناء القدس وكل أبناء شعبه الفلسطيني، يحملون اليوم رسالته، لن يكلوا عن مواصلة طريق النضال الذي قضى عليه فيصل من أجل القدس، عاصمة لفلسطين، ومن أجل الحرية والإستقلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، من أجل أن يعم السلام مدينة السلام، وأرض السلام فلسطين.
رحمك الله فقيدنا الكبير وشهيدنا وفارسنا ومعلمنا، رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، أنت وجميع رفاق دربك الذين سبقوك، والذين ساروا على نفس الدرب، والتحقوا بك، فهنيئاً لكم جميعاً، قوافل الشهداء الأبرار، من أجل القدس، من أجل فلسطين حرة مستقلة، نذكركم جميعاً لن ننسى أحداً منكم…
سيبقى زيت ذكراكم العطرة، يضيء الطريق إلى القدس عاصمة ابدية لفلسطين الحرة المستقلة.