محمد المحسن
أمد/ رفضت فرنسا منحي تأشيرة عبور الأبيض المتوسط..والقدوم إلى عاصمة أنوارها الساطعة..
رفضت فرنسا قبولي ضيفا..أومقيما على ترابها لأني كتبت عن تاريخها الكولونيالي منذ فرض مملكتها سيطرتها على حصن كوليني في البرازيل عام 1555..وآثاره المدمرة..
نسيت فرنسا هذه العبارة : إن لم تكتب تاريخك فإنّهم سيكتبونه بدلا منك..وهي حدى العبارات التي لخصت الهيمنة الاستعمارية بالمنطقة العربية،إذ كان المحتل الغربي- وعلى رأسه فرنسا الإستعمارية- يعيث في الأرض فسادا بتدمير القرى وتهجير الأهالي، بل تعدّى جرمه إلى تغيير التركيبة الاجتماعية بالتلاعب بأنساب وألقاب المستعمَرين،وحملهم على التخلي عن موروثهم الثقافي/الديني، مستعينا على ذلك بمؤسسة استشراقية أنتجت من المتخيّل عربيا مهووسا بالقتل،همجيا لدرجة أنّه سيصبح عبئا على الحضارة الغربية عند تحرره،ولتعزيز التلفيقات تلك شرعت المؤسسة الاستشراقية في استهداف اللغة والثقافة لدى الشعوب المستعمَرة،بخلق رواة محليين بإمكانهم وصف الأمكنة والطرق والطبيعة وفق الرؤية الاستشراقية الدونيّة،واقتصار “الشرق” الساحر على الطبيعة الجميلة وتناثر القبائل وبداوة العربي ولباسه التقليدي، متجاهلة الإرث “ما قبل الكولونيالي” للحضارة العربية وتاريخها الممتد إلى العمق الأوروبي.
واليوم..
تتخبط الجمهورية الفرنسية وسط تحديات كبيرة ليس مع الإرهاب العابر للقارات كما تزعم،بل مع إرهاب يتأصل داخل بنية نظامها السياسي/الثقافي،ضمن حضور يميني يستعدي التنوع ويحرص بشكل مريع على استرضاء الصهيونية متغاضيا عن مجازرها، ويكفي أن تُجرّم معاداة الساميّة والعنصرية بشكل قانوني وإلزامي في الجمهورية كي تتهاوى الالتزامات الأخلاقية تجاه القضايا التاريخية للمستعمرات الفرنسية، بالتغاضي عن “طلب الاعتراف” و”التجاوز” نحو شراكة اقتصادية تضمن للورثة الكومبرادوريين حضورهم المستقبلي في تقرير مصير شعوبهم.
الحقيقة التي ترسّخها الجمهورية الفرنسية بعيدا عن قيمها التنويرية واستفحال عقدة ساستها ونخبتها التاريخية لا تحتاج إلى كثير من التحليل لتقييم مردودها الأخلاقي على المجتمعات المهمشة تاريخيا وحضاريا، فهي اليوم تعيش عزلة أخلاقية سببها الملاحقات التاريخية التي لا ترغب الجمهورية بوضع اللبنة الأولى للاعتراف، ليس بالجرم التاريخي الممتد إلى قرنين من الزمن فحسب، بل بجرائم ضد الإنسانية ترعاها فرنسا في سبيل تبرير إحلال الشتات مكان الشعب الأصلي.
إن المطالبة بنبش الحقبة العثمانية وإرثها الثقيل وارتكابات سلاطينها وخلفائها بحق شعوبنا ومجتمعاتنا،وبحق الشعب الأرمني، وبحق شعوب أوروبا التي دخلت بلدانها جيوش الانكشارية العثمانية، تحتّم أيضاً وفي المقابل نبش التاريخ الكولونيالي لفرنسا في الجزائر، وفي غيرها من بلدان أُخضعت للاستعمار أو الاستيطان الكولونيالي، وكان لهذا التاريخ ضحاياه الذين لا يزالون ينتظرون الإنصاف وبعض العدالة النسبية لرد الاعتبار لهم، حتى يكون للصفح والتسامح معانيه ومدلولاته العملية، ولاستئناف مسيرة الصداقة والتعاون بين بشر الزمن الحاضر، تخلّصاً من أعباء ماضٍ أطفأ أنواره ومضى إلى غير ما رجعة.
هل عرفتم الآن..سبب رفض فرنسا منحي تأشيرة القدوم إليها..؟!
السؤال في حد ذاته..جواب..ولا يستدعي أستخارة..