أمد/
القدس: ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية مجموعة “على شرفة حيفا” القصصيّة للمحامي الحيفاوي حسن عبّادي، والتي صدرت عام 2023 عن دار الرعاة للنشر والتوزيع في رام الله، ودار جسور الثقافية في عمّان، وتقع المجموعة التي تحوي 38 قصّة في 108 صفحات من الحجم المتوسّط.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
(على شرفة حيفا).. في منزله الذي يطلّ على البحر، كانت للعبادي صولات وجولات داخل ثنايا ذاكرته، خاصة وأنّه محام قريب من الناس، يعرف أدق تفاصيل حياتهم، ويعالج قضاياهم، وهو بطبعه إنسان اجتماعي بالفطرة.
على شرفة منزله في حيفا، عصر العبادي دماغه يسترجع محطات عاشها أناس ممن عرفهم شخصيا، أو سمع عنهم، فنسج منها قصصا اجتماعية نقدية وطنيّة توعوية، منها المعروف للناس، يتحدّثون عنها في ليالي السّمر، ومنها المستور، والتي لا زالت تقبع تحت الطاولة.
جاءت قصصه على صورة لقطات من الحياة، صاغها على شكل نهفات، منها ما أضحكنا، فشر البليّة ما يضحك، ومنها من ترك غصّة في قلوبنا.
قصد الكاتب بأن تكون رسائله توعوية هادفة. قد يكون بالغ في بعضها، قاصدا أن تكون أشبه برسومات الكاريكاتير التي تُضخّم جزءا من الرّسمة، كي تلفت نظر المشاهد إلى الموضوع الذي يقصد لفت النّظر إليه، فيحقّق الهدف.
أعجبني الاهداء الذي ضمّ جميع أفراد أسرته دون استثناء، ولكنّه خصّ به زوجته سميرة التي تدعمه وتكون له السّند في كل مجال يرتاده. كما كان لها نصيب أيضا في الشّكر والتّقدير، ضمن عدّة أسماء، ارتأى الكاتب أنّ من حقّهم عليه أن يذكرهم اسما اسما، لدورهم المباشر أو غير المباشر في إصدار الكتاب.
لفت نظري عناوين النّصوص غير المألوفة، التي كان لها دور كبير في تشويق القارىء للغوص في متنها فيخرج بالفائدة المتوخّاة.
نصوص متنوّعة، جعلت القارىء يعيش قضايا النّاس بحلوها ومرّها. ركّزت بعضها على عنصريّة الاحتلال، وما يجري داخل المحاكم، وخلف القضبان من ظلم وافتراء.
كما ركّزت على علاقات النّاس مع بعضهم البعض، فمنهم الأصيل يقابله النّذل، ومنهم المُستغِلّ الاتّكالي، يقابله المبادر، ومنهم الحقيقي، يقابله المزيّف شكلا ومضمونا… الخ من شخصيّات متنوّعة، نلتقيها في حياتنا، فتترك في حياتنا إمّا أثرا إيجابيا فنذكرهم بالخير، أو سلبيّا، فتتبعهم اللعنات.
جاءت النّصوص المتنوّعة بلغة بسيطة، معظمها باللهجة المحكيّة، وكأنّ الكاتب قصد بأن يفهمها كل من قرأها دون تعقيد.
ولكن بقدر بساطة كلماتها، حملت في طيّاتها دلالات عميقة. فلن يفهم رسالتها المخفيّة سوى من يقرأ ما جاء بين السطور.
نصوص جريئة، تناولت قضايا يتجنّبها العديد من الكتّاب كي لا يقعوا في المحظور.
إلا أن أسلوب صياغتها خدمها، فقد جاء بعضها على شكل طرفة، بلعها القارىء كبسولة، فكان لها أثرها داخل نفسه دون أن يدري.
نصوص كانت أشبه بعين الكاميرا، التي تلتقط مشاهد لا بد من الوقوف عندها وتأمّلها.
إلا أنّني أرى أنّ مبالغة الكاتب في التعامل مع اللهجة المحكيّة ظلمها، فمن المؤكّد أنّها ستحرم من هم خارج الوطن من فهم النّصوص، فلو استبدلها بلغة عاميّة بسيطة لكان أفضل في فهم النصوص والاستمتاع بها، سواء كان ذلك داخل الوطن أوخارجه.
وكتب جميل السلحوت:
عرفنا المحامي حسن عبّادي النّاشط في قضايا الأسرى، من خلال مشاركاته في أكثر من منتدى ثقافيّ. وها هو يخوض في هذ الكتاب في مجال القصّة القصيرة.
أثناء قراءتي للمجموعة توقّفت أمام العنوان “على شرفة حيفا”! وعندما رأيت ما كتبته السّيدة سميرة عبّادي زوجة الكاتب المحاميّ على الغلاف الأخير:” من على هذه الشّرفة أطلقنا العنان لأفكار كانت حبيسة الموقف فصارت قصصا، منها ما أضحكنا ومنها ما أحزننا وأوجعنا، هذه القصص تحكي عصارة مرارة هذا الشّعب الشّقيّ.”
توقّفت ثانية أمام ضمير جمع المتكلّم ” أطلقنا العنان….”، فهل شاركت السّيّدة سميرة زوجها في كتابة هذه القصص، أم اكتفت بطرح الأفكار، أم كانت تراجع وتدقّق وتنصح وتقترح؟ لكنّها في الأحوال كلّها ذكّرتني بمقولة “وراء كلّ رجل عظيم امرأة”. لكن قبل هذا وذاك ما المقصود ” بشرفة حيفا”؟ فالكاتب بالتّأكيد من حيفا، فهل يقع بيته على قمّة الكرمل أم على سفوحه؟ وهل لهذا البيت “شرفة” حقّا؟ وماذا تعني “شُرْفة”؟ وقد جاء في معجم المعاني الجامع:” أشْرَفَ الشيءُ: عَلاَ وارتفع
أَشْرَفَ على الْمَدينَةِ: اِطَّلَعَ عَلَيْها مِنْ فَوْقُ، أَيْ مِنْ مَكانٍ عالٍ
أشْرَفَ عليه: تولاَّه وتعهَّده
أَشْرَفَ الْمَكانَ : عَلاهُ.”
واقتران “الشّرفة” بحيفا له دلالات كثيرة، والمعنى في قلب الكاتب، أو كما كتبت زوجته عن هذه القصص:” أرجو أن تُفهم بقدر ما هي عميقة”! ورجاؤها هنا يضعنا أمام تساؤلات تبعدنا عن “الجمل التّفسيريّة” التي تُفسد أيّ نصّ أدبيّ، لكنّها تترك القارئ؛ ليفهم النّصوص حسب وعيه وثقافته.
وإذا عدنا إلى “القصص” الواردة في هذا الكتاب فإنّنا نجد أنفسنا أمام تساؤلات حول تصنيفها، فهل هي قصص أم حكايات أم تقارير إخباريّة؟ وفي الواقع فإنّها خليط من هذا كلّه، وإن كان يغلب عليها الفنّ الحكائيّ، وهذا ما وقع فيها الكاتب نفسه عندما ابتدأ الكاتب غالبيّة نصوصه بـ “كان وكانت”، وهذا من صفات الحكايات الشّعبيّة التي تبدأ بـمصطلحات مثل:” كان يا ما كان في سالف العصر وقديم الزّمان….”، ويعزّز هذا الرّأي أنّ عناوين بعض هذه النّصوص جاءت أمثالا أو أقوالا شعبيّة، والتي لم يخلُ السّرد منها أيضا، والّذي جاء انسيابيّا مشوّقا كما هي الحكايات الشّعبيّة، وطبعا هذا الرّأي لا ينتقص شيئا من قيمتها. لكنّه يقودنا إلى تساؤلات أخرى منها التّساؤل حول المصدر الذي استقى منه الكاتب نصوصه هذه منه؟ والإجابة على هذا السّؤال يؤكّد مقولة ” أنّ الكاتب ابن بيئته”، والكاتب المحامي حسن عبّادي ابن هذا الشّعب يعيش أفراحه وأتراحه ويحمل همومه، ومن هذا الواقع الاجتماعيّ بكلّ تعقيداته وتناقضاته استمدّ مضامين نصوصه، فصاغها بطريقته الخاصّة وهذا هو الأدب الواقعيّ. وإذا ما تساءل البعض عن الجديد في هذه النّصوص، فإنّنا نُذكّر بأنّ الأدب “هو ذاك الكلام المنمّق الجميل الذي إذ قرأه الجاهل ظنّ أنّه يُحسن مثله”. واللغة المباشرة التي تبتعد عن الغموض والتّعقيدات اللفظيّة لغة أدبيّة أيضا، وللتّذكير فإنّ المتنبّي شاعر العربيّة على مرّ العصور كانت لغته مباشرة.
وقالت د. روز اليوسف شعبان:
أهدى الكاتب مجموعته إلى حفيديه وابنتيه وزوجته لدعمها الاستثنائيّ له وحنكتها وحبّها ولكل عاشق لحيفا.
صُبغت هذه القصص بالصبغة الاجتماعيّة الواقعيّة، حيث تصوّر حوادث وقعت مع أبطال هذه القصص. كما يُستشف منها تأثير عمل الكاتب في المحاماة على أسلوب وموضوع الكتابة، فقد اتّسمت العديد من هذه القصص بالأسلوب الاخباري بعيدا عن الوصف والمجاز والاستعارات. فجاءت اللغة واقعيّة وسهلة.
أما أسلوب السرد فجاء بصيغة السارد العليم الذي يتحكّم بخيوط الحبكة وشخصيّاتها فيحركّها وفق تصوّر بناه مسبقا لهذه الشخصيّات. لذا نجد أن السارد في بعض الأحيان، يتيح للشخصيّات أن تجري حوارا بين بعضها البعض، في حين غاب الحوار الداخليّ عن هذه القصص.
أما من حيث مضامين القصص، فنجد أن الكاتب اختار مواضيع من عالمه المتعلّق بالمحاماة والدفاع عن المعتقلين، فنجد أنّ قسما من المعتقلين من النساء اللاتي اعتقلن بسبب قطفهنّ العكّوب، كما في قصّة “كلّها طبخة عكّوب” ص 63″ وقضايا قانونيّة أخرى.
كما تعرض الكاتب للأشخاص الذين يدّعون أنهم يكتبون الشعر ويحاولون الظهور على المنصّات، مستعينين بأموالهم:” كانت ميمي شويعرة في البدايات، أدمنت الشاشة الزرقاء فقتلتها الغيرة، بدأت تنقل الأشعار وتنسبها لنفسها، وأحيانا تبدّل كلمة هنا وأخرى هناك، محاولة الحفاظ على الديباجة والقالب دون جدوى”.(ص 34).
وفي أكثر من قصّة تحدّث الكاتب عن القرى المهجّرة، ومعاناة أهلها بعد تهجيرهم من بلدهم، كما في قصّة ” الوطن غالي يا بهجة ص 38، وقصّة “ردّني الى بلادي” ص 46، وقصّة “صبار في اللّجون” ص 53، وقصّة ” هاي عليّ” ص79، وفي هذه القصّة ذكر عدّة قرى مهجّرة مثل: قرى الروحة، ام الشوف وقنبر وخبيزة وصبّارين، كما تعرّض لقضيّة بيع الأراضي لليهود كما في قصّة ” هذه الأرض إلها صحاب” ص 82، وقضيّة العمالة والتعاون مع السلطات كما في قصّة “إيدو واصلة” ص 91، وقصة “فيضي يا دنان الخمر فيضي” ص 58، وفي قصّة ” السنجر” ص 87، تعرّض لموضوع يؤرّق مجتمعنا بشكل خاص وهو عمل بعض الشباب كمأجورين يقومون بمهمات القتل والتهديد مقابل أجر.
وإذا ما تمعّنا في الشخصيّات النسائيّة التي وردت في قصص المجموعة، فإنّنا نجدها شخصيّات ضعيفة مهزومة، تفتقد للقيم والثقة بالنفس، مثل شخصيّة رماح في قصّة البقرة الحلوب ص 93،:” اهتمت رماح بشؤون المنزل وتربية ولديها ولم تكمل تعليمها الجامعي نتيجة لزواجها المبكّر، بدأت الغيرة تقتلها، فحاولت التعويض عن ذلك بالتبرّج والاهتمام بمنظرها وزينتها، ولجأت لعمليّة تجميل لدى جرّاح متخصص في الجراحة التجميلية، لتكبير الثديين لتعزيز احترام الذات والثقة بالنفس” ص 93. وشخصيّة منار في قصة “السنجر” التي كانت من عائلة محافظة تعودت الصيام والصلاة واللبس المستور والحجاب، لكنها حين سافرت للتعليم الجامعي في بلاد بعيدة، اعتزلت صلاتها وصومها، بدأت تقصّر فستانها رويدا رويدا، ترتاد المقاهي والنوادي الليليّة، ومن ثم البارات والحانات، فعملت في أحد البارات وصارت ساقية في حانة” ص 89. كذلك شخصية ميمي في قصة الطمبورية” ص 34، التي لجأت لتجديد شاكلتها كل صباح علّها تبرز بعضا من مفاتنها فلم يلمع نجمها على الساحة الثقافيّة، واستعانت بمشايخ الفيسبوك ليكتبوا لها أشعارا ويكيلوا لها المديح، ولكن لا حياة لمن تنادي” ص 34. كذلك شخصيّة ميمي في قصّة” مش كل واحد لفّ الصواني صار حلواني” التي فشلت في تعليمها وجربت حظّها في عدّة مجالات وفشلت، غيّرت شاكلتها محاولة التصنّع وابراز مفاتنها الاغوائيّة وصارت أميرة من أميرات الفيسبوك لكن دون جدوى. ص 15. وكذلك شخصية ميمي في قصّة ” علينا يا مندلينا؟” ص 13:” كانت ميمي لعوبة جيلها تنقلت من مدرسة لأخرى ومن وظيفة لأخرى وبطاقتها التعريفية وجهها الممسوخ من كثرة المساحيق والعمليات التجميليّة، وفي كلّ عرس تحاول أن يكون لها قرص، لكن دون جدوى” ص 13.
وقد كان للأعمال الخيرية نصيب في قصص هذه المجموعة، كما في قصة ” بين دخيل وأصيل” ص 41 وقصة “هاي أحسنلكم من حجة” ص 101.
جاءت عناوين قصص المجموعة ايحائيّة، بعضها مستمدّ من الأمثال الشعبيّة، مثل:” من طينة بلادك حط على اخدادك، و “ريحة الجوز ولا عدمه”، “علينا يا مندلينا؟” “هواة الغشيم بتقتل”. وبعضها مستمدّ من التناصّ الأدبيّ مثل: فيضي يا دنان الخمر فيضي، وردّني الى بلادي وهي مطلع أغنية غنتها فيروز” ردّني الى بلادي مع نسائم الغوادي مع شعاعة تغاوت عند شاطئ ووادي”. وقد وفّق الكاتب في اختيار معظم العناوين وكان أقلَّ توفيقا في بعضها مثل عنوان قصّته: البحث عن فاطمة، وقصة ” خليت السيارة دايرة” ص 44.
مجموعة على شرفة حيفا، مجموعة قصصيّة اجتماعيّة، تنوّعت مواضيعها وتعدّدت شخصياتها، منها الشخصيّات المستهترة الخاملة العميلة، والشخصيّات الوطنيّة المتمسّكة بأرض الأجداد، ومنها شخصيّات ضعيفة ومهزوزة. وقد جاءت هذه المجموعة؛ لتلقي الضوء على سلوكيّات اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة سلبيّة لكنّها مع ذلك تلقى رواجا، وقد يكون للفيسبوك ولوسائل التواصل الاجتماعيّ، دور في نشر هذه السلوكيّات وكشفها على الملأ.
وكتبت اسراء عبوشي:
الإطلالة الجميلة على بحر حيفا حيث شرفة بيت الكاتب حسن عبادي أوحت له بكتابة سرديات حياتية، تعبر عن مواقف يومية حصلت وتحصل، حسن المسكون بحب الوطن المتشبث بأرضه، الحامل لهمّ قضيته، صاحب المبادرات الإنسانية والوطنية لنصرة أسرانا البواسل.
هذه النصوص قريبة إلى الحكاية، فالحكاية: ما يحكى أو يقص حدثا واقعا أو متخيلاً، وتشترك تلك النصوص مع الحكاية بكونها نتاجا فكريا جميلاً، سردت ببساطة، وانتهت بإعطاء الإنسان درسا للحياة.
يعزز هذا المعنى ما كتبته زوجته سميرة على الغلاف الخارجي “من على هذه الشرفة أطلقنا العنان لأفكار كانت حبيسة الموقف فصارت قصصا، هذه القصص القصيرة تحكي عصارة مرارة هذا الشعب الشقي.”
غلب على عنوان المجموعة الأمثال والعبارات المتداولة يوميا، وكان مغزاها وقوتها في الخواتيم، الاحتلال شكل طقساً لحياة الفلسطيني ومعاناته، منذ النكبة وما لحقها من تشرد ولجوء، ومعاناة للفلسطينيين في الداخل المحتل، وتبعات النكسة الباقية في الروح والجسد، وانعداماٍ لأبسط حقوقنا في التنقل من بلد لآخر داخل الوطن بحدوده بين نكبة ونكسة.
وكذلك تناولت بعض النصوص الحالة الاجتماعية التي فرضها الاحتلال، بعد أن خسر الفلسطيني أرضه وبيته ووطنه، مصدر رزقه ورزق أولاده، ليعود عاملا بأجر يأخذه ممن اغتصب قوت يومه، وسكينة حياته.
نقد الكاتب تناقضات المجتمع الإسرائيلي الذي يدعي المثالية والحرية، حيث يشكّل جمعيات مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وهم يستقرون في بيوت الفلسطينيين المسلوبة. وأيضا نقد -بأسلوب ساخر- ظواهر سلبية تضرب نسيج المجتمع الفلسطيني، وتلحق الضرر بهم وبغيرهم وبالوطن برمته.
كان للمكان دور كبير في المجموعة، فقد ركز الكاتب على قرى الروحة، التي تضم 39 قرية، دمرت وضمت أراضيها إلى مستعمرة زخرون يعقوب، ذكر عددا من من قراها: اللجون وإجزم، وخبيزة، السنديانة، أم الشوف، البريكة، صبارين وغيرها.
استخدم الكاتب كلمات عامية، وذلك يحسب للكاتب، النصوص استدعت هذه الكلمات وبثت فيها روح موسومة بالبساطة، مثال ذلك: فلنكحياً، شاشت، مشرّق، خردعة، هيّصنا، غبّ، هي كلمات كانت على لسان الأجداد والجدات وكادت تنسى.
وكتبت أسمهان خلايلة:
حسن عبادي المحامي الذي لا يكل ولا يمل من زيارته ومتابعة البواسل في المعتقلات ينقل الأدبيات التي خطتها أيديهم ويهدينا تلك الجمرات.
كأني بحسن عبادي يجلس على شرفته في حيفا عروس المدن، يتأمل ويرتشف قهوته على مهل ثم يخط التجارب التي مرت به ككاتب او محام، قد ألحت عليه التجارب والقصص ليوثقها ويشارك القراء تجواله من حيفا الى مجدو، الى جنين الى اجزم ..الى الروحة. وغيرها وغيرها من القرى والمدن الفلسطينية .
أقتبست عنوان مداخلتي من عبارة لا تموت وهي روح النصوص المنشورة:” هاي الارض الها اصحابها “. سأنعتها بالنصوص والصور القلمية والسرديات وكلها تنضوي تحت لواء الفن القصصي ان أجزت لنفسي هذه التسمية، لكنني لن أجزم بتسميتها قصص فهذا الجنس الأدبي له مقوماته .
حسن عبادي اختار السرد البسيط السهل والسلس، ليوصل الأفكار التي تركمت لديه حتى حاصرته فكان لا بد من اطلاقها .
أتحفنا الكاتب بقصص اغترفها من نهر تجاربه كما رأيتها من خلال تتبعي الذي لم يتوقف منذ الصفحة الأولى حتى أدركت الفهرس .
لم يترك عبادي ظاهرة الا وأحصاها، وهي تصب في مناحي منوعة ،الاجتماعية ، السياسية، الأدبية، الدينية .
راصد ذكي ويعتمد الاختصار . نصوصه تشبهه ..مثقف مقل في الشرح والثرثرة يوصل الفكرة وينصرف .
عن العنف وايمان بعض ضعاف النفوس باستعماله كوسيلة لكسب العيش أو اخضاع بني جلدتهم وأهلهم . ضعف الرقابة الأسرية والأم التي شرعنت لجوء ولدها الى العنف وهي مشغولة بتفاهات شخصية وأنانية .
ليلي التي نقلها حسين الى بيتها فهما زميلان ..وحين وصلا بيتها كانت المفاجأة الصادمة حتى الاغماء . بيتها هو بيت جده المهجٌر .. وفي اليوم التالي أقامت ليلي الدنيا ولم تقعدها لأنها نسيت علبة شوكولاطة في سيارة حسين الذي لاحظ استنفارا للموظفين يستفسرون عن العلبة ، فاختصر حزنه العميق :
أعيدي لي بيت جدي وخذي كل الشوكولاطة اللي في الدنيا .
عبد صاحب الشعر الأجعد تلتليم بالعبرية هو شاب يشرب الخمر والحشيش لكنه قدم شيئا مفيدا أفضل وأنفع بكثير من رجل متدين يتلفع بالطقوس الدينية ولا يؤدي ولو القليل مما يؤديه عبد .
لم يهمل عبادي القضايا الملفقة والسعي وراء تشويه منظر العربي او الاساءة لسمعته وتأطيره كرجل سارق او متشرد من أبناء الاقليات الذين يعيثون خرابا بسرقة ونهب السكان !!
محاولات ومخططات خطيرة مستكرة في طعن سمعة وأخلاق العربي ، التهم مدروسة بعناية يحللها علماء الاجتماع وعلماء النفس !
لم يتجاوز حسن عبادي قضية الانتحال والسرقة الأدبية واستكتاب ذوي الخبرة وشراء حروفهم ليرتقي المشتري فيكون صاحب قلم على حساب اهل الادب ..فالكاتبة ميمي عملت جاهدة للوقوف على منصات المحافل الادبية واستطاعت تزيين شر أعمالها وقباحة وجهها لتشد أقطاب وأسماء لها وزنها ..ولكن حبل االكذب قصير ..فكتب حسن علينا يا مندلينا ، ؟ وهذه عبارة فلسطينية من جوف المصطلحات المتداولة يقولها من يمسك بتافه أو احمق يحاول التسلق او ادعاء ابداع او اي عمل كبير ينسبه الى نفسه فيقع في شر نفاقه . ولا كل من لف الصواني صار حلواني ،
الدخلاء على كل صنعة هم مزيفون لا يستمرون وينكشف أمرهم وتكون نهايتهم مخزية كنهاية الطنبورية ! التي نقلها عبادي باسلوب فكاهي ذكي ويبدو انه موضوع يؤرق الكاتب المحامي المدافع عن الحق كما يؤرقنا جميعا امام الكم الكبير من حمله الأقلام .
جهار الفيديو الذي اتهم صاحبه بابسرقة فوقف المحامي مدافعا عن حق المتهم واستطاع تبرئته أضاءت الحادثة نورا كشف وجه اللي ايدو طايلة وكان يسخر من الناس الذين طلبوا مساعدته لدى السلطات ولم يقدم لهم شيئا سوى توريط المزيد منهم . الحق يؤخذ بالملاحقة وضحض الباطل والجرأة على الاستمرار وليس بايدي العملاء ( اللي ايدهن طايلة ) .
يلاحظ القارئ تكرار اسم حسين وبدا لي كأيقونة فلسطينية اختارها حسن عبادي ؟
تساؤل لن ننتظر عليه تفسيرا لأن جواهر النصوص هي هدف بحثنا وتفكرنا وقد تشوقنا واستمتعنا بقدر ما استطاع الكاتب ان يحرك فينا الاحتجاج والحنين والتمسك وظلت ” ريحة الحبايب ” تهب فنستنشقها مختلطة بروائح الزعتر والميرمية وتراب القرى المهجرة بكل حب .
وكتب عفيف قاووق:
من على شرفةٍ في حيفا، يطُلّ علينا الأديب والمحامي الحيفاوي حسن عبادي بمجموعة قصصيّة تحت عنوان “على شرفة حيفا”، ويمكن إدراجها تحت خانة الأدب الشعبي كما تنتمي ربما إلى ما يعرف بأدب القصّة القصيرة جدًا. هي أشبه ما تكون بومضات تحمل في طيّاتها العبرة والحكاية الهادفة.
ضمَّن حسن عبادي مجموعته هذه بعض الأمثال والمقولات الشعبيَّة المتداولة التي تتآلف ومضمون الحكايةُ كما جعل البعض من هذه الأمثال عتبات لتلك النصوص والحكايا. نذكر بعضها على سبيل المثال: هاي أحسنلكم من حجِّة، هواة الغشيم بتقتل، من طينة بلادك حُط على خدادك ومش كل واحد لف الصواني صار حلواني…
يبدو جليًا للقارىء أن الكاتب وتأكيدا منه على ارتباط الإنسان ببلده وأرضه، نجده قد زاوج وربط بين اسم الشخص وبلده بحيث جعل من اسم البلدة بمثابة الكنيّة للشخص فنجد مثلاً؛ خضر الجليلي، هارون الصفدي، يونس العسقلاني، إم فراس الترشيحانية وغيرهم.
ولكي لا ننسى يأخذنا الكاتب إلى بعض الداخل الفلسطيني ويورد أسماء بعض القرى والبلدات الفلسطينيّة ومعالمها مثل: ترشيحا، شارع البرج بحي وادي النسناس الحيفاوي، قرية الدامون وبلدة شفا عمرو المجاورة لها، تلّ السمك، وشارع عابدين الذي أصبح يعرف بشارع (راحيل أمينو أو أمنا راحيل).
وفي حكاية “كلها طبخة عكّوب” تُسهِب الحاجّة “إم سويلم” في الحديث أمام القاضي عن قريتها “الروحة” وتستحضر أيام زمان وعيون الماء فيها مثل: عين البلد، عين الحجة، عين البلاطة وعين أبو شقير، عين أبو حلاوة، عين الفوّار، غدير الخضيرة ووادي الزيوانيّة. كما أنّ بعض النباتات الموسميّة والمزروعات في هذه القرى كانت حاضرة في ذاكرتها مثل الخبيزة، الزعتر، العلت، البطيخ، الشّمام وطبعا العكّوب التي كانت “مُجرّد طبخة” فأصبحت قضيّة تهدد الأمن الإسرائيلي.
كما يذكر الكاتب بعض القرى التي هُدّمَت ومُحيّت آثارها وأقيمت على انقاضها بلدات دخيلة ومستحدثة مثل بلدة “مسغاف “، وهي بلدة وهميّة أُقيمت على أراضي قرية ميعار المهجّرة، بعد يوم الأرض وتم بناء ثلاث مستعمرات على أراضيها هي: “سيغف”، “ياعد” و”منوف”.
في قصص هذه المجموعة وإن كانت الواحدة منها لا تتعدّى الخمس صفحات في أحسن الأحوال؛ أثار الكاتب جملة من القضايا المجتمعيّة وحتّى السياسية وإن كانت بنكهة مخففة. وسأتوقف عند بعض هذه القضايا والمدلولات التي تحتويها:
في قصة “الحب ديني” يتطرق الكاتب إلى مسألة الزواج المدني من خلال علاقة الحب التي جمعت بين منذر (المُسلم) وماريّا (المسيحيّة) اللذين منذ نشأتهما لم يفترقا سواء على مقاعد الدراسة او المشاركة في التظاهرات الطلابية والنشاطات الثقافيّة ناهيك عن العلاقة التي جمعت عائليتهما وهي علاقة حزبية. لكن والد منذر بالرغم من علمانيته التي يدّعيها لم يتقبّل ان تكون كِنَّته مسيحية ترفع صليباً في بيته. وهذا يأخذنا للاستنتاج بأنّ مهما حاول البعض التظاهر بالتحرر وبرفض التعصب والتمييزعلى أساس الدين تبقى الموروثات والتقاليد متحكمة في لاوعيه مهما حاول إخفاءها، فما كان من الحبيبين إلاّ أن انتقلا إلى قبرص، ليتزوّجا بعقدٍ مدنيّ معترف به بعيدا عن الدين.
وفي سياق مختلف أشار الكاتب إلى ما قد يلجأ إليه البعض من تسفيه لأعمال الآخرين وفضح سلوكهم الشائن-بنظرهم على الأقل-دون الالتفات إلى الجانب المضيء في تصرفات هؤلاء “المدانين”، وهذا ما تظهره قصة “عبد تلتليم” الذي صودرت أرضه في إحدى قرى الجليل فجاء إلى حيفا للعمل مياومة وأدمن شرب الكحول. لكن بشهر رمضان أقام مع صديقه حسين وفرح صاحب مطعم يبيع المشروبات حفل إفطار للفقراء على مدى أيام شهر رمضان- على قاعدة خير ذا من شر ذا فإن الله قد عفا – ولكن الناس ومن ضمنهم الحاج أبو الصابر لم يرَ في عبد إلا السكرجي الحشّاش وكذا في فرح سوى بائع للخمور دون الالتفات او التنويه بما يقوم به عبد ورفاقه في مساعدة المساكين وإطعامهم، بل انهمك هذا “الحاج المؤمن” في مراقبة الغير للتصويب على سقطاتهم دون أن يلتفت لنفسه وتهذيبها. وعلى هامش هذه القصة لا بد من استحضار بعض الأبيات الشعرية من قصيدة أبي نواس الذي يقول فيها:
اِسقِنيها مِلءً وَفا لا أُريدُ المُنَصَّفا
وَضَعِ الزِقَّ جانِباً وَمَعَ الزِقِّ مُصحَفا
وَاِحسُ مِن ذا ثَلاثَةً وَاِتلُ مِن ذاكَ أَحرُفا
خَيرُ هَذا بِشَرِّ ذا فَإِذا اللَهُ قَد عَفا .
قصة ثانية يوردها الكاتب وهي “الله لا يهديكُم”، في إشارة إلى أن فعل الخير وإغاثة الملهوف ليس حكرًا على من يتظاهر بالدين أو الإيمان بل ان الإسراع في فعل الخير ومساعدة المحتاج قد نجده لدى الكثيرين ممن لا يُعرَف عنهم الإيمان او التديُن، وإنما حسّهم الإنساني هو الذي يقودهم لهذه الفضيلة، وهذا ما أظهرته الحكاية عندما احتاج حسين لمبلغ خمسة آلاف دولار لمعالجة ابنه علي، لم يستطع أن يجمع أكثر من مئتيّ دولار من مئات المصلّين في الجامع في حين تمكّن من جمع المبلغ كاملا من السكارى الذين قصدهم في الخمّارة، وتمنوا عليه أن »وحياتك إدعيلنا شويّة بلكي الله يسّر أمورنا”. لكن حسين وخوفا من أن يتحول حالهم كحال أولئك المصلّين توجه بالدعاء قائلا: “الله لا يهديكُم” رغبة منه في أن تبقى بذرة الخير مزروعة في قلوبهم. وهنا أستحضر أيضا حكاية معروفة عن خلاف الكنيسة وصاحب الخمّارة التي وصلت الى المحاكم وكانت الخلاصة التي انتهى اليها القاضي ما يلي: “لا أعرف كيف سأحكم في هذه القضية، ولكن يبدو من الأوراق أن لدينا صاحب خمارة يؤمن بقوة الصلاة والدعاء، ولدينا كنيسة بأكملها لا تؤمن به”.
الثقافة الذكورية كانت حاضرة في هذه المجموعة بحكاية خضر الجليلي الذي يبدو أنّه “ربيان عالبزّ الرفيع”، فعندما كان في التشيك للدراسة، كان يعتمد على نفسه في حياته ويقوم بكافة الأعمال المنزلية من مأكل ومشرب، وتنظيف البيت وغيرها من الأمور، لكن يبدو أن الطبع يغلب التطبع كما يُقال فعندما رجع إلى موطنه استيقظ فيه المارد الذكوري وعاد لاتكاليته واعتماده على أخواته ووالدته العجوز وأيضا على زوجته في صغائر الأمور، كأن يطلب من زوجته أن تصبّ له كاسة ماء علما أنّ القنينة بجانبه. فاستحق بجدارة لقب ربيان عالبزّ الرفيع كما وصفه زميله.
ظاهرة الصالونات الأدبية التي نبتت كالفطريات والتي أفرزت ما يصح القول فيهُم أنهم شعراء وشاعرات بالإكراه، كانت حاضرة في أكثر من مكان في المجموعة، حيث يشير الكاتب إلى الدخلاء على الشأن الثقافي مستفيدين من المساحة الحرّة التي تتيحُها وسائل التواصل الاجتماعي وخاصّة الفايسبوك، ويتخذ الكاتب من ميمي نموذجا عن هؤلاء، فقد لجأت ميمي هذه إلى الصالونات الأدبية تتبختر وتتغنّج بصّف بعض الكلمات والمفارقة أن البعض وصف هذه الشويعرة بالأميرة.
النقطة الثانية التي أثارها الكاتب والتي لا تقل خطورة عن الأولى تكمُن في لجوء العديد من هؤلاء الأدعياء إلى الحصول على نقطة الدال (د.) لتزيّن أسماءهم، فأصبح الوسط الثقافي والأدبي يعجّ بمن يحمل هذه (الدال) والكثير منهم دفع ثمنها إمّا بالكاش أو بالفراش. وهذا ما تشير إليه قصة “جوز الستّ” عندما بحث راضي عن زوجتة فوجدها مع ثلاثة من أهل القلم وهم حُفاة عُراة في غرفة إحدى الحانات، وبعد أن لبس الجميع ثيابهم التقطت ميمي صورة سيلفى للجميع ونشرتها على صفحتها الفايسبوكية وأرفقتها بالخبر الذي يتحدث عن لقاء أدبيّ غنيّ ومثرٍ شارك فيه الشعراء والشاعرة ميمي برفقة زوجها.
كما يتطرق الكاتب إلى حركة الاستيطان ومصادرة الأراضي استنادا إلى ما يعرف ب “قانون أملاك الغائبين” حتّى صار الفلسطيني الملاّك “حاضرا غائبًا”، ويشيرأيضا إلى حالٍ من النفاق الذي يمارسه البعض من اليهود الذين يتظاهرون بيساريّتهم ولكن العنصريّة والكره لا يزال يعشعش في صدورهم، فهذه ليلي التي قدمت عائلتها إلى البلاد من بولندا، تتبجح بيساريّتها ونضالها اليوميّ لصالح العرب، ومشاركتها ضمن نشاط تنظيم “النساء بالأسود” لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي للضفّة وقطاع غزّة. وعندما أوصلها زميلها مجد بسيارته إلى حيث تسكن نسيَت علبة “جودايفا-شوكولاتة” على المقعد الخلفي لسيارته، وللمفارقة وجد مجد أنّ عائلتها تحتل بيت جدّه في تل المتسلّم وصار اسمها مجيدو ولا تزال زيتونات جدّه ودواليه وأشجار الصّبار قائمة.
وحين التقت ليلي بمجد صباح اليوم التالي بادرته بالصراخ “وين الجودايفا؟ شو صار فيها؟” فأجابها “إنتِ متضايقة وحزينة ع بكيت شوكولاتة، وشو أقول أنا؟! أعيدي لي بيت جدّي وخذي كلّ الجواديفا اللّي بالدنيا«..
أما المُضحك المبكي في آن ما ورد في قصة إم فراس التي رافقت صهرها كميل وصديقه حسين وعائلتيهما في رحلة إلى ألمانيا وعند عودتهم يستفسر المحقق من حسين إذا ما رافقتهم في الرحلة هذه امرأة مسنّة، فيرد بالإيجاب نعم هي إم فراس، ليستشيط المحقق غضبًا ويقول عم تتمسخّر عليّ إسمها عايدة، وهذا يظهر حجم التوغل للاحتلال وامتلاكه لأدقّ المعلومات عن الفلسطينيين لدرجة أن حسين يقول لا أعرف لها اسما آخر” كل حياتي بعرفها إم فراس”.
يشير الكاتب إلى تعلق الفلسطيني بأرضه وعدم التنازل عنها مهما كانت الإغراءات أو الحاجة، وهذا ما فعله والد سامي عندما رفض التنازل عن ملكيته لعشرين دونمًا في الرويس تمت مصادرتها في الخمسينات بموجب قانون الحاضر غائب، ورفض العرض المقدّم له باستبدالها بثلاثة دونمات (أرض عمار) ومبلغ من المال. كان ردّه جازمًا حازمًا “هذي الأرض إلها صحاب”.
ولا تقل الحاجَّة عفيفة عن أبي سامي تشبثًا بأرضها، وإيمانها بحق العوّدة إلى قريتها البروة، وعند مرضها في شيخوختها شوهد الجرَّاح يحمل مفتاحًا استأصله من معدتها وهي تمتم قائلة: “مش رايحة أوصّيكُم ” ثمَّ فارقت الحياة.
قضايا ومحاور أخرى تضمنتها هذه المجموعة لا أود التطرق إليها حتى لا أفسد على القارئ متعة القراءة والاطلاع عليها.
وقالت د. رفيقة عثمان:
يُصنّف الكتاب بالتّنويع في القصص القصيرة، والحكايات، والطّرفة، قاربت الثمانية والثلاثين قصّة وحكاية؛ أهدى عمله الأدبي لزوجته سميرة، الذتي كتبت رأيها حول الشّخصي في الكتاب، ولأبنائه.
اختار الكاتب هذا النّوع من الأدب؛ لإيصال رسائل إجتماعيّة، وسياسيّة، فيها نوع من النّقد اللّذع والمفارقات، علقت في ذهنه، فهي قصص واقعيّة، وليست من ضرب الخيال، فهي تعكس ظروفًا سياسيّة واجتماعيّة عايشها الفلسطينيّون قبل، وأثناء ثمّ بعد النّكبة.
اعتبر الكاتب عبّادي المكان بطلًا لقصصه، فالأماكن كانت مسرحًا لقصصه وحكاياته، ومعظمها دارت أحداثها على مشارف حيفا؛ حيث انتصر للأماكن والقرى المُحتلّة داخل فلسطين التّاريخيّة؛ والمجاورة لمدينة حيفا عروس البحر، حيث يسكن كاتبنا. لم ينسَ كاتبنا مدينة القدس أيضًا، بذكر بعض مناطقها وحاراتها مثل: حارة السّعديّة وباب السّلسلة وحي القطمون: شارع عابدين أيّام فلسطين قبل النّكبة، وأصبح الآن يسكنه المستوطنون.
خلّد الكاتب القرى المٌهجّرة والمُدمّرة؛ لتُحفظ في أرشيف الذّاكرة الفلسطينيّة؛ ومن اسماء بعض القرى مثلًا: قرية إجزم المُهجّرة، الرّوحة، أم الزّينات،عين الغزال، قرية زمّارين، الدّامون، قرية اللّجون، مجيدو في مرج بن عامر، قرية ميعار، قرية شعب، قرية صبّارين،وعسقلان، وعكّا وحيفا، وباقي قرى الجليل: مجد الكروم، وكفر ياسيف، وشفاعمرو، والنّاصرة.
نهج كاتبنا المحامي عبّادي أسلوب السّرد التّقريري أحيانًا، وأسلوب عرض المفارقات في القصص، وأحيانًا أخرى السّرد المُضحك المُبكي.
وُصفت اللّغة بسهولتها، وانسيابها، وتخلّلت بعض الكلمات العاميّة أحيانًا والمحكيّة بلهجة اهالي شمالي فلسطين التّايخيّة؛ بالإضافة لاستخدام بعض الكلمات العبريّة مثل: غوييم، تلتليم، الكُبّانيّة، وما إلى ذلك.
اختار الكاتب بعض العناوين من الأمثلة العربيّة الفلسطينيّة مثل: “من طين بلادك حط على اخدادك”، ريحة الزّوج ولا عدمه”، “علينا يا مندلينا قشّرناها سوا؟”، ” مش كل واحد لف الصّواني صار حلواني”.
أظهر الكاتب بعض النّباتات الموسميّة الهامّة في الأماكن المذكورة أعلاه مثل: الخبّيزة، والعلت، والحويرّة، والعكّوب، والزّعتر، والتّين،زالزّيتون، والسمّاق، وذكر نبات الصّبّار الّذي ما زال مزروعًا في قرية اللّجون بالأرض منذ النّكبة. نبتة الصّبّار ترمز إلى الثّبات والتشبّث الأرض.
لفت انتباهي تكرار بعض القصص حول انتحال بعض النّساء أو الرّجال بالإدّعاء حول كونهم شعراء أو أدباء مشهورين، يبذلون الغالي والرّخيص من أجل ذلك. كما ورد في قصّة “جوز السّت” وقصّة الطمبوريّة” وقصّة “مش إنت حيدر”.
ركّز الكاتب عبّادي على بعض القصص حول الوطنيّة، التّمسك بالأرض مثل قصّة “مش رح أوصّيكم” اتي تتحدّث عن عفيفة أم شكري الأرملة، والّتي عملت بمستوطنات؛ لتغطّي تكاليف تعليم ابنها شكري؛ الّذي نسي أمّه، فحصلت الأم على عنوان ابنها وسافرت إليه، عندما فتحت كنّتها الأجنبيّة باب البيت، أغلقته حالًا في وجهها، فأغمي عليها. في المستشفى حفيدها آدم الطبيب أجرى لها عمليّة ووجد في بطنها مفتاحًا، وقالت: “مش رح أوصّيكم”.هذه القصّة الرّمزيّة، تدلّ على التّمسك بلوطن وحق العودة. كذلك قصّة ” الوطن غالي يا بهيجة” ، هذه القصة تتحدّث عن شاب عريس من قرية الدّامون، هُجِّر في يوم عُرسه، حاول العودة للقرية؛ لكنّه وجد قريته مُدمّرة، فنام في مقبرة قريبة من القرية، والتقى بامرأة من قريته، فتعانقا، وبكيا معًا دون أن ينبسا بحرف. قال بمرارة: “الوطن غالي يا بهيجة”.
من القصص الّتي تُظهر المُفارقة، قصّة “صبّار في اللّجّون”، عندما سافر مجد مع ليلي (اليهوديّة) وتعتبر يساريّة ومناصرة للعرب، عند العودة أوصلها مجد لبيتها؛ ليكتشف بأنّ بيتها هو بيت جدّه قبل النّكبة. في اليوم التّالي غضبت ليلي عندما نسيت صندوق الشّوكلاطة في سيّارته، وأنّبت مجد على ذلك، حيث قال في نفسه: ” هي غاضبة على صندوق الشّوكلاطة، وقلبي يحترق على بيت جدّي”. أبرزت قصص أخرى مثل هذه المُفارقة، وهذا الصّراع الذّاتي حول الحسرة من فقدان الممتلكات والأرض منذ النّكبة.
أعجبني هذا النوع من القصص الّتي توصف الحسرة والألم كلّما نصطدم بهذه الأوضاع.
خلاصة الموضوع: كتاب “على شرفة حيفا”، كان العنوان موفّقًا، هذا الكتاب إضافة نوعيّة؛ تُضاف لأرشيف الذَاكرة الفلسطينيّة؛ حيث يعكس جزءًاً بسيطًا من الجانب الفلسطيني لفلسطين التّاريخيّة قبل وبعد النكبة.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
العنوان”على شرفة حيفا”يذكرنا بعادة الكاتب المحامي حسن عبّادي صاحب المجموعة القصصية القصيرة،حيث اعتاد على تصوير كتب الأصدقاء من على شرفة بيته في حيفا،فربما جاء اختياره للعنوان لذلك السبب، فمن خلال الشرفة تمطر الحكايات بأوجاعها وحنينها وماضيها وحاضرها في المدن والقرى القريبة والبعيدة، ولقد تمّ ذكر حيفا في قصص مختلفة.
من اللافت في هذه المجموعة،أن معظم العناوين جاءت باللهجة العامية الفلسطينية (مناطق حيفا وجوارها).
في هذه المجموعة القصصية القصيرة والومضات الهادفة يستحضر الكاتب حسن عبّادي ارشيف ذكرى النكبة، والقرى المهاجرة مثل “ميعار،صبّارين،اللجون وغيرهم)،ويوثق ارتباط الفلسطيني بأرضه وتراثه كما في قصة”كلها طبخة عكوب”، ويقف الفلسطيني شاهدا على تغيير معالم بيته بعد النكبة، ويؤكد على ثوابته بحلم العودة كما في قصة”هذي الأرض إلها صحاب”،وقصة”مش رايحة أوصيكم”التي جاءت نهايتها بشكل مؤثر، في مشهد يرى الابن كيف يقوم الجرّاح باستئصال المفتاح من معدة أمه الحاجة، ومن ثمّ كلمتها الأخيرة لإبنها مش راح أوصيكم.
وعلى شرفة حيفا ينتقد الكاتب السلوك الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني، حيث النفاق والزيف؛ فيبرز المفارقة ويعرّي أقنعتهم مثل نصّ “مش إنت حيدر”في شخصية حيدر المنافق وفي نصّ” مش كل واحد لفّ الصواني صار حلواني” في شخصية ميمي المخادعة والغشاشة بالنسبة لشهادتها. وقصة”علينا يا مندلينا”في شخصية ميمي التي تتصنع سلوكها وتلبس الأقنعة وغيرها من القصص.
كما يبرز الكاتب حسن عبّادي أثر استخدام التواصل الاجتماعي بصورة سلبية والوهم الذي يعيشون فيه،واهتمامهم بحصد “اللايكات”.
جاء سرد القصص بأسلوب بسيط واقعي غير منمق دون استخدام الأساليب الأدبية والفنية ،فالكاتب يسرد النصوص بصورة سلسة غير مرهقة للقارىء بل امتازت بالخفة فيها ما هو يبكي وأحيانا يحاول تلطيف حالة الحزن في النصوص،كما وامتازت بوحدة الموضوع وتكثيفه والومضة في نهاية النّص المرتبطة بالعنوان،وتصوير الموضوعات التي يتطرق إليها بصورة واقعية مدمجة بالأمثال الشعبية واللهجة العامية الفلسطينية من خلال الحوار والتعابير الموحية لفحوى الموضوع.
تطرق الكاتب لشرائح مختلفة من المجتمع مثل الطالب الجامعي،المتعلم،التلميذ،الفلاح،الفتاة،اللعوبة،
المقامر،الشاعرة المزيفة،ابنة المخيم،الجاسوس،المحامي وغيرها).
استخدم أسلوب المفارقة والتناقض في التعبير عن الناحية السياسيةفي المجتمع الفلسطيني خاصة بمناطق ما يسمى بالداخل الفلسطيني ،والتي تجسد حالة القهر السياسي بسبب مصادرة الأراضي وآثار النكبة ،أما من الناحية الاجتماعية فالمفارقة تجسد حالة نفسية وتربوية غير سوية مثل قصة”علينا يا مندلينا”وقصة”سٖبرنا ببلادنا”ونص”ربيان على البز الرفيع” وقد وجه نقده الاجتماعي الإيجابي لمن يساهمون بمساعدة الفقراء، فهي كما تمّ ذكره هاي أحسنلكم من حجة، إشارة إلى أن المجتمع يحتاج إلى الكثير لمن يمدّ يد العون له. أيضا وثّق الأعشاب في مجموعته مثل(الخبيزة، الزعتر، العكوب) وأيضا الأكلات الشعبية مثل:(ورق الدوالي).
استخدم ألفاظا من العبرية مثل:(غوي شبات)للإشارة لعمل العربي بدل اليهودي في يومي الجمعة والسبت، وأيضا استخدم لفظ الكبانية والتي ترتبط بمكان المستوطنة.
استخدم مصطلحا يتعلّق بالنكبة ألا وهو “أملاك غائبين “وما زلنا نستخدمه حتى يومنا هذا.
أدخل الشعر في قصة “فيضي يا دنّان الخمر فيضي”واستخدم لفظا من القرآن مثل:الوسواس الخناس.
استخدم الكاتب اسم ميمي في عدّة نصوص ،في كل نصّ وقصة ترتدي قناعا مختلفا (ميمي الغشاشة، اللعوب، الشاعرة المزيفة)، كما وذكر اسم حسين عدّة مرات والاسم المحامي، مما يربطنا باسم الكاتب وهو محام،فلقد كانت الأسماء مشابهة.
جاءت بعض أسماء الشخصيات في النصوص مضافة إلى المكان وخاصة إلى القرية أو المدينة مثل (خضر الجليلي،أم فراس الترشيحية وغيرها)وفي ذلك رمزية لمدى ارتباط الفلسطيني بأرضه ومكانه وبيئته.
وقالت رائدة أبو صوي:
بداية أعدبتني لوحة الغلاف للفنان ظافر شوربجي، فهي مميزة وغير تقليدية.
شاهدت فيها حيفا وشرايين حيفا الزرقاء التي تعبر عن البحر والحياة المختلطة.
وبالنسبة للعنوان وجدتني على شرفة الوطن، حيفا كانت حاضرة والصور التي قدمها الكاتب مثيرة.
هناك اثر واضح نظرا لكون الكاتب محامي شاركنا بقصص عن جرائم وأحداث،
وكان موفقا في السرد . وجدتني في المحاكم واشاهد الجلسات. في النصوص مسحة حزن، في نص البحث عن فاطمة وجدت القدس الغربية حاضرة من خلال وصف الكاتب لحي القطمون.
لفت الانتباه الى نوعية البلاط الطلياني المميز الذي تمتاز به البيوت العتيقة في
القدس الغربية والثراء الذي يدل عليه وجود ( البيانو ) النمساوي في غالبية البيوت في حي القطمون وهذا دليل على انهم كانوا من الطبقات الارستقراطية. شعب محب للحياة.
نص (الطمبورية )
اشارة الى ظاهرة منتشرة كثيرا هذه الايام وهي الشويعرات . والاقنعة الزائفة والجميل جدا هذه النهايات التي تختم بها النصوص الأدبية.
التشبيه بحذاء الطمبوري جاء في الصميم.
نص (ايده طايلة ) وهذا الواقع الذي خلق الفجوة
وأدى الى ازدياد الجرائم بسبب انعدام العدالة واستخدام مبدأ القوة في المعاملات . القوة والبلطجة للاسف الشديد.