أحمد عبدالوهاب
أمد/ إنهاء الصراع وإعادة الهدوء لمنطقة الشرق الأوسط، مرتبط بشكل رئيسي بالقضية الفلسطينية، والأجواء السياسية الملتهبة منذ سنوات عديدة، وخصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر، يمكن أن تنتهي بحل عادل للقضية الفلسطينية برمّتها، وتكمن صعوبة الأمر، في تعنت وغطرسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تخطط لإنهاء القضية الفلسطينية بتهجير أصحاب الأرض، وهو ما لاقى رفضًا قاطعًا من كافة الأطراف ذات الصلة، وخصوصًا مصر، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية منذ عشرات السنين، ولأبعاد أخرى مرتبطة بالأمن القومي المصري والعربي.
الأزمة الراهنة أحد أسبابها الرئيسية، هو عدم اتخاذ موقف قوي تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل الأكثر من ذلك هو عجز المجتمع الدولي على ردع ذلك الكيان، الذي يحتمي بالولايات المتحدة، التي تقف مانعًا حصينًا أمام أي إجراء نحو إسرائيل، وما يثير الدهشة هو ما أعلنته بعض وسائل الإعلام العربية والغربية، عن اعتزام مجلس النوب الأمريكي، التصويت على اتخاذ عقوبات تجاه قضاة المحكمة الجنائية الدولية، بسب إصدراها قرارات إدانة بحق عدد من القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم «نتنياهو».
الموقف الأمريكي تسبب في موجة غضب واسعة، ومع تأزم الموقف ظهرت بادرة أمل جديدة وهي اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين، وهو ما كان له مردودًا إيجابيًا كجزء من الحل للأزمة الراهنة، فإن قرار النرويج وإيرلندا وإسبانيا بالاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة، يشكل دعمًا قويًا لمكانة فلسطين القانونية على الساحة الدولية، ويعزز من فرص نيلها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ويستند الاعتراف إلى قواعد راسخة في القانون الدولي، أبرزها حق الشعوب في تقرير المصير طبقًا لميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.
وبشكل حاسم فإن قرارات الأمم المتحدة، تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ومنها قرار الجمعية العامة 181 لعام 1947 الداعي إلى إنشاء دولتين على أرض فلسطين التاريخية، وقرار مجلس الأمن 242 لعام 1967، الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو من ذات العام، بالإضافة إلى أن إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت «اتفاق أوسلو» الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، اعترف ضمنيًا بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وهو ما أكدته لاحقًا خارطة الطريق للسلام التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية عام 2003، والتي نصت على إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة كهدف نهائي للمفاوضات.
ويشكل اعتراف الـ 3 دول الأوروبية بفلسطين، حافزًا قويًا لدول أوروبية أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، خاصة في ظل الزخم المتنامي داخل البرلمانات والمجتمعات المدنية في هذه الدول لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ظهر جليًا في التوصيات الأخيرة للبرلمانين الإسباني والبريطاني بهذا الشأن، وتقود موجة الاعتراف الأوروبي المحتملة بفلسطين، إلى تحول نوعي في النظرة الدولية للقضية الفلسطينية، بحيث لم تعد مجرد نزاع سياسي أو إنساني بل قضية تصفية استعمار بامتياز وفق القانون الدولي، ما يتطلب تطبيقًا كاملاً لمبدأ حق تقرير المصير وإقامة الدولة، وليس مجرد حكم ذاتي أو سلطة انتقالية محدودة الصلاحيات.
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، هو مطلب قانوني وأخلاقي وسياسي لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار والازدهار والتعايش السلمي بين شعوب المنطقة، لذلك فإن الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين يجب أن يترجم إلى خطوات عملية على الأرض تجبر إسرائيل على الالتزام بالشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي ذات الصلة. أيضًا سيؤدي الاعتراف أوروبي بدولة فلسطين لإحراج المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية وإسرائيل، ودفعها إلى الوصول لاعتراف دولي كامل بدولة فلسطين، وهو ما يُعد نقطة تحول قد تؤدي كذلك لإنهاء الحرب على قطاع غزة.
وتعكس دلالات اعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين، أن الشعب الفلسطيني له صوت مسموع، وتلك القرارات ستؤدي لحراك دولي كبير يدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى إقامة دولته المستقلة، وإنهاء الاحتلال، مع إخضاع إسرائيل وإجبارها على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وهو الأمر الذي يستوجب ممارسة الضغوط بشكل مكثف على كافة المستويات، يدعمها انضمام دول جديدة للاعتراف بفلسطين.
وتلعب أيضًا الجاليات المسلمة في الخارج، دورًا كبيرًا، من خلال اتخاذ مواقف وإجراء، للضغط على الدول المتواجدين بها، والتي قد يدفعها لتغيير موقفها والاعتراف بفلسطين، وهو ما يعزز الموقف الجاد نحو إنهاء الحرب على غزة. وظهرت فرنسا على الساحة من بين الدول التي قد تعترف أيضًا بفلسطين، بعد تصريح «ماكرون»،الذي قال فيه «مستعدة للاعتراف بمثل هذه الدولة لكن في الوقت المناسب». وبددت تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون آمال الفلسطينيين في رؤية فرنسا تسير على خطى إسبانيا وإيرلندا والنرويج، التي اعترفت رسميًا بالدولة الفلسطينية.
واستبعد «ماكرون» هذا الاحتمال على المدى القصير بعد أن ربط، خلال مقابلة هاتفية مع الرئيس محمود عباس، هذا الاعتراف بشرط تنفيذ إصلاحات أساسية من قبل السلطة الفلسطينية، التي لا تسيطر سوى على الضفة الغربية المحتلة. وأيضًا جاءت تصريحات
وزير الخارجية الفرنسي، مخيبة للآمال بعد هجومه على الدول الأوروبية، التي بادرت إلى هذا الاعتراف، ووصفها بأنها بتبني «موقف سياسي»، جاء في سياق حملة الانتخابات الأوروبية، بدلا من البحث عن حل دبلوماسي للنزاع.
وكان بإمكان فرنسا توجيه رسالة قوية عبر الإقدام على خطوة الاعتراف بفلسطين دون مزيد من الانتظار. خصوصًا وأن مثل تلك المبادرة ستمثل تسلسلاً منطقيًا يثمّن المواقف الأخيرة التي اتخذتها الدبلوماسية الفرنسية في الأمم المتحدة، خصوصًا أن فرنسا كانت قد صوتت في 18 أبريل، لصالح مشروع قرار قدمته الجزائر أمام مجلس الأمن أوصى بقبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة. وصوت لصالح القرار 12 عضوًا من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، وعارضته الولايات المتحدة، وامتنعت عن التصويت المملكة المتحدة وسويسرا.
الاعتراف الفرنسي بفلسطين، لا يمكن إغفال أهميته ولابد من التأكيد على أن تصويتها كان حاسمًا في مجلس الأمن، ثم في الجمعية العامة. وحرصت باريس التي جازفت بأن تكون عرضة اتهامات من قبل اليمين الإسرائيلي بأن لها ميولا مؤيدة للعرب، على الدعوة إلى تسوية سياسية لهذا النزاع على أساس حل الدولتين، بما يسمح بتلبية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل من جهة، وتطلعات فلسطينيين لإقامة دولتهم من جهة أخرى.
أيضًا جاءت دلالات الموقف الفرنسي للاعتراف بفلسطين، في 2 ديسمبر 2014، عندما تبنت الجمعية الوطنية في فرنسا قرارا يدعو الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من أجل التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع، لكن النص الذي تبنته الأغلبية الاشتراكية للرئيس السابق فرانسوا هولاند كان غير ملزم. ولا شك في أن هناك دول أوروبية أخرى باتت قريبًا إلى أن تحذو حذو إسبانيا وإيرلندا والنرويج. فقد أعلنت حكومة سلوفينيا عن قرار مماثل، على أن يتم التصويت في البرلمان السلوفيني، على هذه الخطوة.
بعد قرار إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا، أصبحت 146 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية، وفقا لأرقام السلطة الفلسطينية. لكن لا تزال معظم دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية غائبة عن هذه القائمة. ومن بين أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة، تعترف السويد وقبرص والمجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا وفي الطريق سلوفينيا.
ويبدو أن «حماس» تمثل عائقًا أمام اعتراف الدول بفلسطين، وهو أمر يتطلب أن تتبنى الحركة موقفًا، بالانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي ينتقل حكم غزة للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيكون له دور فعال في إنهاء الحرب على غزة، وحل الأزمة بشكل قاطع.