علاء مطر
أمد/ على مدار ثمانية أشهر لا يكاد يخلو يوم من مشاهد تصيب الإنسان بالذهول لما يحدث في غزة، وحجم الخسارة التي يتعرض لها مليوني ونص المليون فلسطيني يعيشون تحت آلة القتل الإسرائيلية، يتنقلون حسب تعليمات الجيش من منطقة لأخرى بدعوى أنها منطقة عمليات عسكرية.
واللافت في الأمر أن الجبهة الداخلية لقطاع غزة تعدت مرحلة الانهيار والشلل التام، والجميع في غزة يراودهم عشرات الأسئلة المشروعة، أين نذهب ؟ ماذا يدور في كواليس المفاوضات؟ متى ستنتهي هذه الحرب؟ لماذا نموت بالمئات كل يوم؟ هل هناك وقف إطلاق نار أم لا؟ وهل وهل .. دون إجابة من أحد.
وضمن الأسئلة التي نسمعها ونسألها في بعض الأحيان هي أين الله من ما يحدث بحق الأطفال والنساء والمدنيين العزل؟ وفي ظاهر السؤال خوف من أن يسمعنا أحد ولكن إن تبحرنا في باطن السؤال وأمعنّا التفاصيل اليومية التي تحدث بغزة وهل ما حدث في غزة هو فعلا لإعلاء كلمة الله أم لمصالح حزبية، وإن كانت في البداية لهذا الهدف بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي ورد الفعل غير المبرر بحق المدنيين بقيت هي الأهداف نفسها أم تغيرت حسب المعطيات الحزبية؟
في حقيقة الأمر حتى أستطيع الإجابة على هذا السؤال ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال حتى قرأت الأحداث منذ بداية السابع من أكتوبر الماضي وحاولت ربطها بمعايير الشريعة الإسلامية “من باب أن حماس هي من فعلت العملية العسكرية وهي من تقود الميدان في غزة والمفاوضات وتعتبر نفسها حكومة ربانية أعمالها خالصة لله وخدمة للدين والوطن”.
وعند الحديث من مبدأ الحسابات فإن الربح والخسارة يجب أن يجهز لهما قبل البدء بأي خطوة عملية، وما حدث بعد السابع من أكتوبر لا يخف على أحد حجم الخسارة البشرية والمادية والمعنوية والاجتماعية وغيرها، دون أي محاولة من الوفد المفاوض لقراءة الواقع بحكمة وعقلانية ووقف شلال الدم المستمر للشهر التاسع على التوالي، خاصة وأن لنا في سيرة نبينا الكريم خير دليل وهو “صلح الحديبية” والذي تضمن شروطه “أن يرد المسلمون كل شخص يأتيهم من قريش مسلما، وأن لا ترد قريش من يأتيها من المسلمين مرتدا”.
وفي غزوة مؤتة انسحب خالد بن الوليد من المعركة وعاد بجيشه سالما إلى المدينة بخسائر بشرية فقط “13 شهيدا” لأنهم كانوا أقل عددا وعتادا، فلماذا لم تقتدِ حماس بهذه الدروس الدينية، ولماذا لم تجهز سفينة لتحمي فيها المدنيين بعد طوفانها في السابع من أكتوبر، وهنا لست بصدد الحديث في الجانب الديني إلا لأنهم يعتبرون أنفسهم وأولياء لله ويحكمون ويحتكمون للشريعة الإسلامية.
ومن الجانب السياسي، فلا أحد يعرف ما يدور في الغرف المغلقة، وعلى ماذا يتم التفاوض، وما هي نقاط الخلاف، ومتى سيتم تسليم ردهم، فقط الجميع يتناقل أخبار من وسائل إعلامية محلية ناقلة من وسائل إعلام إسرائيلية، ناهيك عن التصريحات المستفزة لقيادات في الخارج وبعض المحللين السياسيين الذين يتحدثون باسم غزة ويغوصون في مشاعرهم ويدعون أن المجتمع الغزي لن يقبل بصفقة لن تعيد كل الأسرى لبيوتهم ولن تقبل بأي تنازلات وصامدون وثابتون وفي حقيقة الأمر غير ذلك.
وإذا أردنا الحديث عن الأمثلة الدينية والسياسية سيطول المقال وربما لن تنته من سرد تجارب سابقة، الأمر الذي يجعلنا نجزم أن ما جرى في السابع من أكتوبر وتبعاته لو كان في سبيل الله لما استمر هذا الحال، ولكنها وإن بدأت كذلك فبعد أشهر أصبحت لمصالح حزبية، والحفاظ على أنفسهم وللبقاء في الحكم.
أخيرا وبعد ثمانية أشهر على الإبادة في غزة، الكثير من المشاهد والصور ستبقى عالقة في ذاكرتنا لن تمحيها مداد أعمارنا، وعلى الوفد المفاوض بالقاهرة أن ينظر لغزة بعين الرحمة والواقعية وأن يوقف شلال الدم النازف بأي ثمن لأن الإنسان هو من يبني الأوطان، والأوطان بدون الإنسان صفر عالشمال.