أمد/
تصادف في هذه الأيام الذكرى السادسة والسبعون لاستشهاد الشاعر عبد الرحيم محمود ابن قرية عنبتا (قضاء طولكرم)، وذلك في معركة الشجرة قضاء الناصرة.
ولد محمود في عنبتا ودرس في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس وأصبح مدرساً للغة العربية فيها. قرض الشعر في سن مبكرة وقد عرف شعره بالحماسة والاستشراف. عندما زار الأمير سعود، ولي عهد السعودية آنذاك، فلسطين في عام 1935 وبينما كان في طريقه من نابلس إلى طولكرم توقف ركبه (وقد كان في صحبته مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني) في عنبتا، فانبرى الشاعر الشاب في حينه عبد الرحيم محمود وألقى بين يديه قصيدة استشرف فيها سقوط المسجد الأقصى قال فيها:
“يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُهْ
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟ أم جئـت من قِبَلِ الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟
حَـَرمٌ مُبـاحُ لكـل أَوْكَعَ آبقٍ ولكـلِّ أَفَّــاقٍ شـَرِيدٍ، أَرْبُعُه
وغداً وما أدناه، لا يبقى سوى دَمْعٍ لنـا يَهْمَـي وَسِـنٍّ نَقْرَعُه”
وعند اندلاع ثورة 1936-1939 والتي كان المثلث الكبير (نابلس – جنين – طولكرم) بؤرة لها، انضم الشاعر لصفوف الثوار وأصبح سكرتيراً خاصاً للقائد العام للثورة، القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد (آل سيف) أخذ يكتب البيانات والإعلانات الصادرة باسم قيادة الثورة.
بعد استشهاد القائد عبد الرحيم الحاج محمد في آذار 1939 وانتهاء الثورة، توجّه عبد الرحيم محمود إلى بغداد وانتسب هناك للكلية العسكرية وتخرج منها برتبة ضابط هو وعبد القادر الحسيني وذو الكفل عبد اللطيف وعبد الله يوسف عمر السيلاوي. وقد شارك في ثورة مايو- أيار 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني. وبعد فشل هذه الثورة عاد إلى فلسطين ليمارس التعليم ثانية في كلية النجاح. وفي عام 1947 انضم لجيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية للدفاع عن فلسطين، حيث عمل في الفوج الذي تولى أمر الدفاع عن الجليل الأسفل ومنطقتي طبريا والناصرة، وقد كتبت له الشهادة في معركة الدفاع عن قرية الشجرة (قضاء طبريا) في الثالث عشر من تموز 1948.
وهذه المرة استشرف أبو الطيب (وهي كنية أخذها عبد الرحيم لنفسه تيمنا بأبي الطيب المتنبي وسمّى أبنه البكر “الطيب” ) شهادته في قصيدة مطولة جاء فيها:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بهـا فـي مهـاوي الـردى
فإما حيـاة تسـر الصديق
وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
ونفس الشريف لهـا غايتـان
ورود المنايـــا ونيـــل المنــى
وما العيش? لا عشت إن لم أكن
مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلت أصغـى لي العـالمون
ودوى مقـــالي بيـــن الــورى
لعمرك إني أرى مصرعي
ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقي السليب
ودون بـــلادي هـو المبتغـى
يلذ لأذني سماع الصليـل
ويبهج نفسي مسيل الدمــا
وجسم تجندل فـوق الهضاب
تناوشـــه جارحـــات الفـــلا
فمنــه نصيـب لأسـد السـماء
ومنــه نصيـب لأســد الــثرى
كسا دمه الأرض بـالأرجوان
وأثقــل بــالعطر ريــح الصبـا
وعفـر منه بهـي الجبين
ولكـــن عفــارا يزيــد البهــا
وبـان على شفتيه ابتسام
معانيـــة هــزء بهــذي الدنــا
ونـام ليحلم حـلم الخـلود
ويهنـأ فيــه بــأحلى الــرؤى
لعمـرك هــذا ممـات الرجـال
ومــن رام موتــاً شــريفاً فــذا
فكيف اصطباري لكيد الحـقود
وكيف احتمالى لسوم الأذى
أخوفـاً وعنـدي تهـون الحيـاة
وذلاً وإنــــي لـــرب الإبـــا
بقلبي سأرمي وجـوه العـداة
فقلبـي حديد ونـاري لظــى
وأحـمي حيـاضي بحد الحسام
فيعلـم قـومي بأنـي الفتى.