خالد عبد الغنى الفرا
أمد/ قبل الحديث عن مالات الحرب وما ألحقته من أضرار جسيمة في بنية الجسد الفلسطيني وما سوف تفرزه لاحقا من مستجدات لعلها تكون سببا في إحداث شروخ كبيرة في تركيبة المجتمع. لتنذر بطوفان ارتد على صدورنا وإن حجم المآسي التي سوف تتركها الحرب خلفها أكبر من القدرة على استيعابها، فسياق الحرب هذه المرة لا يمكن القبول بتعريفها وفق مصطلحات ينثرها سياسي او يقولها كاتب،
فلم تعد حرب إبادة أو فرض أمر واقع يمهد لهجرة طوعية، فإسرائيل بجيشها الهمجي وتصرفاتها قد ركلته خلفها وتجاوزته، وأطلقت العنان لطائراتها ودباباتها لسحق الوجود الإنساني في غزة، وتحويله الى أرقام وأشياء حتما سوف تتلاشي قيمتها يوما بعد يوم.
هذا التحضير الإسرائيلي للتعامل مع غزة لم يكن نتاج ردة فعل لحدث جلل حدث معها او عمل وقائي كي يمنع أي فصيل فلسطيني مسلح من إعادة التجربة لاحقا، ومحاولتهم في إظهار التخبط، بالتالي تأخير الرد على ما حدث يوم السابع من اكتوبر ما هو إلا لتضخيم حالة الصدمة وجعل العالم يتقبل أفعالهم في غزة، اما الخطط وكيفية تنفيذها كانت جاهزة وتنتظر اشارة البدء.
إسرائيل في حربها أعطت الكثير من القراءات الخاطئة للشعوب رهانا على رعونة الفصائل المسلحة التي تشبعت بتحليلات الكثير من القنوات المعادية , لقد دمرت جباليا و أعلنت أن مهمتها العسكرية انتهت و سحبت قواتها رهانا على أن بعض جيوب المقاومة لازالت تختبئ في الأنفاق و تريد اصطيادهم, عادت مرة اخري لتلحق فيما تبقي منهم بالخسائر المرجوة,
صحيح أن المقاومة يمكن تحيتها على بعض النجاحات، الا أن حجم الخسائر أصبحت أكبر من قدرة المواطن الغزى على التحمل، وأن ملامح المرحلة القادمة تنذر بشؤم كبير، وان إعمار مدينة يسكنها أكثر من اثنين مليون نسمة لن تكون بالأمر اليسير أو السهل وأن التبرعات وإن وجدت لن تكفي لإصلاح محافظة من القطاع.
من هنا قبل ان تأتينا التحليلات من مناطق بعيدة علينا نحن كفلسطينيين أن نستعيد عافيتنا ونفكر في هدف الحرب الحقيقي، ولا نكتفي بلوم أنفسنا او إظهار شجاعات لا يمكنها الصمود لاحقا أمام تلك الحمم والقذائف.
عملية السابع من أكتوبر لم تكن موفقة و كي لا نذهب بعيدا يمكننا القول بأنها تدل على استهتار و عدم فهم العقلية الصهيونية فلا أحد يمكنه إنكار الحق على من يقبع تحت الاحتلال من مقاومته م و إلحاق الأذى به ,الا أن المسألة الفاصلة كانت في اختيار التوقيت الذي ساهم في انتشال إسرائيل من أزماتها السياسية التي كادت ان تعصف بها , فلقد كانت شوارع تل ابيب على موعد دائم مع التظاهرات ضد نتنياهو و تصرفاته الحمقاء ومحاولته تكبيل دور المحكمة العليا , فكانت عملية السابع من أكتوبر بمثابة طوق النجاة لنتنياهو و مجتمعه , فالحدث كان مثاليا لإعادة ترتيب الأولويات و إغلاق أبواب الاجتهادات في شكل الحكم و دور المحكمة العليا .
من هنا متخذ القرار الفلسطيني، تبني فكرا يشاكس الحركة الطبيعية للمفهوم الصهيوني اعتقادا منه ان إعدام وأسر عدد من الإسرائيليين يمكنه ان يكبل أيديهم ويمنعهم من القيام بأي عملية عسكرية حرصا على سلامة أسراهم. هذا الاعتقاد ليس مقدسا يمنع المساس به او الاقتراب منه لان أقل ما يمكن وصفه أنه عمل سلب من المقاومة هيبتها وكشف زيف وحدة الساحات، وأننا كفلسطينيين لا زلنا نعيش تحت سقف الخديعة، فلا لبنان ولا حزب الله حرك الياته للانقضاض على من يحتل مزارع شبعا ولا سوريا المنهكة قررت استغلال التوقيت المثالي و فتحت جبهة لتحرير جولانها , فلا احد يمكنه التضحية باستقراره لأجل اكذوبة لا يصدقها الا مغفل ,
الآن فلسطين تعيش أجواء الخسارة بكل تفاصيلها , شعب و أرض و أملاك , و ان الادعاء بأننا خرجنا بالكثير من المكاسب , أمر يشوبه الكثير من التحفظات , فلا المظاهرات الداعمة سوف تستمر بعد انتهاء المعركة , و لا الاعترافات التي أطلقتها بعض الدول اعترافا بحقنا في دولة , و لا حتى هدم السردية الصهيونية يكفي , فنحن مجتمع مفكك و بانتظاره المزيد من التشرذم , فلا علاقة سوية بين الناس وبين من يغتصبون الحكم , و لا الوطن موحد و لا الناس تشاطر بعضها البعض , و لا لسان فلسطيني موحد للمطالبة بالثمن بل هناك وسطاء , و إن انتهت الحرب حتما سوف نعود إلى أدراجنا و معنا همومنا و ذكرياتنا المؤلمة إن بقينا احياء على هذه الأرض غير مشردين نترحم على من فقدناهم , لنعود الى نفس الدائرة المغلقة نقف داخلها كالبلهاء لا نجرأ على انتقاد تدشين مستوطنة جديدة او إعدامات ميدانية فلقد بلعنا الطعم و أصبحت مخاوفنا تتجاوز تقبل التضحيات ,
من هنا علينا ان نعلم انه تم استدراجنا لهذه الحرب، والآن تطرح مبادرات وبالرغم انها منحازة بالكامل لتلبية الشروط الاسرائيلية الا انه لنا فيها مكاسب، فلنحاول النزول عن الشجرة قبل ان نقتلع جميعا من جذورنا.