جهاد حرب
أمد/ قدمت الحكومة التاسعة عشرة خطة الإصلاح للحكومة الجديدة في اجتماع مؤتمر الدول المانحة المنعقد بالعاصمة البلجيكية بروكسل ما بين 26 – 28 أيار/ مايو 2024 من أجل حشد الدعم المالي والسياسي والاغاثي دون الإعلان عن ما تحتويه هذه الوثيقة “الخطة” للجمهور الفلسطيني. كما أعلنت مصادر فلسطينية أن القيادة الفلسطينية عرضت على مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان في اجتماع معه بتاريخ 20 أيار/ مايو الماضي خطةَ الإصلاح الحكومي [2] تشمل إصلاحات مالية وأمنية وإدارية [3] ؛ وذلك في إطار الإجابة على مطالبات الإدارة الامريكية لرؤية سلطة فلسطينية متجددة، وكذلك برنامج الحكومة الجديدة “أجندة الإصلاح المؤسسي” التي تعمل الحكومة على تنفيذها، ومن ضمنها تعزيز مبادئ الشفافية، تسهيل الإجراءات، تسريع الخدمات المقدمة، ترشيد النفقات، تمكين وتعزيز استقلالية القضاء، تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني، وتوطين الخدمات الطبية، والعديد من الخطوات الأخرى .
فعلى الرغم من أن رئيس مجلس الوزراء د. محمد مصطفى أعلن في الجلسة الأولى للمجلس أن أولويات الحكومة الثلاثة هي: تنفيذ برنامج الإصلاح وتطوير أداء المؤسسات الحكومية، وإغاثة المواطنين في قطاع غزة، وتحقيق الاستقرار المالي. لكن لم تفصح أو تنشر الحكومة عن وثيقة متكاملة “خطة الإصلاح” للشعب الفلسطيني صاحب السلطة ومالكها أي المستفيد الحقيقي “المفترض” منها.
ومعلوم أن تنفيذ عملية الإصلاح في جوانب منها لا ترتبط بإرادة الحكومة وعزمها لوحدها فالنجاح والفشل فيهما لا يعتمد على قدرة الحكومة ذاتها وإنما بأطراف خارجية كالمجتمع الدولي والمانحين وكذلك الجانب الإسرائيلي خاصة في ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القاضية بإضعاف السلطة ومؤسساتها. لكن ما تمتلكه الحكومة هذه هو العمل على تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بالشأن الداخلي خاصة أنّها مخولة بذلك في القانون الأساسي، ومن الرغبة المترجمة في كتاب “القرار” التكليف الرئاسي باختيار رئيس الحكومة، ومما جاء في برنامج الحكومة بالنص على “تطوير خطة الإصلاح المؤسسي كمصلحة وطنية ملحة وعليا،…. للوصول إلى مؤسسات قوية قادرة على الحكم الرشيد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”..
تستعرض هذه الورقة ثلاثة خيارات ممكنة لعملية الإصلاح في مؤسسات الدولة الفلسطينية الخيار الأول: الإصلاحات الشاملة والجراحية، و الخيار الثاني: تتضمن بعض الإجراءات الجراحية لكنها تركز على إجراءات فنية، و الخيار الثالث: العمل على انجاز عدد من الإصلاحات الفنية أي البدء بخطوات إصلاحية فنية ليس لها تبعات أو تكلفة مالية أو تلك التي يمكن إنجازها دون معارضة من مراكز القوى والنفوذ أو بعض الأطراف، وقد تكون هذه الإصلاحات ضرورية وقد تساعد في تحسين تقديم بعض الخدمات.
عدم نجاح مبادرات الإصلاح وانطباعات المواطنين لمؤسسات الدولة تحدي إضافي أمام حكومة محمد مصطفى
مما لا شك فيه أن حكومة د. محمد مصطفى بالإضافة إلى تشكيلها في ظروف صعبة من حيث استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتفاقم الأزمة المالية وتردي الوضع الأمني في الضفة الغربية فقد تشكلت في ظل سخط شعبي وانطباعات سيئة لدى الفلسطينيين عن أداء الحكومة بشكل عام في مستويات عدة فمثلاً؛ تعاني مؤسسات الدولة بشكل عام من فقدان الثقة لدى الغالبية من الفلسطينيين؛ حيث يظهر استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (الباروميتر العربي نهاية عام (2023 إلى أن اغلبية الفلسطينيين في الضفة وغزة لا يثقون برئيس السلطة ( 73 %) ونسبة من 74 ٪ لا تثق بالحكومة الفلسطينية و 58 % لا يثقون بالشرطة الفلسطينية وبقوات الأمن الوطني، كما يعبر ثلثا الفلسطينيين عن عدم ثقتهم بالمحاكم والجهاز القضائي.
أشارت نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه ا المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (الباروميتر العربي نهاية عام (2023 إلى أن هناك سخطاً لدى أغلبية الفلسطينيين فيما يتعلق بأداء الحكومة فيما يتعلق بتقديم الخدمات الأساسية؛ فقد قال 64 % أنهم غير راضين عن هذا الأداء بشكل عام، وأشار 51 % بأنهم غير راضين عن النظام التعليمي، و 52 % غير راضين عن النظام الصحي، و 57 % غير راضين عن جودة الشوارع، و 53 % أنهم غير راضين عن النظافة العامة. وترى أغلبية واسعة ان الحكومة (79%) غير متجاوبة جدا أو غير متجاوبة على الإطلاق مع ما يريده الناس.
أضافة إلى ذلك، الاعتقاد لدى الأغلبية الساحقة بانتشار الفساد في مؤسسات السلطة المختلفة، حيث تعتقد الغالبية العظمى من الفلسطينيين (85٪) بوجود فساد في مؤسسات الدولة في الوقت الذي تعتقد الأغلبية أيضا ان الحكومة لا تقوم بمكافحة الفساد حيث يرى 37٪ أنها لا تفعل ذلك على الإطلاق، و24٪ أنها تفعل ذلك ولكن بدرجة ضئيلة.
في ظل هذه المعطيات ينبغي على حكومة د. محمد مصطفى، إذا كانت جدية في رغبتها بالتفاف الجمهور حولها أو حول برامجها ومساعدتها لتخطي العقبات كما صرح د. محمد مصطفى في خطابه “رسالتنا ليست بالالتفاف حول الحكومة؛ بل حول برنامج عملها كبرنامج وطني شامل”، أن تكون حساسة لانطباعات ومواقف وآراء المواطنين إذا ما رامت تعزيز مصداقيتها وجديتها وقدرتها على إحداث تغييرات إيجابية ذات مغزى. كما لا بد أن تضع في اعتباراتها أوليات الجمهور على سلم أولوياتها وأنْ تظهر الجدية في العمل على تحقيقها بشكل يقنع الجمهور بجديتها.
ثلاثة خيارات ممكنة للإصلاح
تعددت مشاريع وخطط الإصلاح التي قدمت على المستويين المحلي والدولي [4] على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، والتي هدفت إلى تحديد مواطن الخلل في مؤسسات السلطة الفلسطينية ووضع التوصيات الخاصة بمعالجتها، حيث شملت دعوات وبرامج الإصلاح مختلف المجالات؛ كاحترام الدستور “القانون الأساسي” وسيادة القانون واستقلال القضاء، وتحديد وتوضيح العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمالية العامة ومكافحة الفساد، ودور الأجهزة الأمنية في بنية النظام السياسي، والانتخابات التشريعية والرئاسية، والحكم المحلي.
لكن غياب الإرادة السياسية لإحداث الإصلاح، وضعف إحداث تغيير في النظام السياسي بشكل عام وفي طرائق العمل بشكل خاص، وتراجع المسؤولين السياسيين عن الإجراءات الإصلاحية، أدى إلى الفشل في اقناع الجمهور بحدوث تغييرات مرضية في النظام السياسي ككل كما أشارت استطلاعات الرأي العام العديدة إلى وجود نظرة تشائمية من الجمهور تجاه عملية الإصلاح والثقة بمؤسسات الدولة .
( 1 ) الخيار الأول “الإصلاحات الشاملة ذات الطابع الجراحي”
هذا الخيار يحمل في طياته عملية إصلاح شاملة في نظام الحكم وذات طابع جراحي لإحداث تغييرات سياسية وسياساتية جوهرية وجدّية في مراكز الحكم الأساسية ومفاصله، وتشمل جميع القطاعات كقطاع الخدمة المدنية، وهيكلية المؤسسات العامة وخاصة غير الوزارية ودمج وإلغاء بعضها، والمالية العامة، وقطاع الإعلام العمومي وتبعيته، والسلك الدبلوماسي وبنيته وآليات التعيين فيه، وإعادة النظر في قطاع الأمن وهيكليته ووظائفه، وكذلك بنية السلطة القضائية بما فيها النيابة العامة التي تم تفتيتها إلى سلطات قضائية متعددة، والسياسات الاقتصادية للحكومة ومدى الانخراط في أعمال تجارية للحكومة، ومراجعة العلاقة المالية والاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، وكذلك إعادة النظر في مدد مكوث كبار الموظفين “رؤساء الهيئات والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية” في مناصبهم بما ينسجم مع القواعد العامة التي وضعها المشرع الفلسطيني “المجلس التشريعي” في هذا الصدد، وتعديل جوهري في وظيفة ووضعية المستشار القانوني للحكومة والوزارات والمؤسسات العامة وآلية تعيينهم وتمتعهم بالحصانة الوظيفية والزمانية، ودعم استقلالية مؤسسات الرقابة العامة بما فيها ديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد، وإعمال مبدأ المحاسبة للفاسدين والمتجاوزين لسيادة القانون والإجراءات السليمة والتعسف باستخدام السلطة علناً ودون مواربة خاصة لكبار الموظفين.
بالإضافة إلى تبني وثيقة رسمية ” White Paper ” للشراكة مع المجتمع المدني وتطوير آلياتها بما ينسجم مع قواعد الشراكة المنصوص عليها في وثيقة الاستقلال وبما يعزز الملكية الجماعية في رسم السياسات وقبول مبدأ المساءلة المجتمعية وتحصينها. وتبني قانون للضمان الاجتماعي يتيح الفرصة للانتقال التدريجي الإلزامي في التطبيق في الضفة الغربية إلى أن يتم تهيئة الظروف في قطاع غزة. وتبني نظام تأمين صحي إلزامي وشامل وتضامني لإعادة هيكلة نظام الرعاية الصحية في البلاد آخذا بعين الاعتبار طبيعة الظروف المختلفة بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد جريمة الحرب التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
يهدف هذا التصور إلى استعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وإعادة تصويب وضعها ومكانتها بما ينسجم مع أحكام القانون الأساسي الذي يعتبر الحكومة “مجلس الوزراء” المسؤولة الرئيسية عن إدارة الدولة المدنية والأمنية، وتطوير الخدمة العامة والوظيفة العامة، وذلك من خلال ترشيق الجهاز الإداري (الأمني والمدني) وتشبيّبه بمنح فرص تطور للشباب في الهرم الهيكلي للجهاز الإداري، والتسكين على هيكليات وظيفية مقرة للأجهزة الأمنية والمدنية تتناسب مع حجم العمل (الاحتياج)، وإنهاء عمل من هم فوق الستين عاماً وعدم التجديد لهم، وإعمال التقاعد العادي للمنتسبين العسكريين وفقاً لقانون الخدمة في قوى الأمن؛ وفي هذا الصدد يمكن الاستعانة بالعديد من التجارب الدولية لعملية الإصلاح في الجهاز الإداري والوظيفة العامة (الأمنية والمدنية) للاستفادة منها وأخذ الدروس والعبر بما فيها التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لعملية الإصلاح، واتخاذ إجراءات تصحيحية صارمة لترشيد الإنفاق والتقشف في بعض القطاعات ووقف الامتيازات المالية الآجلة “تقاعد السياسيين” ،منع منحها للفئات العليا، والتوسع الأفقي في مجال الإيرادات خاصة الإيرادات الضريبية بتطوير آليات الجباية وتحسين أداء العاملين.
بعض هذه الإصلاحات مؤلمة ويمكن أنْ يكون لها ارتدادات ومعارضة من قبل مراكز القوى المتنفذة. لكن الحكومة هنا في ذات الوقت محمولة على تحمل تبعات هذه الإصلاحات وعدم التراجع عنها تحت ضغط مراكز القوى والنفوذ، وهي محمولة على إقناع المواطنين الذين يريدون رؤية إجراءات فعلية وتغييرات في المنهج والأسلوب والوجوه والأشخاص بجدية الحكومة بقيامها بعملية الإصلاح؛ فالإصلاحات الفنية والتقنية مهمة لكنها غير مرئية للمواطنين ويمكن من الناحية الإدارية التلاعب بها وتجاوزها بإجراءات تعطيلية أو تأجيلية أو الانقلاب عليها بعد مدة من تنفيذها.
( 2 ) الخيار الثاني: إجراءات جراحية بالتركيز على الإجراءات الفنية
يقضي هذا الخيار بمراجعة بعض القوانين مثل قانون الخدمة المدنية والخدمة في قوى الأمن بالإضافة إلى قوانين مالية مثل ضريبة الدخل وقانون ضريبة القيمة المضافة، ومراجعة القرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية؛ وذلك لدراسة مدى مواءمة القرار بقانون مع الحقوق والحريات الواردة في القانون الأساسي والتشريعات ذات العلاقة . والمطالبة في إعادة النظر في نظام التأمين الصحي باتجاه وقف الحاجة للتحويلات للخارج دون إحداث تغيير جوهري في نظام الرعاية الصحية ونظام التأمين الصحي وطبيعته.
والإعلان عن إجراءات مالية تقشفية تتعلق بكبار المسؤولين والموظفين، وبعض الإجراءات الإدارية في الوظيفة العامة؛ مثل ضبط حركة المركبات الحكومية واستخداماتها، وتحديد مهمات السفر والتعاقدات الحكومية واستئجار المباني الحكومية، ووقف شراء الأثاث والسيارات الحكومية الجديدة، وأن تكون جميع التعيينات بما فيها الفئة العليا على أساس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص، وتنفيذ مرسوم الرئيس بشأن وقف تمديد الخدمة للموظفين المدنيين والعسكريين فوق سن 60، والسفراء فوق سن 65، والقضاة فوق سن 70، ووقف جميع الاستثناءات إلى جانب وقف التعاقد مع الموظفين الحكوميين المتقاعدين- إلا في حال الضرورة، وأن يكون قد مضى على تقاعده سنتان على الأقل. وتشكيل أو تعيين لجان ذات اختصاص أو مكتب مختص لمتابعة عملية الإصلاح في مستويات وظيفية عليا في مجالات متعددة في الإطار المؤسسي دون الولوج في إصلاح الجهاز القضائي بما يعيده إلى قواعد القانون الأساسي “سلطة قضائية واحدة ومحاكم متعددة” أو إجراء تعديلات واسعة في السلك الدبلوماسي، أو دمج المؤسسات غير الوزارية، أو ضمان ترشيق الجهاز الإداري في المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية وتشبيبها، والإبقاء على العلاقة الضبابية مع منظمات المجتمع المدني رهينة تطورات الأحداث وطبيعة المسؤول الحكومي وتفهمه لعمل منظمات المجتمع المدني، واستمرار ضعف شفافية إدارة المال والشأن العام وآلية اتخاذ القرارات والإعلان عنها.
تحظى الإجراءات التقشفية الاعلانية استحسان المواطنين لكنها تبقى لحظية؛ خاصة أن هذه الإجراءات تم الإعلان عنها بقرارات في عهدة حكومات سابقة، وهي تأتي في إطار تطبيق بعض التشريعات الرئيسية والثانوية التي يُفترض أنها نافذة، وهي لا تحتاج إلى قرارات للإنفاذ بقدر محاسبة المخالفين والمسؤولين الذين لم يقوموا بدورهم في إنفاذ هذه التشريعات وإهمالهم لها أو خرقها.
وفي هذا الخيار على ما يبدو ما زال استمرار غياب الشراكة مع المجتمع المدني في تحديد أولويات عملية الإصلاح، حيث تشير تصريحات وزراء خارجية لدول الاتحاد الأوروبي انه تم مناقشة خطة الإصلاح في اجتماع الدول المانحة المنعقدة ببروكسيل يوم 26 / 5 / 2024 دون طرحها أو الإعلان عنها لجمهور المواطنين؛ وهو ذات السلوك للحكومات السابقة.
( 3 ) الخيار الثالث: الإصلاحات الفنية تكرار التجربة للحكومات السابقة
يقضي هذا الخيار الإعلان عن إجراءات مالية تقشفية تتعلق بكبار المسؤولين والموظفين ، وبعض الإجراءات الإدارية في الوظيفة العامة؛ مثل ضبط حركة المركبات الحكومية واستخداماتها، وتحديد مهمات السفر والتعاقدات الحكومية واستئجار المباني الحكومية، ووقف شراء الأثاث والسيارات الحكومية الجديدة، وأن تكون جميع التعيينات بما فيها الفئة العليا على أساس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص، وتنفيذ مرسوم الرئيس بشأن وقف تمديد الخدمة للموظفين المدنيين والعسكريين ووقف جميع الاستثناءات إلى جانب وقف التعاقد مع الموظفين الحكوميين المتقاعدين. وتشكيل أو تعيين لجان ذات اختصاص او مكتب مختص لمتابعة عملية الإصلاح في مستويات وظيفية عليا في مجالات متعددة في الإطار المؤسسي. والعودة للحديث عن إعادة النظر في إجراءات شراء الخدمة من خارج وزارة الصحة “التحويلات الطبية”، والحديث عن إعداد خطط لرقمنة الخدمات وتمويل مشاريع في المحافظات والتوقيع على مذكرات تفاهم بين الوزارات بشأن بعض الخدمات ومعالجة مسألة صافي الإقراض مع الجانب الإسرائيلي ومع المجالس المحلية.
تحظى الإجراءات التقشفية الاعلانية باستحسان المواطنين لكنها تبقى لحظية؛ خاصة أن هذه الإجراءات تم الإعلان عنها بقرارات في عهدة حكومات سابقة، وهي تأتي في إطار تطبيق بعض التشريعات الرئيسية والثانوية التي يفترض أنها نافذة، وهي لا تحتاج إلى قرارات للإنفاذ بقدر محاسبة المخالفين والمسؤولين الذين لم يقوموا بدورهم في انفاذ هذه التشريعات وإهمالهم لها أو خرقها. وعدم رؤية المواطنين لمحاسبة كبار المسؤولين الذين حصلوا على امتيازات دون وجه حق أو استغلوا مناصبهم للحصول على منافع شخصية، أو الإسراع في إنجاز التحقيقات المتعلقة بقضايا فساد واستغلال النفوذ ومحاسبة المتورطين فيها من قبل محكمة جرائم الفساد.
وفي هذا الخيار تستمر الحكومة في اتخاذ القرارات بسرية ودون شراكة مع المجتمع المدني لتحديد أولويات عملية الإصلاح، كما يتم عادة وضع خطط الإصلاح من أجل المانحين للسلطة الفلسطينية.
الخلاصة
إنَّ أيّ خطة للإصلاح الفلسطيني ترنو للنجاح وتحويل عملية الإصلاح إلى حقيقة واقعة وتمنع تكرار الفشل في عملية الإصلاح؛ تتطلب أن تنظر الحكومة بعمق لأسباب الفشل التي لاحقت تنفيذ خطط الإصلاح السابقة وأخذ العبر منها لتجاوز العثرات والتحديات والصعوبات التي حدة من تنفيذ الإصلاحات المخططة، واستلهام عناصر القوة التي رافقت النجاحات القليلة التي تحققت منها. كما تتطلب أن تكون ضمن رؤية واضحة، وخطة وطنية محكمة؛ تتضمن برنامجاً مدعماً بالإجراءات المحددة؛ وفقاً لآجال زمنية مضبوطة وتكليفات لجهات بعينها صاحبة الاختصاص في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية، هذا الأمر لا تقدر عليه سلطة الحكم مهما عظم شأنها أو حصلت على دعم خارجي؛ دون مشاركة مجتمعية لتعزيز الملكية الشعبية القاضية بالدفاع عنها من الفئات المجتمعية المختلفة، ولضمان تحمل المواطنين الأعباء الناجمة عن عملية الإصلاح أي شعورهم بعدالة توزيع الأعباء، وللحد من مقاومة الفئات والأشخاص المتضررين من الإصلاح خاصة أنهم في العادة من عليّة القوم المتنفذين في الحكم ومن الماسكين بزمام أصحاب القرار.
الخيارات الثلاثة التي تم ذكرها ممكنة للإجابة على سؤال أي إصلاح نريد! لكن ما هو الإصلاح اللازم من أجل النهوض من جديد وإزالة جميع الإعاقات أمام استمرار القدرة على مجابهة الضغوط الداخلية والخارجية، والتحول المطلوب لتطوير قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات بجودة عالية وكذلك بتكلفة أقل على دافعي الضرائب. إنّ الوصول إلى ذلك يتطلب إجراء إصلاح جدي وجوهري لا عودة عنه يعالج بشكل جراحي المشكلات المزمنة في النظام السياسي وإعلاء سيادة القانون وحقوق الإنسان وضمان أن تكون الدولة لجميع مواطنيها وفقا لوثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي. الأمر الذي يجعل الخيار الأول “الإصلاحات الشاملة ذات الطابع الجراحي” هو المفضل والأكثر قدرة على إحداث التغيير المطلوب.
أغلب الإصلاحات الكبيرة والسياسية والمؤلمة التي يتم الحديث عنها ليس لها تكلفة مالية بقدر التكلفة السياسية الداخلية؛ فالحكومة في هذا الصدد فقط عليها إعمال القواعد الدستورية الآمرة المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفض تلك القوانين والقرارات والإجراءات والامتيازات المستحدثة المخالفة لها. على الرغم من الإدراك بأن هناك صعوبات كبيرة أمام الحكومة لكن دون العملية الجراحية لن تستقيم الأمور ولن يتحقق التزام رئيس الحكومة في برنامجه المعلن “…. للوصول إلى مؤسسات قوية قادرة على الحكم الرشيد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة” أو مؤسسات فعّالة ومساءلة وفقاً لما جاء في أهداف التنمية المستدامة 2030 .