علاء مطر
أمد/ أعلم أن البعض سيهاجمني لمجرد وضع مقارنة، ويتم اتهامي بالتخوين وضد المقاومة، وفي حقيقة الأمر أنني لم أكن يوما متحيزا لتنظيم ما، ولا أحد يقف ضد المقاومة، ولكن في هذا المقال أستعرض أحداثا وخط سير لمبدأ وطريقة تفكير تنظيم حماس والسلطة الفلسطينية وكيفية إدارتهما للأحداث.
منذ اللحظة الأولى للعملية العسكرية في السابع من أكتوبر الماضي، أدرك الجميع بأن عواقبها ستكون مرعبة ضد أهالي قطاع غزة، حيث الانتقام الإسرائيلي غير المسبوق والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والمستمرة منذ ثمانية أشهر على التوالي، بينما وصلت ارتداداتها على القضية الفلسطينية برمتها سواء بالضفة الغربية أو القدس، حتى دفع شعبنا في جميع أماكن تواجده ثمنا لا يُطاق، ولا تتحمله دول عظمى، وهو ما كانت تحذر منه منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس محمود عباس، طوال السنوات الماضية، فيما أدركت حماس ذلك متأخرا للأسف، بعد عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.
وفي الوقت الذي لم تدّخر فيه القيادة الفلسطينية جهدا من الناحية السياسية والدبلوماسية والقانونية حول العالم، للضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة في غزة، حيث تواصلت منذ اليوم الأول للحرب مع المجتمع الدولي كافة، وكشفت مجازر الاحتلال، كما أنها قامت بتزويد دولة جنوب أفريقيا بكافة الملفات التي تدين إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، بالإضافة إلى تحذيرها في كل المحافل الدولية ومجلس الأمن مؤخرا من العواقب الكارثية لاجتياح إسرائيل لرفح، وتهديد ذلك على حياة أكثر من مليون نازح فلسطيني هناك، والعمل على تشكيل إجماع دولي للضغط على إسرائيل لمنع هذا الأمر.
إن سياسة القيادة الفلسطينية منذ دخولها ساحة الدبلوماسية الدولية والمفاوضات برعاية دولية، هو العمل على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، والحفاظ على قضيتنا أمام العالم، بالإضافة الى المطالبة بحق شعبنا “ولا يضيع حق وراءه مطالب”، وذلك طبعا جاء بعد تجربة فصائل المنظمة العمل العسكري وتبعاته وعواقبه التي ذاق مرها شعبنا خلال سنوات المقاومة العسكرية، كما عملت المنظمة على فهم موازين القوى الدولية والسياسة العالمية.
في المقابل، لم تقتنع حماس بمسار منظمة التحرير، رغم علمها الجيد بتجربتها العسكرية في مقارعة إسرائيل، لكن حماس عملت على تضخيم قوتها العسكرية إعلاميا، وأن لديها قوة عسكرية تضاهي الدول، وتدعي الانتصار في كل حرب أو تصعيد خلال السنوات الماضية، رغم أن الحقيقة تؤكد أنها كانت تخسر كل حرب وراء الأخرى، فهي لم تحقق أيا من مطالبها، حيث لم ترفع الحصار عن غزة، ولم توقف اقتحامات الأقصى، ولم توقف هدم البيوت في حي الشّيخ جراح، أو سلوان بالقدس، هي لم تحقق أي انتصار إلا دخول الأموال القطرية عبر إسرائيل الى غزة، وذلك لهدف يعلمه الجميع وهو استمرار الانقسام الفلسطيني.
في الواقع، إن قادة حماس يتخبطون يمينا ويسارا، ويعيشون حالة من الإحباط، بعدما تم التغرير بهم بل والتضحية بهم ككبش فداء من قبل “محور المقاومة” الذي كان يتغنى بما يسمى “وحدة الساحات”، لتبدأ البحث عن مخرج من هذا الكابوس، فبعدما كانت ترفض حماس اعتبار المنظمة ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وكانت ترفض بشكل نهائي حلّ الدّولتين، غيرت الحركة موقفها بشكل كامل ومفاجئ، حيث بدأت قيادات الحركة بالمطالبة بضرورة فتح مسار سياسي يفضي لحل الدولتين، وذلك قبل قرابة الأربعة أشهر.
ولو عدنا قليلا إلى التاريخ قبل عدة عقود، فإن موقف حماس الذي كان يطالب بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وأن أرض فلسطين لا تتسع سوى للفلسطينيين، هو موقف منظمة التحرير في السابق، إلا أنها عدلت من مسارها وقبلت بحل الدولتين، فهل من الممكن اعتبار موقف حماس الحالي تطورا في سياستها، أم دليلا على أنها تدرك الواقع متأخرا، وقصور حقيقي في نظرتها السياسية، لكن الحقيقة هي أن قادة حماس لم يكونوا يأخذون بالاعتبار المستجدات الدولية والإقليمية، ولم تكن ترى إلا نفسها في فلسطين، حتى أعدمت نفسها دوليا.
تحاول حماس اليوم الالتزام بسياسة منظمة التحرير، تلك السياسية التي لطالما هاجمتها وخونت الفصائل المنتسبة لها، وخصوصا خصمها السياسي حركة فتح، فيما جاءت فترة تشكيل حكومة محمد مصطفى سعت للتخلي عن حكم قطاع غزة في سبيل أن تأخذ نصيبا في الحكومة في حين عارضتها في البداية، في تناقض واضح وصريح ودليل على تخبط حمساوي مرعب.
للأسف، لم تكن حماس تهتم لما سيحدث للشعب الفلسطيني جراء حكمها للقطاع وفرض الحصار الإسرائيلي، وعمليتها العسكرية في أكتوبر الماضي، وما سيجلبه كل ذلك من رد فعل للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكل ذلك يعود إلى نظرتها بأن التنظيم أهم من كل فلسطين، وأن فلسطين ليست سوى طريقة لتحقيق مشروعها الأكبر، مما أعاد قطاع غزة إلى ما دون الصفر بكل ما تعنيه الكلمة.
وبالحديث عن كشف انجازاتها التحررية والمعيشية في قطاع غزّة، فإنها أحالت القطاع المحاصر بسببها إلى أطلال من الركام، يُبكي القريب والبعيد، بسبب خوضها حربا بقرار منفرد، تتحمل هي وحدها مسؤوليته بشكل كامل، وهو القرار الذي أسقط ورقة التوت عن قيادتها المنزهة عن الخطأ..ليدفع الشعب بأكمله خطأ قراراتها وادراكها المتأخر لكل المستجدات على الساحة الدولية والإقليمية..