أمد/
عن دار الأزبكيّة في رام الله صدر كتاب “د. محمود صبيح- جدّ فوجد- سيرة غيريّة”. والكتاب الّذي يقع في 176 صفحة من الحجم المتوسّط، ويحمل غلافه الأوّل صورة للطّبيب محمود صبيح من تأليف الأستاذ محمّد صبيح” أبو عاطف”، وإخراج وتنسيق سمير حنّون.
وصاحب السّيرة هو النّطّاسي البارع د.محمود حميدان صبيح، ابن جبل المكبّر، الّذي أبدع في مجال الطّبّ، وأسّسَ في بلدته مركزا صحيّا يقدم خدماته لآلاف المواطنين.
أهداني الأستاذ محمد صبيح “أبو عاطف” نسخة من كتابه هذا، فقرأته في جلسة واحدة، وأثناء قراءتي للكتاب تذكّرت ما كتبه أستاذنا الأديب محمود شقير، في تقديمة لكتابي “ابن العمّ أبو شكاف- سيرة غيريّة”، وممّا جاء في ذلك التقديم:”
وإذا كان مألوفًا ظهورُ سِيَرٍ ذاتيّة أو غيريّة للمثقّفين والأدباء والفنّانين ورجال السّياسية، فلماذا لا يكون مألوفًا بل مطلوبًا ظهورُ سِيَرٍ لرجال الأعمال النّاجحين الّذين صنعوا نجاحهم بجدّهم واجتهادهم، وليس عن طريق الغشّ والتّـزوير والسّرقة والاستغلال، وكذلك لغيرهم من الكفاءات في حقول العلم والتّجارة والاقتصاد، وغيرها من الحقول التي تميّزت فيها فلسطينيّات، وتميّز فلسطينيّون يستحقّون أن تُذكر أسماؤهم، وأن تُدوَّنَ تجاربهم للاقتداء بها، فلا يطويها النّسيان.”
ويبدو أنّ الأستاذ صبيح استفاد من مقولة أديبنا شقير، فكتب سيرة عمّه النّطاسيّ البارع د. محمود صبيح، وبغضّ النّظر عن دوافع صبيح لكتابة هذا الكتاب إلّا أنّه يسجّل له أنّه أبدع في كتابة سيرة طبيب إنسان حظي بمحبّة واحترام كلّ من عرفوه، أو تعالجوا على يديه.
وتأتي أهمّيّة هذا الكتاب أنّه يسجّل لحياة طبيب ولد في أسرة كادحة، وتعلّم بجدّه واجتهاده، وحقّق حلمه بدراسة الطّبّ متخطّيّا العقبات الّتي كانت تقف في طريقه، رغم أنّ غيره كثيرون لم يستطيعوا تخطّيها، ورغم أنّه لم تتوفّر لديه أيّ محفّزات تعليميّة. ومن يعرف أو يتعرّف على حياة هذا الإنسان، سيعجب من كفاحه وإصراره على دراسة الطّبّ، رغم كلّ المعيقات، فهذا الإنسان تصدق عليه مقولة نابليون:” لا توجد كلمة مستحيل إلّا في قواميس الحمقى”.
والقارئ لهذا الكتاب سيلاحظ أنّ أبا عاطف قد تتبّع سيرة عمّه الطّبيب محمود منذ ولادته وحتّى يومنا هذا، مرورا بعمل الأخير – د. محمود- عاملا في الورش أثناء العطل في مرحلته المدرسيّة، وبعد أن أنهى الثّانويّة العامّة بعامين، التحق بعدها بجامعة بيروت العربيّة، حيث درس “التّجارة والمحاسبة” لمدّة عام، وبعدها انتقل إلى مدريد العاصمة الإسبانيّة لدراسة الهندسة، وبعد دراسته لمدّة عامين في اسبانيا حصل بواسطة شقيقه المهندس عليّ على منحة دراسيّة في الاتّحاد السّوفييتي لدراسة الطّب في جامعة “لينينغراد”.
وعندما أنهى د. محمود دراسة الطّبّ عاد إلى مسقط رأسه مع زوجته “ماريّا” وطفلته البكر “ليلى”، ولم يكن يملك شيئا غير إرادته وقوّة عزيمته، فالتحق بمستشفى المقاصد في القدس؛ ليتدرّب في “سنة الامتيار”، ثمّ انتقل إلى مستشفى “آساف هروفيه” في تل أبيب، وعمل في مستشفى “شعاري تصيدق” ثمّ افتتح مركزا طبّيا في بلدته السّواحرة الغربيّة-جبل المكبّر–القدس. فجذب أكثر من عشرة آلاف إنسان؛ ليتعالجوا عنده في مركزه الّذي يعمل فيه أكثر من خمسين شخصا منهم أطبّاء متخصّصون، وممرّضات وممرّضون، وإداريّون وغيرهم.
وتنبع أهمّيّة هذا الكتاب أنّه يشكّل دافعا للأجيال الشّابّة والواعدة ليجدّوا وليجتهدوا معتمدين على قدراتهم الشّخصيّة، كما فعل د. محمود صبيح الّذي يعتبر قدوة تقتدى.
وهذا الكتاب يشكّل دافعا لكتابة سِيَرٍ غيريّة لآخرين من أبناء بلدتنا ومن أبناء شعبنا، فبلدتنا ولّادة كما هو وطننا، ومن حقّ ذوي الفضل علينا أن نذكر أفضالهم. ومن حقّ الأجيال الواعدة أن تقتدي بمن أبدعوا وتميّزوا من الأجيال الّتي سبقتهم.