أمد/
غزة: أمام مستشفى "القدس" الميداني التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في مواصي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، تقف ميساء أيوب (30 عامًا)، الحامل بشهرها السابع، وتسند ظهرها بيديها.
تنتظر ميساء دورها في المراجعة، بين حوالي 30 سيدة حامل، وتقول: "عندما عرفت بحملي، أصابني الرعب. كيف سأصل إلى نهاية هذه الطريق بسلام، والواقع الصحي في قطاع غزة يتهاوى شيئًا فشيئًا؟".
ميساء حاملٌ بأول أطفالها، وقد تزوجت قبل الحرب بشهرين فقط، ومنذ الشهر الأول تتابع حملها في مستشفى "القدس" عندما كان مثل عائلتها في رفح، قبل اجتياح المدينة في السادس من مايو/أيار الماضي، وانتقاله إلى مواصي خان يونس بطاقمه وكوادره كلها.
تضيف: "رغم كل ما نمر به، يقدم طواقم المستشفى ما يستطيعون من مساعدة وخدمات. ويعطوننا الإرشادات والنصائح، وهذه أراها بطولة في وجه الموت الذي نحياه".
حكاية المستشفى الميدانية، بدأت عندما تعرض مستشفى "القدس" بمدينة تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة لهجوم مكثفٍ وحصارٍ قاسٍ استمر لعدة اسابيع، وانقطعت خلاله الإمدادات الطبية والغذائية لمنع العاملين عن تقديم الخدمات الضرورية لسكان المدينة، والمناطق القريبة.
أُجبرت الطواقم الطبية في لحظةٍ على النزوح جنوبًا، برفقة المرضى، وكل من كان يحتمي بالمستشفى، وقررت إدارة الجمعية في لحظتها أن الخدمات ستستمر عبر إنشاء مستشفى ميداني بديل أينما استقروا.
في مواصي مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث كان يتكدس نصف سكان القطاع تقريبًا، أُنشئت المستشفى، وقدمت خدماتها لأكثر من مليون إنسان وصلوا المدينة نازحين من مدن غزة والشمال، بعد إعلان الاحتلال الحرب في السابع في أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
ومع تفاقم التهديدات الإسرائيلية، باجتياح المدينة الجنوبية، التي تكدس فيها العدد الأكبر من النازحين، اتخذت المستشفى قرارًا استباقيًا بالانتقال إلى مواصي مدينة خانيونس، الأمر الذي كان له دور كبير في ضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية، لما يقارب 450 ألف شخص، تم تهجيرهم قسرًا من رفح إلى تلك المنطقة.
ويؤكد المدير الطبي للمستشفى، الدكتور نافذ القرم، أن الطواقم تستقبل يوميًا ما بين 500 و600 مريض، قائًلا: "يحتوي المشفى على عدة أقسام هامة، منها قسم الطوارئ، وقسم الجراحات البسيطة، وقسم العيون، الذي يستقبل حوالي 70 مريضًا يوميًا".
وفي المستشفى قسمٌ خاص للنساء والولادة، يعمل على فترتين، ويستقبل تبعًا للدكتور القرم بين 50 و70 حالةً في اليوم، بالإضافة إلى قسمين للمبيت، ومختبر، وصيدلية تصرف الأدوية بشكلٍ مجاني.
في قسم العيون، كان أمجد حسنين، النازح من شرقي مدينة غزة ينتظر دوره هو الآخر. وقال: "بصراحة، نحمد الله لأن المستشفى اتخذ قراره بالانتقال الفوري لمواصي خان يونس. لولا بُعد النظر لدى إدارته، والإجراءات الاستباقية، لكنا نعاني الآن هنا في هذه المنطقة معدومة الخدمات".
يحكي حسنين عن حساسية أصابت عينه بسبب الحر الذي يعيشه في الخيمة من حوالي أسبوع، وأضاف: "أصابها انتفاخ شديد، واحمرار، ولم أعد قادرًا على فتحها. قال لي الأطباء إن الحر هو السبب، وأيضًا يبدو أنها تعرضت للكثير من الأتربة والغبار. اليوم موعد مراجعتي، وكما ترون، وضعي جيد جدًا".
وبالرغم من انعدام بعض الأدوية، والمراهم، الخاصة بالحالات المرضية في قطاع غزة، بسبب إغلاق معبَري رفح وكرم أبو سالم، "إلا أن الأطباء لا يبخلون على المرضى حتى بالإرشادات المنزلية، التي تسهم بشكلٍ كبير في تخفيف أوجاعهم" يضيف حسنين.
ويجسد صمود مستشفى القدس، وإصرارها على الاستمرار في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، حالةً مختلفةً من الثبات والتجذر فوق الأرض الفلسطينية، ليثبت أن الطب في غزة ليس مجرد مهنة، وأن النقاط الطبية ليست مجرد منشآت، بل عناوين كبيرة لرسالةٍ عظيمة كلها تخدم الوطن.