أمد/
صدرت في القاهرة عن دار رنة للنشر والتوزيع 2024 رواية جديدة للروائي السوري عبد الباقي يوسف بعنوان (ظروف استثنائية).
وقعت الرواية الجديدة في 246 صفحة من الحجم المتوسّط، تتناول الرواية المفرزات الاستثنائية التي تتمخَّض عَن واقع استثنائي، واقع استثنائي بامتياز لم يكن يخطر في بالٍ أحدٍ مِن قبل، واقع أصبح كل شيءٍ فيه مُشتَّتاً ويبدو الناس فيه كما لو أنَّهم في حلم.
تبدأ الرواية من شخصية المهندس (بهاء) عندما يطلق ابن عمّه الرصاص في حفلة عرسٍ فيُصاب أحد الحاضرين برصاصةٍ عن طريق الخطأ ويقضي نحبه، فيتوارى بهاء عَن الأنظار ومن خلال صديقٍ له يعمل مسؤولاً في مكتبة الإعارة في المركز الثقافي، يختبئ في غرفةٍ داخلية للمركز يمضي أوقاته في قراءة الروايات على مدار سنة كاملة، مع بعض الخدمات التي يقدّمها للمركز من خلال إدارة الموقع الالكتروني للمركز، فيقرأ خلال هذه السنة مجموعة هائلة من الروايات: (مضت عليَّ سنة كاملة قرأتُ فيها أربعمائة وعشرين رواية بِنهَم، أحسستُ معها بأنّني عشتُ أربعمائة وعشرين سنة مِن المُتعة. كتبتُ في سجلٍّ اسم كل رواية قرأتها وتاريخ القراءة، وأسماء بعض شخصيّاتها التي لفتت انتباهي).
ويقول: (أرى الشخصيّات تتجسَّد على الصفحات، أقرأ نظراتها، حركاتها، تُحدّثني، أحدّثها، وعندما أنام تأتيني في الحلم.
أجل هي ذاتها تأتي وأتحاور معها وتجيب على أسئلتي، وليس هذا فحسب، بل أرى الروائيين أيضاً وأتحاور معهم. عندما قرأتُ أعمال يوكيو ميشيما، جاءني في الحلم، وتحدّثنا عن اللحظات التي قرَّر فيها الانتحار بتلك الطريقة المريعة (السيبوكو). وبعد قراءة (العمى) رأيتُ العجوز جوزيه ساراماغو، وسألته عن سبب عدم تسمية شخصيات الرواية، وعدم ذكر اسم المدينة التي أصيب أهلها بهذا الشكل الغريب من العمى. كنتُ أقرأ الرواية كما لو أنّني أتناول شوكولاتة رغم أنّها كانت طويلة نوعاً ما، ولكن قراءتها كانت لذيذة، بعكس الروايات التي تتطلَّب جهداً لفهما، بل حتى لقراءتها المُتعبة مثل سيد الخواتم ولكن في النهاية أشعر بأنها كانت تستحق كل ذاك الصبر على قراءتها).
ثم تأتي الشخصية الثانية في الرواية وهي صديقه القديم في أيّام الطفولة (نيار) حيث يلتقيه عَن طريق المُصادفة في السوق، وهُنا يشرح له نيار أيضاً الظروف الاستثنائية الغريبة التي حصلت معه، وعندها تخطر لبهاء لأوَّل مرة فكرة أن يكتب رواية عن تلك الأحداث الغرابية العجيبة التي حصلت مع نيار.
جاءت الرواية على شكل فصول وعناوين متفرّعة عن تلك الفصول على النحو التالي كما ورد في الفهرس:
الفصل الأول كثير الصمت.. كثير الشرود
الفصل الثاني مفارقات
الفصل الثالث بسمة شاحِبة
الفصل الرابع التحرّش
الفصل الخامس نفحات الزيارة
الفصل السادس ظمأ الشوق
الفصل السابع عودة إلى طقوس السجن
الفصل الثامن النوم بأقراصٍ مهدِّئة
الفصل التاسع القَسَم
الفصل العاشر مرحلة جديدة من الحياة
(مصطفى)
(مدير السجن)
(ميخا)
(بكري السوّاس)
الفصل الحادي عشر حافية على كومة ذهب
الفصل الثاني عشر شجرة السفر
(دانيال الآشوري)
(المخدّر نادر)
(نظرات الحب)
(شروع في كتابة المسودَّة)
(شروق)
(توفيق)
(الزفاف)
(المختار أثير)
(القاضي أرغد)
من الأسماء التي تلفت نظره من قائمة الأسماء التي تستعير الكُتب، اسم (ريناد) فينتبه إلى الجُمَل التي تضع تحتها خطوطاً رفيعةً بالقلم الرصاص وهي الجُمَل التي يضع هو ذاته أيضاً الخطوط تحتها في نسخة أُخرى من الرواية ويتكرّر ذلك، فتتشكّل صورة لهذه الفتاة في مخيّلته ويقوم برسم تلك الصورة، لكن هذه الصورة تتحوّل إلى ذات الفتاة وتُخاطبه ثم تختفي وتبقى الصورة. وبعد إجراء التصالح وخروجه من المكتبة يرى تلك الفتاة مُصادفةً لأوّل مرة وهي تعمل في المتحف، فيتبادلان النظرات، ويُخبرها بالذي حصل، فتقول هي أيضاً رأت ذلك لكنها ظنته حلماً فيؤكّد لها بأنّه لم يكن حلماً والصورة ما تزال موجودة لديه، وهنا يسيطر عليهما شعورٌ بأنّهما مازالا في الحلم ولم يستيقظا منه رغم أنهما يتزوجان وينجبان ابناً. رواية مشوّقة كل عبارة فيها أتت بشكل دقيق بحيث لا تجد جملة واحدة زائدة ولا جملة ناقصة، واستخدم الكاتب فيها المُرادفات اللغوية بشكل معبّر إلى جانب الدقّة في استخدام علامات الترقيم والفواصل والعناوين المتفرّعة.
(تشابكت نظراتُنا مرَّةً أُخرى بعمق، كم كانت لحظات لذيذة أنعشَت كل حاسة فيّ وبذات الوقت كانت تزلزلني مِن الأعماق. استردَّت ذاكرتي رويداً رويداً تلك اللحظات عندما دخلت إليَّ في غرفتي وطلبت أن تستعير كتاباً. قلت كما لو أنّني غبتُ مع نظراتي إليها إلى عالمٍ آخر: هل قرأتِ رواية تحت أنظارٍ غريبة؟.
قالت بنبرة خافِتة وقد ارتخت عيناها: نعم.. وأردفت تقول وهي ما تزال تنظر إليّ بعمق: الآن تذكَّرت.. أجل تذكَّرت جيداً.. إنّه أنتَ ذاك الذي رأيته تلك الليلة في الحلم. كنتُ قادمة إلى المركز كي أستعير تلك الرواية، ولكنّني لم أجد أحداً لأن الدوام كان قد انتهى. فقلتُ لعلّي أرى أحداً في المكتبة يمكن له أن يعيرني الرواية. طرقتُ الباب ودفعته برفق فانفتح. قلت: هل مِن أحدِ هُنا؟ رأيتُ باب غرفة داخلية كان موارباً، فخطوتُ إليها، رأيتُ شخصاً يجلس على كرسيٍّ وقد أرخى رأسه على الطاولة. فأيقظتك من غفوةٍ كنتَ فيها وطلبتُ منك الرواية، وعندما رفعتَ رأسك رأيتُ صفحة بيضاء رُسِمَت عليها صورتي. نهضتَ لتعطيني الرواية، وعندما جلبتها سألتني عن اسمي كي تكتبه.
قلت وما تزال عيناي في عينَيها: ريناد.. ريناد زاهي.
قالت بذهولٍ وهي تفتح عينَيها على سعتهما: كيف عرفت اسمي؟!
قلت: هل ذهبتِ بالفعل إلى هناك؟
قالَت: لا.. لأنّكَ عندما أعطيتني الكِتاب..
قلت: سقط الكِتاب من يدي على الأرض.
قالت: إذن لم نكن في حلم. ثم استدركَت وقالَت: لكنّني في تلك اللحظة وأنا أحاول أن التقط الكِتاب من الأرض، استفقت، ونظرتُ إلى الساعة.
قلت: كانت الواحدة ليلاً.
قالَت: بالضبط.
قلت: هل يخامركِ شعورٌ بأنّنا الآن في حلم؟
قالَت: نعم في هذه اللحظات يُخامرني هذا الشعور).