أمد/
كم تحتاج اللغة العربية الفصحى من وحي الحزن-يا أيلان-حتى تقول فيك ما عليها أن تقول..؟!
وكم ستستوعب الإنسانية من زمن..حتى تعرف-ياولدي-أن هذه الصورة لك..؟!
أنا-كاتب هذه السطور-المقيم في الشمال الإفريقي..
أنا الملتحف بمخمل الليل الجريح..
أنا المتورّط بوجودي في زمن ملتهب..
أعرف أنّ الوجعَ في سوريا ربانيّ،كما أعرف أيضا أنّ الفعل هناك رسوليّ،لكنّي لا أملك سوى الحبر،وما من حبر يرقى إلى منصة الدّم.وحتى حين يمور الدّم في جسدي باحثا عن مخرج،فإنّي لا أجد سوى الكتابة-الكتابة عن الشيء تعادل حضوره في الزمن،ووجوده واستمراره في الحياة-
ولأنّ الأمر كذلك فإنّي أصوغ هذه الكلمات علّها تصل إلى الصبي الغريق-أيلان-عبر شيفرات الحرية،أو لعلّها تصل إلى كل زنزانة محكمة الإغلاق،وإلى كل معتقل عالي الأسوار،وإلى كل منفى داخل الوطن أو وراء البحار.
وما عليك -أيّها الصبي الراحل عبر الغيوم-إلا أن تحييّ الكلمة العربية التي ذُبحَت وجنّت وجاعت..ولم تنتحر بعد.
هذه الجثة..غريبة عن أرضها..
فأدفونوها..
ودمشق غارقة في الدماء..
وحلب يرشح من عينيها..
صمت
وماء..
والصبي-أيلان-هاجع على جراحك
يا أمنا الدنيا
وهل فيك موضع..
يحتضن الفقراء..
ففي كل شبر على هذه الإرض
يشار إلى السوريين
غرباء..!
أيا دمشق -بحق مجدك-
استرجعيه ثانية..
علّ البحار..تضيق بجثة
اكفهرّ عليها
في البعيد الشتاء..
فإيلان..بين المدى
والمدى
ينهكه الإنحناء..
*أيلان،هو الطفل السوري آيلان كردي الذي انقطعت أنفاسه غرقاً ( 3 سبتمبر/ أيلول 2015) وذلك حين خرجت عائلته من مدينة عين العرب/ كوباني إلى تركيا حيث كانت الوجهة نحو أوروبا أملًا في حياة آمنة ومستقرة.والذي رجَّ الكرة الأرضية بجسده الملائكي الذي تلاعبت به الأمواج..
نام أيلان في الثالث من سبتمبر 2015 ،وافترش البحر المتوسط سريراً.وترك في قلب الكرة الأرضية فجيعة لا تجرؤ كلمة على الاقتراب من معناها، أبداً.