أمد/
يصادف الثلاثون من أيلول/سبتمبر الجاري، ذكرى رحيل القائد الوطني واﻷممي الكبير، السنديانة الحمراء، فؤاد نصار (أبو خالد)، الذي كانت مسيرة حياته ونضاله على مدار عقود طويلة تجسيداً حقيقياً لمعاناة وكفاح شعبه الفلسطيني ضد الاستعمار والصهيونية ومشاريع الهيمنة الإمبريالية، ومن أجل تحرره الوطني والاجتماعي. وكذلك شعلة ثورية ونموذجاَ للمفكر والمناضل الشيوعي الفذ والنبيل، والنقابي المدافع عن قضايا وهموم وأحلام الفقراء والمسحوقين والطبقة العاملة.
ولد الرفيق الراحل فؤاد نصار في بلدة بلودان السورية لأبوين فلسطينيين من مدينة الناصرة، كانا يعملان في قطاع التعليم، إلا أنهما عادا إلى الناصرة في العام 1920، وتعلم فؤاد في المدرسة الابتدائية مدة أربعة أعوام قبل أن يضطر لترك مقاعد الدراسة نتيجة الظروف والأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية لأسرته، وتوجه للعمل في صناعة الأحذية مما عمق وعيه وحسه الطبقي.
ومنذ العام 1929 انخرط الرفيق (أبو خالد) في العمل السياسي والكفاح اليومي ضد الاستعمار البريطاني، وهكذا انخرط مبكراَ في معمعان النضال الوطني والطبقي في فلسطين، واستمر وعاش أبرز المحطات التاريخية لمسيرة الكفاح الوطني والاجتماعي للشعبين الفلسطيني والأردني على مدار خمسين عاماَ، من ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات وستينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، تنقل فيها بين العديد من ساحات العمل والمقاومة داخل وخارج الوطن، وتولى خلالها مسؤوليات حزبية ووطنية ونقابية متعددة، من ضمنها ـ على سبيل المثال وليس الحصر ـ قائداَ عسكرياَ في الثورة الفلسطينية، أميناً عاماَ لعصبة التحرر الوطني التي أنشأها الشيوعيون الفلسطينيون خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وأميناً عاماً للحزب الشيوعي الأردني عام 1951، ولاحقاَ أنتخب عضواَ في المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في بداية سبعينيات القرن الماضي.
مارس الرفيق الراحل (أبو خالد) مختلف أشكال وأساليب النضال، بما في ذلك الكفاح المسلح والسياسي والجماهيري والثقافي والصحفي.. إلخ، بشجاعة نادرة وقدرة على اتخاذ القرار في أصعب وأعقد القضايا والمحطات، وهو الأمر الذي جعله خلال تلك العقود من نضالاته، مطارداَ ومطلوباَ لسلطات الاستعمار البريطاني وللعديد من النظم السياسية العربية في حينه، مما أضطره للاختفاء القسري مرات عديدة ولفترات طويلة، واعتقاله وسجنه ومحاكمته عسكرياَ لعدة أعوام.
كان الرفيق فؤاد نصار الذي اتسم دوماَ بالزهد والبساطة والتواضع والتضحية، زعيماَ سياسياَ وقائداَ عمالياَ وإنساناَ ثورياَ، لم يفقد يوماَ حسه الوطني ولا الطبقي أبدًا، بل زاد هذا الحس توهجاً من خلال إيمانه الراسخ واسترشاده ببوصلة المنهج الماركسي الجدلي، ولم يستمد قواه إلا من إرادته الكفاحية الصلبة ومن ذلك المنهج الفكري، ورأى المستقبل في سواعد العمال والفلاحين والقوى الشعبية وبكفاح الشعوب المنظم والواعي في سبيل التحرر الوطني والحرية والانعتاق السياسي والاجتماعي، وليس في رؤى وسواعد سماسرة وعملاء الاستعمار والنظم الرجعية في المنطقة العربية، مؤكداَ أن “لا عبرة في طول الطريق وصعوبة السير عليه لأن الشعوب لا تسير إلى حريتها على طريق مفروش بالورود والرياحين ولكنها تنال حريتها لتتمتع بالورود والرياحين”.
أدرك فؤاد نصار أهمية الثقافة والإبداع في حياة الشغيلة والجماهير الشعبية الواسعة، وتصدى بحزم للأفكار البرجوازية وللأدب الرخيص. وساهم مساهمة كبيرة في توجيه الفكر السياسي والثقافة الفلسطينية، في اتجاه ترسيخ الإرتباط بالجذور القومية والطبقية، وتطوير ثقافة إنسانية تقدمية ثورية تعبر عن هموم الجماهير وتدعو إلى مقاومة الإستعمار والصهيونية وكل أشكال الاحتلال والهيمنة الإمبريالية ومواجهة وتحدي الاستغلال والظلم والقهر والاضطهاد الطبقي والدفاع عن حرية وكرامة الإنسان الفلسطيني.
وكان الرفيق الراحل (أبو خالد) داعية للوحدة الوطنية، ورأى فيها مطلباَ سياسياَ وطنياَ، وضرورة موضوعية تحتمها الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية للشعبين الفلسطيني والأردني.
ويؤكد فؤاد نصار، كونه مناضلاَ أممياَ، بأن كفاح الشعب العربي الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الكفاح العالمي ضد القوى الامبريالية والرجعية، ولا يمكن تحقيق الأهداف الوطنية لشعبنا إلا بتعميق التحالف وترسيخ الصداقة، مع قوى التحرر والتقدم والسلم والحرية والدمقراطية.
وبعد هذه المسيرة الطويلة التي يصعب علينا هنا الدخول في العديد من تفاصيلها الهامة، رحل عن عالمنا في الثلاثين من أيلول/سبتمبر عام 1976 القائد والمناضل الكبير فؤاد نصار، أحد أبرز رواد الحركة الثورية العربية، ومؤسسي الحركة الوطنية والشيوعية في فلسطين والأردن، والأمين العام الأول للحزب الشيوعي الأردني.
وبرحيله فقدت الحركة الوطنية الأردنية والفلسطينية والحركة الشيوعية في العالم العربي، علماً بارزاً من أعلام النضال والفكر السياسي والاجتماعي التقدمي، ورائداً شجاعاً لمسيرة هذه الحركة.
إن ذكرى فؤاد نصار، ستبقى خالدة في قلوب الشيوعيين والوطنيين والأحرار المناضلين من أجل التحرر والحرية والكرامة والعدالة، وفي ذاكرة الشعبين الشقيقين الفلسطيني والأردني.
المجد لذكراك أيها الرفيق الغالي (أبو خالد)، والبقاء لرسالتك والوفاء لتراثك الثوري الإنساني، والعمر المديد لرفيقة دربك المناضلة ليلى نصار، ولأبنائك وعائلاتهم، ولسائر رفاقك ورفيقاتك ومحبيك ومقدري أفضالك.