أمد/
بيروت: بعد أكثر من أربعة عقود على قيامه بمهمة أولى في لبنان عالج خلالها جرحى حرب، يشعر الطبيب النروجي مادس غيلبيرت الذي يعمل في مستشفى في جنوب البلاد على وقع القصف الإسرائيلي المدمّر، أن “شيئا لم يتغير”.
ويقول في اتصال عبر الفيديو مع وكالة فرانس برس من مدينة النبطية “إنها تجربة مروّعة”. يضيف “مرّ 42 عاما ولم يتغيّر شيء” وذلك في إشارة إلى تقديمه الرعاية الطبية لمصابين أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في 1982.
تحت نافذة الغرفة حيث يعمل، كان مسعفون على أهبة الاستعداد قرب سيارات الإسعاف المركونة أمام المستشفى الواقع في جنوب لبنان، حيث تشنّ إسرائيل غارات جوية مكثفة تقول إنها تطال أهدافا لحزب الله.
ويشير طبيب التخدير وأخصائي طب الطوارئ إلى أنه تعامل مع عدد قليل من الإصابات مذ وصل الى هذا المستشفى الثلاثاء، إذ إن “معظم الحالات تسجّل الى الجنوب (من النبطية)، ولم يكن إجلاؤهم ممكنا بسبب شراسة القصف”.
وفتح حزب الله اللبناني في تشرين الأول/أكتوبر 2023 جبهة “إسناد” لحماس وقطاع غزة غداة اندلاع الحرب بين الحركة الفلسطينية إسرائيل.
ونقلت إسرائيل مركز ثقل عملياتها العسكرية في منتصف أيلول/سبتمبر من غزة إلى الجبهة الشمالية، وكثّفت غاراتها على لبنان اعتبارا من 23 أيلول/سبتمبر، وبدأت قواتها عمليات برية “محدودة” عند الحدود ضد حزب الله.
وطلب الجيش الإسرائيلي الخميس سكان النبطية و24 بلدة جنوبية أخرى إخلاء مناطق سكناهم وعدم العودة إليها.
وبحسب الأرقام الرسمية اللبنانية، قُتل أكثر من ألفي شخص في لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بينهم أكثر من ألف منذ بدء القصف الجوي المكثف في 23 أيلول/سبتمبر.
وقدّرت الحكومة اللبنانية الأربعاء عدد النازحين هربا من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان بحوالى 1,2 مليون يفترش عدد كبير منهم الشوارع في مناطق عدّة من بيروت.
وأفاد الإعلام الرسمي في لبنان بمقتل عائلات بأكملها في غارات إسرائيلية. وتحدثت فرانس برس مع شخصيَن فقد الأول 17 من أقاربه والثاني عشرة.
– “غزة” ثانية –
ويقول غيلبيرت الذي تطوّع مرارا للعمل في الأراضي الفلسطينية خلال نزاعات سابقة، إن الجيش الإسرائيلي “قادر على أن يفعل ما يشاء بنظام الرعاية الصحية وسيارات الإسعاف والكنائس والمساجد والجامعات، كما يفعل في غزة”.
ويضيف “نرى الآن الأمر نفسه يتكرر في لبنان في 2024”.
وأعلنت أربعة مستشفيات على الأقل في لبنان الجمعة تعليق خدماتها على وقع غارات إسرائيلية كثيفة في محيطها.
والسبت، أعلن مستشفى صلاح غندور في مدينة بنت جبيل القريبة من الحدود إنه تعرّض لـ”قصف إسرائيلي مباشر” أدّى إلى إصابة تسعة أفراد من الطاقم الطبي والتمريضي، جروح معظمهم بليغة.
وكان وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أعلن الخميس مقتل 97 عنصرا على الأقل من فرق الإنقاذ من مسعفين ورجال إطفاء، قضى 40 منهم خلال ثلاثة أيام هذا الأسبوع.
وحذّر عمران رضا نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان ومنسق الشؤون الإنسانية السبت على منصة “إكس” من “زيادة مقلقة في الهجمات على فرق الرعاية الصحية في لبنان”.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي السبت أن التقارير عن ضربات إسرائيلية أصابت “منشآت صحية وطواقم استشفائية” في لبنان “تثير قلقا بالغا”.
وتتهم إسرائيل حزب الله باستخدام “سيارات الإسعاف العائدة للهيئة الصحية الإسلامية (التابعة له) لأغراض إرهابية”.
– إصابة أكثر من 690 طفلا –
في بيروت، يؤكد الطبيب الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة وجود العديد من أوجه الشبه بين القصف الإسرائيلي في لبنان والحرب في غزة.
ومذ أمضى أسابيع في القطاع الفلسطيني المحاصر لعلاج الجرحى في بداية الحرب التي اندلعت قبل عام، يناضل أبو ستة من أجل تحقيق “العدالة”.
وانتقل مؤخرا إلى لبنان حيث شاهد في الأسابيع الأخيرة “أطفالا وعائلات استُهدفت منازلهم” وأُصيبوا جراء الضربات الإسرائيلية.
ويقول طبيب الجراحة التجميلية والترميمية من أمام المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت “كان هناك أطفال مصابون بجروح في الوجه والجذع أو أطرافهم مبتورة”.
ويقدّر أبو ستة بأن أكثر من ربع المصابين الذين عاينهم في بيروت ومناطق لبنانية أخرى كانوا أطفالا.
ويضيف “من بين المرضى الذين أعالجهم فتاة تبلغ 13 عاما تعرضت لإصابة في الوجه نتيجة انفجار وتحتاج إلى إعادة بناء فكّها وستحتاج إلى عمليات جراحية عدة”.
ويلفت إلى أن “الأطفال الذين يُصابون في الحرب يحتاجون إلى ما بين 8 و12 عملية جراحية حتى بلوغهم سن الرشد”.
وفي الأسابيع الأخيرة، أُصيب أكثر من 690 طفلا في لبنان، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التي أشارت إلى أن معظمهم يعانون من “الارتجاج الدماغي وإصابات الدماغ الناجمة عن تأثير الانفجارات وجروح الشظايا وإصابات الأطراف (…) وفقدان السمع”.
ويتابع أبو ستة “يذكرنا ذلك بما كان يحدث في غزة”، مضيفا “المفجع في الأمر هو أن كل هذا كان يمكن أن يتوقف لو أنهم أوقفوا الحرب في غزة”.