أمد/
كتب حسن عصفور/ ستون عاما منذ أن قررت مجموعة فدائية كسر الروتين السياسي المحيط بالقضية الفلسطينية، باختيارهم “مغامرة” الرصاصة الأولى في الفاتح من يناير 1965 ضد العدو الاحلالي، لتبدأ رحلة العمر الحديث للوطنية الفلسطينية، بعدما فرضت الرصاصة حضورها على المشهد العام، ممثلا شرعيا وحيدا، في صعود تاريخي بزمن قياسي.
خلال سنوات الاختراق الثوري الكبير، انتقل التمثيل الوطني الفلسطيني من واقع “التعبية”، إلى فاعل في رسم بناء هوية الشعب الموحدة، الخطوة الأبرز لكسر مؤامرة “التيه السياسي”، التي خططوا لها منذ اغتصاب الوطن التاريخي فلسطين مايو 1948.
رصاصة فتح والثورة المعاصرة، رسمت طريق المشروع الوطني ضمن محطات واجهت حجما مركبا للتآمر السياسي، توقع الكثيرون أن يعيدوها “شتاتا” إلى ما قبل الفاتح من يناير 1965، ومنع فقدان “مرابح الاغتصاب المتعدد”.
مسار ثوري طويل، كسر كل “المحطات الاغتيالية” التي واجهته، لم يهزمها فحسب، بل رسم ملامح الكيانية الأولى عبر أشكال متعددة، من عضوية منظمة التحرير في الأمم المتحدة 1974، فإعلان الاستقلال تكريسا للهدف الوطني عام 1988 بالجزائر، والذي قاد إلى قيام أول كيان فلسطيني فوق أرض فلسطين مايو 1994، في مصادفة تاريخية أن يكون في شهر النكبة الأولى، بعد توقيع “إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) سبتمبر 1993، لتبدأ رحلة تتويج المسار من الرصاصة الأولى إلى بناء الكيانية الأولى.
نجاح الاختراق الكبير في تأسيس السلطة الأولى فوق أرض فلسطين، قابله تشكيل أوسع تحالف تآمري منذ عام 1965، تحالف شر سياسي، حمل كل المسميات وبمشاركة أطراف تبدو متناقضة – متصارعة، لكنها جميعا توافقت على العمل بكل سبل لا شرعية كي لا يستمر الشرعي الفلسطيني، الذي انتقل من ثورة معاصرة إلى مرحلة بناء الكيان المعاصر.
وتمكن المؤسس الأول الخالد ياسر عرفات أن يضع حجر أساس التطور الكياني، وسط الحروب المتشابكة، نحو بناء الهيكل العام لنواة دولة فلسطين، بميزان سياسي هو الأكثر تعقيدا ولكنه الأكثر دقة، خاصة بعد صعود التيار الفاشي اليهودي بقيادة نتنياهو عام 1996 لحكومة الكيان، كجرس إنذار لصدام جديد في رحلة الاختراق، والذي لم يتأخر فكانت هبة النفق 1996 ردا ثوريا أكدت لفريق الشر السياسي أن “رصاصة الثورة لم تخطف”.
وكان سبتمبر 2000 نقطة تحول مفصلية في مسار “التكوين الكياني الأول”، عندما قام تحالف رئيس حكومة الكيان الاحتلالي باراك مع الإرهابي شارون بفتح معركة عسكرية شاملة بدأت من داخل الحرم القدسي 28 سبتمبر 2000 وانتهت باغتيال الخالد المؤسس 11 نوفمبر 2004، لتبدأ رحلة الارتداد السياسي الكبير، مع انتخابات يناير 2006 فمؤامرة الانقلاب الأسود يونيو 2007، وصولا إلى النكبة الثالثة الكبرى يوم 7 أكتوبر 2023.
لم يكن غموضا ابدا، أن يناير 2006، بكل ملابساته، كان القاطرة المركزية لتنفيذ مؤامرة كسر الاختراق الأول فوق أرض فلسطين، قاطرة وقودها محلي وقائدها غير محلي، رآها السلاح الأوحد الذي له أن ينهي “حلم ولادة الكيان الوطني”، رغم ما كان مكسبا “تاريخيا” في الأمم المتحدة عام 2012 بقبول فلسطين دولة عضوا مراقبا تم منحه مكاسب مضافه عام 2024، لكنه بات محاصرا أمام حالة من الارتعاش الفريد.
ربما اعتقد “البعض” الفلسطيني، إن مؤامرة يناير 2006 وتكملتها الانقلاب الأسود يونيو 2007، مفاصل انحرافية لا أكثر، لن تتمكن من كسر العامود الفقري للمشروع الوطني، ما وضعهم في موقف اللامبالاة أو السماح له لينمو، فكانت ممرا أوصلها لمحطة 7 أكتوبر 2023، لتفتح باب الردة السياسية الكبير، عن المسار الذي رسمته رصاصة الثورة الأولى.
مؤامرة تدمير الكيانية الأولى تتسارع نحو انتاج تيه “مستحدث” وتبعية “توافقية”، كسرتها رصاصة الثورة الأولى قبل ستين عاما..المشروع الوطني الفلسطيني دخل نفق المجهول السياسي، إنقاذه يحتاج أدوات مستحدثة بمواجهة مستحدثة.
ملاحظة: عام يضاف لمسار الإنسانية الذي لا ينتظر..عام يأتي بعد عام هو الأكثر سوادا وطنيا على فلسطين منذ وجودها الجغرافي..سرق شروقها الذي بدأ يوما في الفاتح من يناير..لكن “الأمل الوطني” لن يختف..شعب فلسطين لك المجد والتمجيد..
تنويه خاص: لمن رحل في عام رحل سلاما…لمن استمر في عام يستمر عاما سلاما..لروح من نفتقدهم دوما سلاما..ولمن سود بياض السلام لعنة بلا سلاما..
لقراءة مقالات الكاتب تابعوا الموقع الخاص