أمد/
شارك
ما أعطر ذكرى الراحل القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وما أعظم الخير، والحكمة والشجاعة والمعاني الإنسانية الملهمة، التي خلفها وزرعها، ونستمد منها العزيمة لمتابعة مسيرته، والسير على هداها في بناء المستقبل.
* في يوم زايد «للعمل الإنساني» والذي يتزامن مع ذكرى رحيله إلى دار البقاء في 19 رمضان، قبل 21 عاماً، نؤكد التزامنا إرث زايد في العطاء والخير العام، وفي امتلاك الحس الإنساني تجاه البشر، بغض النظر عن اللون أو الدين أو العرق.
وتستحضر الذاكرة موقفاً إنسانياً يقع في صلب «القانون الدولي الإنساني» للمغفور له الشيخ زايد، في منتصف التسعينات، في مرحلة حرب الصرب على مسلمي البوسنة، حينما بادرت الإمارات، بتوجيه من الشيخ زايد، بتقديم معونات دوائية وطبية إلى مسلمي البوسنة من خلال الصليب الأحمر الدولي، وجاء أحد المستشارين إلى الشيخ زايد أثناء زيارته إلى جنيف، مبدياً خشيته من أن تقع بعض المواد الطبية في يد الصرب أعداء البوسنة، وجاءت إجابة الشيخ زايد رحمة الله عليه، بسيطة ومباشرة، وتقع في صميم وجوهر قواعد القانون الدولي الإنساني، والمعني بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وتهدف قواعده إلى حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح، خاصة المدنيين، أو الذين توقفوا عن المشاركة في الحرب، مثل الجرحى والمرضى وأسرى الحرب.
* قال الشيخ زايد: «لا وجه للخوف أو الحرج، فالتعاون مع الصليب الأحمر، كالتعاون مع الهلال الأحمر، كلهم أهل خير، ونحن نقدم الخير إلى الجميع، وعندما تكون هناك حاجة للدواء، فلا فرق عندي، بين المعتدي أو المعتدى عليه، كلهم أرواح بشرية، وفي حاجة لإغاثة».
* لم يقرأ الشيخ زايد هذه القاعدة الإنسانية في نص «القانون الدولي الإنساني»، والذي توافقت عليه دول العالم في سبعينات القرن الماضي، وإنما جاء قوله وموقفه من فطرة إنسانية مكتنزة بتراث وموروث إنساني، وحضارة عربية إسلامية، وإيمان بمبادئ حق الإنسان في الحياة، وفي الكرامة، دون تمييز.
* ولعله استذكر، في تلك اللحظات، أوامر القتال التي كانت تصدر من عظماء هذه الحضارة، «لا تقتلوا شيخاً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا ولا تخونوا، وأصلحوا وأحسنوا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً، ولا تقتلوا جريحاً»…الخ.
حمل المغفور له على كتفيه كل أشواق أبناء الوطن للاتحاد والمنعة والنهوض، والخلاص من معاناة وعزلة، وتمزق وتخلف، على مدى أكثر من قرن ونصف القرن، وبلور مشروعاً وطنياً، له كينونته القانونية، وهويته العربية، ومستقبله الواعد، . وسخَّر ثروات الوطن لحلم تشييد الدولة المتحدة، والعصرية والأصيلة في آن، وقاد سفينة الاتحاد، وسط أعاصير هائلة في الإقليم، وحقق نجاحات ساطعة. وقدَّم الإمارات إلى العالم بشكل مؤثر ومقنع، ومفيد لأهلها، ونافع لسلام العالم وتعاون الشعوب.
كان، رحمه الله، صادقاً في القول والفعل، ويُسمّي الأشياء بأسمائها، وبخطاب مباشر للناس بحكمة فطرية، وبشجاعة الحكيم، وبكل معاني الخير العام.
* كان صوته (ودوره) محترماً وعقلانياً ومؤثراً، كلما اشتبك ذوو القربى، أو نزف دم من خاصرة وطن عربي، أو في حاجة إنسانية.
أحبه قومه وأمته، وقدَّره العالم حق قدره، ولم يعرف الاستقطاب أو التبعية، ونال رضا شعبه، وأدار العلاقات في الإقليم بحكمة وبصدقية، وبدعوة مبكرة، سبقت الجميع، للتعاون المشترك.
عامله الناس في الداخل والخارج ككبيرهم ووالدهم، ولم تفسده سلطة ولا ثروة، ولم ينقلب على نفسه، ولا على تراثه في البساطة والتواضع، وشكّل عصارة حقيقية للحكمة الإنسانية الخالصة، في التسامح والحوار والوفاق والعمل الإنساني، وجسّد مدرسة في السياسة والحكم، وبمرجعية أخلاقية مؤسسة على معايير الخير العام، كما أسس دبلوماسية نشطة، عززت التعاون والصداقة، وجسدت أنبل معاني الشجاعة والنخوة.
يراودنا دوماً إحساس عميق بأن روحه مبثوثة في نفوس أبناء الوطن، وفي كثبان الأمكنة، ومقاعد الدراسة. أجيال عرفته عن قرب، وأخرى ولدت بعد رحيله، توغلت فيهم محبته، وتزيد من حمولتهم للمسؤولية الوطنية.
ما أعظم الخير الذي خلَّفه زايد، رحم الله من طال ذكره، وحسن عمله، وبقي خيره….
وحفظ الله الوطن وقيادته، وكل من حمل رسالته.