2023-12-18 10:50:02
أمد/ علينا التعامل الآن مع تداعيات طوفان الأقصى، وقد دفعنا ثمنا باهضا حيث دخلنا غابة وحوش ليس لهم من قيم القتال وأخلاق الجيوش شيئا.. أكثر من سبعين يوما وآلة البطش والجريمة تعمل في شعبنا الأعزل قتلا حيث بلغ الشهداء الأطفال ما يزيد عن 7 ألاف طفل من مجموع شهداء مدنيين عزّل يقارب 20 ألفا، وتدميرا لكل أسباب الحياة فليس فقط القنابل الضخمة والصواريخ المجنحة برا وبحرا وجوا بل قطع المياه والغذاء والكهرباء وبطريقة غير مسبوقة منافية لكل الأعراف والقوانين الدولية حيث تعمد الجيش الإسرائيلي تدمير المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس ومقرات وكالة الغوث للاجئين ومقرات الحماية المدنية..
من المهم جدا أن يكون هذا الثمن الباهض الذي دفعه شعبنا مقابل قيمة كبيرة على طريق التحرر الوطني لفلسطين بعد أن أدرك العدو الصهيوني ومن خلفه الإدارات الاستعمارية ان شعب فلسطين متمسك بوطنه وغير قابل لاي تنازل او استبدال.. ولكن وبدون أي تسرع أعتقد أن هذه الملحمة ليست هي النهائية بيننا والكيان الصهيوني وعليه فلن نطلب منها اهداف كبيرة مؤمنين ان الأهداف الكبيرة تكون مجموع الأهداف الجزئية بمعنى أخر سننتصر بتراكم الانتصارات وهنا لابد من استحضار عناصر مهمة تشكل أرضية تفكير لتحديد الأهداف الممكنة بعد هذه الجولة القاسية والصعبة:
1- الانهيار المعنوي الرهيب الذي اجتاح الوجدان الصهيوني والتجمع الصهيوني بل والجيش والمؤسسات الأمنية حيث مثلت ضربة 7 اكتوبر سابقة خطيرة لم تدر بالخلد ابدا وهي كانت تحد كبير للمؤسسة الامنية والتدابير العسكرية وسمعة الجيش واستمر هذا التأثير على مدار سبعين يوما من الاشتباك الذي يسجل فيه الفلسطينيون تفوقا مذهلا في جبهات القتال ولم يسجل الجيش الاسرائيلي اي مكسب استراتيجي طيلة السبعين يوما الا اذا اعتبر قتله للمدنيين وتدميره للمستشفيات انجازا
2- أفقد الجيش الصهيوني اليهود أكبر أسلحتهم في القرن العشرين وهي صورة الضحية فلقد أصبحت الضحية الان هي الشعب الفلسطين واصبحت غزة هي الهولوكست لدرجة ان المظاهرات التي اجتاحت العالم لم تستثن شوارع فرانكفورت وبرلين وهذا ما جعل كسينجر قبل موته يعرب عن أسفه وحزنه ان تتحول شوارع ألمانيا بالذات الى مظاهرات ضد اليهود-حسب رأيه-.. وبخسارة صفة الضحية للصهاينة أصبحت مواقفهم تقرأ بحيادية من قبل العالم الغربي لاسيما أمريكا التي انتفضت قطاعات واسعة من شبابها مطالبة بتحرير فلسطين وإيقاف الجريمة الصهيونية وإدانة حكومة بايدن الذي يعيش أسوا مراحل حكمه في تدني كبير لشعبيته.. والأمر نفسه نجده في أوربا حيث انتفضت كثير من عواصم اوربا لتأييد الحق الفلسطيني وإدانة الجرائم الصهيونية.
3- فشل إدارة الحرب والأزمة من قبل حكومة صهيونية متناقضة مضطربة في ظل وضع سياسي اجتماعي متناثر بعد أزمات كادت تعصف بالتكوين الصهيوني بعد أزمة القضاء التي شكلها تصرف اليمني المتطرف الصهيوني، كان واضحا منذ اللحظات الأولى اضطراب الحكومة في تعاطيها مع الحدث الكبير فذهب كل طرف فيها الى المزايدة على الآخرين ومنذ اللحظة الأولى ظهر عدم الانسجام بين اركان حكومة الحرب الإسرائيلية وكان لهذا أثره السيئ على معنويات الجيش المنهارة وعلى سمعته وسمعة الكيان الصهيوني، ظنت الحكومة بأركانها أن الدعم الرسمي الأمريكي والأوربي الذي تسارع في البداية انه كاف لسحق الخصم وإخراجه من مسرح الحياة لذلك جاءت التصريحات الصهيونية والأمريكية بالغة التطرف الأمر الذي ورط قادة إسرائيل في مواقف يستحيل تحقيقها وها هي بكل قوتها تندفع في حرب تزيد عن 70 يوما لم تحقق فيها اي من الأهداف المعلنة على لسانها.. بل أنها تعرت تماما فلم تعد واحة أمان وديمقراطية ولم تعد قادرة على التحرك في الإقليم لإنشاء تحالفات جديدة ولم تعد قادرة ان تجذب الاستثمار الدولي في صناعة المعلومات والرقمنة كما كانت تطمح ومع هذا كله لحقت بها خسائر اقتصادية فادحة ظهرت مباشرة في البورصة وأسعار العملة.. كما برزت في رحيل مئات آلاف اليهود إلى أوربا وأمريكا وبشكل مكثف نحو البرتغال.
4- الوضع الرسمي العربي المهرول نحو التطبيع مع إسرائيل وجد نفسه في ورطة انه لا يمكن المراهنة على إسرائيل في صناعة محاور إقليمية أمنية ضد إيران وانه في ظل تنامي السخط الشعبي لجأت كثير من هذه الدول إلى تعديلات شكلية في موقفها حيث أصبحت تندد بالعدوان الصهيوني وتطالب بوقف فوري لوقف إطلاق النار وتشدد على ضرورة نيل الفلسطينيين حقهم في دولة ذات سيادة.. وهكذا رغم ان هذا ليس موقفا أصيلا- فالسياسة لا مواقف اصيلة فيها- إلا انه يعبر عن قوة طوفان الأقصى وتداعياته.
5- عدد الأسرى من الجيش الصهيوني لم يحصل من قبل في أي مواجهة بين العرب والصهاينة وهذا معطى في غاية الأهمية وهو سوف يفرض نفسه في اي صيغة لوقف إطلاق النار كما ان حدث 7 أكتوبر سيظل ماثلا بإمكانية واحتمالية تكراره وربما بصور أكثر ضراوة وهذا المعنى سيظل قادرا ان يمنح المفاوض الفلسطيني عنصر قوة كبير.. ومن هنا حاولت الحكومة الأمريكية وحكومة الحرب الصهيونية ان تؤكد انه لا إنهاء للحرب إلا بعد القضاء على احتمال تكرار الخطر.. وهنا تكشف الملاحظة السريعة والتأمل لتصريحات الأمريكان والصهاينة ان هذا التصور غير منطقي وغير واقعي فمهما كانت الضربات عنيفة لحماس فهي لن تتنازل عن مكتسباتها ولعله من الواضح ان حماس لا تعير اهتماما فاعلا لحجم التضحيات في الشعب الفلسطيني ولن تكون هذه التضحيات سببا في تعديل او تحجيم موقف حماس، ولعله من الواضح الان للجميع ان حماس لا تطرح الموضوع بهذا النسق انما هي ترى نفسها وجها لو جه مع جيش معادي وكيان محتل وهذا مع قسوته الا انه يمنح حماس قوة على طاولة المفاوضات بعكس ما تعانيه الحكومة الصهيونية التي تمثل أصوات أهل الضحايا أو الأسرى وسكان الغلاف ضاغطا قويا عليها قد يلزمها لتنازلات قبل حلول أجلها.
هذه عناصر أساسية لبناء قاعدة لاتخاذ رؤية لجملة الأهداف المتوخاة بعد هذه الملحمة الكبيرة القاسية والبطولية والمأساوية في آن.. كما أنها قاعدة أساسية لبناء موقف من جملة الأسئلة المطروحة في الساحة الفلسطينية ومن هنا تبدو لنا الإجابات أكثر وضوحا:
1- فتح البيكار الوطني على أقصى مداه لاستيعاب الجهد الفلسطيني والعقل الفلسطيني والطاقات الفلسطينية المتنوعة بحيث يتم ترتيب الكل الوطني في سياق التحرير وبناء المؤسسات الفلسطينية على أسس الإخوة والتكامل الوطني.. فلقد كان واضحا ان المعركة إنما هي معركة الشعب الفلسطيني كله والذي سقطت على رؤوسه القنابل دون تمييز تنظيمي وفصائلي كما كان لكل فصيل فلسطيني حسب طاقته مشاركة محمودة في الدفاع عن الشعب.. لقد كانت هذه الملحمة ملحمة الشعب الفلسطيني مثقفيه وسياسييه وأدبائه وإعلامييه وكل مكوناته جنبا الى جنب المقاتل الفلسطيني ومن هنا فمن غير الحميد ان تنفض هذه الملحمة ويتبعثر الكل الفلسطيني لمصلحة الحزب والفصيل مهما كانت قيمة أداء الحزب والفصيل.. وهذا يدعونا الى اعادة تقييم تجربة الحكم في غزة والضفة والإقلاع تماما عن مناهج ادارية كانت ضاغطة على شعبنا الذي يستحق كل تكريم واحترام.
2- تحرير الأسرى الفلسطينيين هدف مهم ليس فقط سياسيا بل أخلاقيا وهو تعبير مهم عن التلاحم والاهتمام بأسرى من أجل حرية الشعب وفي هذا الإطار يظل الحديث عن الأسرى مفتوحا حتى تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية لأنه لا يمكن تخيل أن هذه الجولة من الصراع ستكون الأخيرة.. المهم في هذه اللحظات ان يتم تحرير الأسرى جملة لاسيما ذوي المحكوميات العليا.
3- ملف القدس والأقصى يجب ان يكون حاضرا وبقوة.. وباستعادة الذاكرة فان عنوان ما حصل هو طوفان الأقصى وقد كان ذلك بعد الانتهاكات التي وصلت الى حد التقاسم الزماني والمكاني وحرمان المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى أكثر من 100 يوم في العام الأخير.. وهنا يجب التأكيد على ان ينتهي وللأبد تفكير قادة إسرائيل بانتهاك قدسية الأقصى، كما ان موضوع الاعتداء على سكان القدس بالطرد والتشريد وهدم البيوت يجب ان يكون حاضرا وبوضوح في اي تفاوض غير مباشر..
4- المذبحة المفتوحة في الضفة الغربية يجب ان يوضع لها حد بعدم اقتحام المخيمات والبلدات والمدن، وان يكون هناك موقف واضح من تغول الاستيطان على أهلنا في الضفة لاسيما والموقف الأمريكي والأوربي داعم لنا قوي في هذا المطلب.
5- فتح المعابر تماما بما فيها ممر آمن بين الضفة وقطاع غزة والعمل بسرعة لإعادة فتح مطار غزة وميناء غزة والتحرر من الحصار العربي والإسرائيلي سواء..
6- تحرير الاقتصاد الفلسطيني من اتفاقية باريس والسعي لاسترداد التحكم بكل ماله علاقة بالاقتصاد الفلسطيني لاسيما بفتح معابر خاصة بالفلسطينيين من مطار وميناء وممر امن بين الضفة وغزة.
7- لا اعتقد ان هذه المواجهة تحتمل حلا نهائيا للقضية الفلسطينية ولكن من المؤكد انها أرسلت رسائل واضحة لضرورة العمل من اجل حلول ولو جزئية وعلى المدى القصير وهنا يجب ان ننتبه ا ن اي اخلال بعناصر القضية الفلسطينية يعني السقوط في منتصف الطريق وعناوين ذلك عودة اللاجئين وعدم الاعتراف بإسرائيل دولة عنصرية صهيونية لان هذا يعني تماما أننا نقتل القضية الفلسطينية، وهنا لابد من إبداع طرح سياسي ناضج للقضية الفلسطينية غير تقليدي يحافظ على فلسطين التاريخية دولة ديمقراطية ضمن مبادئ الإنسانية وقيمها بعيدا عن أي عنصرية للون او دين أو قوم.. ولكن مثل هذا الطرح يحتاج الى مراحل عديدة من النضال وأدوات متطورة وليس من المنظور ان يتحقق في حمى سيطرة اليمين والتيار الصهيوني المجرم.. لكن يجب ان يقدم الفلسطينيون رؤيتهم لمستقبل المنطقة.. ولا يوجد هناك أي مسوغ للاعتراف بشرعية عنصرية الكيان الصهيوني ولصوصيته.. وهنا يجب الحذر والانتباه.