أمد/
يستمر العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بشكل دموي، عشرات الألاف من الشعب الفلسطيني استشهدوا وجرحوا، ثلثي مباني قطاع غزة هُدّمت على رأس ساكنيها، نحو مليوني فلسطيني هجر من بيته. عنف جنسي وإبعاد قسرى للأسرى، قرصنة أموال الشعب الفلسطيني، إرهاب المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة الغربية. إن إسرائيل باختصار دولة التنكيل والابرتهايد بكل معنى الكملة. لقد أصبحت غزة بحق مدينة أشباح، جثث الشهداء تنتشر في الأزقة الضيقة وتحت أنقاض المباني المهدمة، خيم للنازحين لا تستطيع حماية ساكنيها من الأمطار والبرد، لا يوجد طعام ولا مياه نظيفة، مجاعة وأوبئة تنتشر في القطاع ومجلس الأمن حتى الأن عاجز عن استصدار قرار بوقف العدوان بسبب الفيتو الأمريكي!.
ما الذي تفعله إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ؟ ما الذي تفعله إسرائيل بحق العالم أجمع؟ إنها لا تعبء بحقوق الانسان ولا بقتل المدنيين ولا بهدم البيوت ولا بتهجير المواطنيين ولا بتجويعهم. لقد أشعلت اسرائيل المنطقة العربية كلها. ليس هذا فحسب بل إنها اشعلت العالم أجمع.
لم يكن وزير الخارجية الأمريكي بلنكن في أحسن أحواله عندما أوفده الرئيس بايدن الى اسرائيل أكثر من مرة، يعود الى بلاده ويقول لرئيس ادارته مستنكراً: لماذا علىّ أن أجلس مع حكومة عصابات! لماذا عليّ أن أشارك في قتل المدنيين! لماذا عليّ أن أتفاوض مع رجل فاسد تلاحقه قضايا الفساد! لماذا عليّ أن أتحاور مع رجل إرهابي يدعوا علناّ الى قتل الفلسطينيين وإعدام الأسرى الفلسطينيين! لماذا عليّ أن أجلس في حكومة حرب يدعو أحد وزارئها الى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة!. ولم يكن وزير الدفاع الأمريكي أوستن بأحسن حال من بلنكن. فلقد تململ من حديث الاسرائيليين المستمرعن حق الدفاع عن النفس والقتل وإعادة الاحتلال لغزة، أوستن يعتقد جازماً بأن إسرائيل أقحمت الولايات المتحدة بحرب ليست حربها، وكلفت بلاده مليارات الدولارات دون تحقيق أي هدف سياسي عقلاني. ليس هذا فقط، اوستن نفسه انصدم من قدرات الجيش الاسرائيلي التي تغنت بها الولايات المتحدة على مدار العقود السابقة واستنفذت موازانات البنتاغون دون أن يستطيع هذا الجيش أن ينجز أهدافه الميدانية في قطاع لا تتجاوز مساحته 365 كم مربع خلال أكثر من 76 يوما من بدء العمليات العسكرية!.
بدوره الرئيس بايدن لم يعد في جعبته الكثير ليتحدث به للعالم في ظل استمرار هذا العدوان، فالقيم الأمريكية التي يتغنى بها الأمريكيون لم تعد قادرة على الصمود أمام دموية الأليات العسكرية في القطاع، ولم يعد بإمكان إدارته الدفاع عن عنف وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية. لقد باتت الولايات المتحدة معزولةً أكثر عن العالم لا سيما أنها أصبحت الدولة الوحيدة التي تعطل وقف إطلاق النار في غزة. اضافةً الى ذلك، لم تعد المطالبات الأمريكية بعدم استهداف المدنيين الفلسطينيين وادخال المساعدات الانسانية الى القطاع ذات جدوى في ظل إستمرار الإبادة والمجاعة في القطاع.
لقد أحرجت إسرائيل حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة، وأصبحت الأخيرة أكثر اعتقاداً الأن من أي وقت مضى أن إسرائيل أصبحت مصدراً للقلق وعدم الاستقرار لمصالحها وقيمها في المنطقة. ليس هذا فحسب، بل إن الولايات المتحدة أدركت بشكل جلي بأن إسرائيل لم ولن تكون دولة مقبولة في منطقة الشرق الأوسط. وبرغم إتفاقات أبراهام التي روج لها الاسرائيلييون والأمريكان كثيراً، الا أن عدوان السابع من أكتوبر كشف للجميع بأن لا احد يقبل إسرائيل، المنطقة كلها تشتعل، في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وايران والضفة الغربية، وربما يتوسع الصراع أكثر ليشمل كل دول الشرق الأوسط. وفي ظل كل هذا الصراع، يتساءل الأمريكيون أكثر من أي وقت مضى ما الذي تقدمه إسرائيل للولايات المتحدة؟ لماذا على الولايات المتحدة أن تستمر بتقديم الدعم لهذه الدولة المارقة والعنصرية في ظل قدرة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية على حماية مصالحها في المنطقة بنفسها، وخاصةً أن بوارجها العسكرية وقواعدها مستقرة ومنتشرة في المنطقة. في الواقع، لا أحد يحتاج إسرائيل بما فيها الولايات المتحدة نفسها. لا يوجد لديها أي شئ تقدمه للعالم سوى القتل والدمار والعنصرية. وإذا أرادت الولايات المتحدة والدول الغربية ان تحتفظ بمكانتها ونفوذها في المنطقة فإن عليها أن تتخلى عن إسرائيل وتعتمد على نفسها بنفسها، فإسرائيل بعد السابع من أكتوبر أصبحت عبئاً على العالم الغربي في جميع الميادين، عبئاً مادياً ومعنوياً. وكما زرعها الاستعمار في المنقطة قبل 75 عام فإن عليه أن يزيلها من أجل ضمان الأمن والإزهار والتنمية في المنطقة وفي العالم أجمع.