أمد/
ليس صعبا على المراقب أن يقرأ تلك الرغبة لدى بعض الأطراف الفلسطينية في الدفن المتبادل سياسيا لبعضهما البعض، فيما حرب تجريف القطاع بشرا وشجرا وحجرا، التي يشنها الكيان الصهيوني بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن تكون هي التناقض الأساس قولا وفعلا، وهي الحرب التي تؤكد التقارير أنها فاقت قي وحشيتها أي حروب شهدها هذا القرن حتى الآن؛ عبر استهداف أهل غزة في ذاتهم مع أن العنوان المضلل هو استهداف حماس، التي هي أيضا جزء من أهل غزة؛ ولكنها ليست غزة، وعوض تكامل الأدوار في المواجهة التي هي عسكرية سياسية ودبلوماسية وإعلامية؛ تبرز تلك النوايا الكامنة لدى طرفي الانقسام في المشهد الفلسطيني لاستثمار هذه الحرب في عملية الإلغاء المتبادل بين السلطة وحماس.
وببدو ذلك في غياب التواصل بين حماس والسلطة ، وفي الحد الأدنى منه في التناول الإعلامي، لو سلمنا أن الحرب هي شاملة وواسعة عسكرية وسياسية ودبلوماسية، يمكننا على ضوء ذلك أن نوصفها بأنها أخطر ما تتعرض له القضية الفلسطينية راهنا، كونها لا تتعلق بالجانب العسكري فقط، وإنما بتصفية المكاسب السياسية والدبلوماسية التي نحتتها تضحيات الشعب الفلسطيني طوال عقود وقبل وجود بعض قوى المشهد الفلسطيني .
إن أكثر المواقف مجافاة للواقع ولمصلحة الشعب الفلسطيني هو في التعامل البيني بين فتح وحماس، الذي يمكن تلخيصه في مقولة أنا " لا أفكر الآخر غير موجود"، في حين أن وجوده وجود موضوعي لا تقرره رغبة هذا الطرف أو ذاك داخليا كان أو حتى خارجيا، ولأنها مسألة غير " رغبوية" فإنه لا يمكن مثلا للسلطة الفلسطينية أن تنفي أو تتجاهل وجود حماس أو أي قوة فلسطينية أخرى على الصعيدين الشعبي والعسكري، وبالقدر نفسه لا تستطيع حماس أن تنفي أو تلتف على وجود حركة فتح كسلطة سواء على الصعيدين الشعبي والكفاحي وفي كونها العنوان السياسي والدبلوماسي الشرعي للشعب الفلسطيني لدي معظم دول العالم وفي مؤسساته الدولية .
لكن يبدو أن هناك من يحاول لي عنق المعطيات التي تتجاوز في وجودها وتجلياتها الداخلية والخارجية رغبة أي طرف خارجي مجافية وطنيا، سواء كانت سياسية أو عسكرية ،ومن ثم فإن أي محاولة لتوظيف المحرقة في الالتفاف على الآخر، يمكن وصفها بأنها سلوك انتهازي فئوي رخيص، يتجاهل قوانين التناقضات في بعديها الداخلي والخارجي وكيفية حلها، ومن ثم وعي الفرق بين التناقض في إطار الوحدة في الظاهرة الاجتماعية الواحدة، والتناقض مع العدو؛ الذي هو التناقض الأساس في تجلياته المختلفة من فكرية وسياسية وثقافية وفي شكله التناحري.
ولا يحب أن يُفهم بأي حال أن هذه المقاربة تعني التشكيك في مشروعية وضرورة النقد، لأن التماثل يعني السكون، أي الموت بمعناه الاجتماعي ولسياسي زالفكري، ولأنه كذلك من الطبيعي أن لا يكون هذا النقد، هو لمجرد النقد ـ وإنما النقد الذي لا يكتفي بالتشخيص؛ ولكن باقتراح العلاج، حتى لو كان في النهاية هو وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ، وهذا النقد ليس ضروريا فقط، وإنما هو واجب، لأنه يعني أن هناك شعب حر مفكر؛ وليس قطيعا ، يحركه ولي الأمر فيما هو يعيش في غيبوبة بعد أن تنازل عن عقله لصالح ما يعتبره عقلا أسمى.
وفي سياق هذه المقاربة فإن النقد والجدل أو ما يمكن تسميته العصف الفكري الجماعي ، هو حالة متقدمة للوعي بهدف الوصول لأفضل الحلول والنتائج والأجوبة الجماعية في سياق الظاهرة الوطنية بمختلف مكوناتها ، لكن ضمن محدد وشرط الوحدة في رحاب القانون الناظم لحياة ووجود المجموع.
وإنه لمن المحزن في ظل الحراك الإقلبمي والدولي الذي يبدو كنوع من الوصاية، لترتيب وضع غزة بعد انتهاء الحرب في غياب الموقف والعنوان الفلسطيني الواحد، ومع ذلك يحاول كل طرف أن يبحث له عن مكان في هذه الترتيبات، في حين أن هذا موضوع فلسطيني، والتسليم به يعني تشريع مبدأ الوصاية الأمريكية والإقليمية، بما ينفي أي ادعاء حول القرار الوطني، وحق الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة في استمرار الكفاح بكل أشكاله حتى لتجرير والعودة دون قيد أو شرط.