أمد/
نقر مع الكاتب الكريم نعم إن تنظيم "حماس" يمثل حركة أيديولوجية إسلاموية، ولم تعترف حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح أنها منظمة إرهابية قط، وكذلك السلطة الوطنية الفلسطينية. وهي أي "حماس" جزء من النسيج الوطني الفلسطيني-كما عادت تعرف نفسها- لامحالة بغض النظر عن أيديولوجية "الاخوان المسلمين" التي تمثلها وهذا شأنها. إلا أن مساحة الاختلاف الفكري-الأيديولوجي القطعي الإقصائي النبرة معها من الفصائل الاخرى قد تكون واسعة أو ضيقة ما بين الإدخالات الأيديولويجية المكثفة والخطيرة "للاخوان المسلمين" فيها، وما بين رداء القداسة الإلهي الموهوم لبعض آرائها أو قادتها وهو مكمن الخطر الكبير.
-ونقول ردًا على أ.د.محسن صالح أننا نجد في "حماس" مسار العقلانية العمليانية المنفتح التي على سبيل المثال وسمت مسار خالد مشعل الاخير لاسيما إثر وثيقة الدوحة عام 2017 الهامة. ولكنها أيضًا كتنظيم متأخر العهد عن بدايات الثورة الفلسطينية منذ العام 1957 والانطلاقة عام 1965م، لم تأتِ بجديد البتة ولم تخترع العجلة على عكس ما يصوره البعض افتتانًا ومحاولة للقبض على الأحلام ضمن نظرية الفسطاطين/المعسكرين الإقصائية التي لا تليق بفلسطين.
-دعني أقول بوضوح أن "حماس" لحقت بحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح والثورة الفلسطينية وبنت نفسها -وإن تغضب من الاعتراف-على التراث الثوري الفلسطيني الثري جدا، وأكملت ضمن المسارالعسكري المختل في ظل اختلال واختلاف الموازين الإقليمية والعالمية، وتحصنت بثابتين خطرين أيديولوجيًا هما احتكار الدين (اسلاموية تخص ذاتها وتقصي الآخرين) واحتكار الثورة ونزعها عن غيرها، وكأنها البداية والنهاية ما هي عقلية أحادية إقصائية بينة الخطورة، إضافة للتطبيل الذي لا يهدأ من الفضائية التابعة للإخوان المسلمين التي لا تكف عن ممارسة التجييش والتحشيد والتجييش في أسلوب تضليلي فاقع. كما الحال مع الرئيس التركي الإخواني ومع مزامير المحور التي تدق لفلسطين وإن كانت لطهران هي حقيقة الصدى.
-يظل تصوير مشهد الحرب أو القتال الذي لا ينتهي أو لا تُعرف أهدافه فلسطينيًا يظل هذا التصوير بشكل خاطيء وخطير وكأنه الفعل الأوحد (المطلوب) للمقاومة أو الثورة أولفلسطين، وقضيتها التي تحتمل التفكير بين البدائل والاحتمالات واختيار البديل النضالي الأمثل.
-إن اختيار البديل او الخيار الامثل للنضال والكفاح لا يصنعه فرد أو قيادة عسكرية دون السياسية (مشهد وضع "حماس" الداخل والخارج اليوم في مقتلة غزة اليوم) كما لا يصنعه زعيم أو فصيل دون غيره ولكنه ليشكل العنوان الصحيح للقضية فيجب أن يكون ضمن تقدير المرحلة الجماعي (منظمة التحرير الفلسطينية) وليس التنظيمي الفردي القاتل.
-لقد وقعت الثورة الفلسطينية ورجالاتها سابقًا فيما أسمي "فتنة السلاح" حينما أهملت الخطة والفكرة وتقدير الموقف ووسائل النضال المحتلفة الهامة مثل النضال الجماهيري أو عبر الاختراع الفلسطيني الأصيل "الانتفاضة" ثم "المقاومة الشعبية" إضافة الى النضال الفكري والثقافي والتاريخي والقانوني الذي يصنع حقيقة فلسفة الثورة والتاريخ، ونضال الرواية والكتابة بل والنضال الاعلامي والدبلوماسي والسياسي فكلها تسند بعضها بعضًا.
-هنا يجدر بنا القول أنه لا يجوز اعتبار السلاح فقط هو المعبّر عن المقاومة او الثورة (ومن ثم تنزيه أو تقديس أو الافتتان بالفدائيين أو المقاتلين) ما أوقع الثورة الفلسطينية وذات حركة فتح في مرحلة من المراحل بتلك الفتنة، حيث كان المسلحون يتخطون رقاب كبار المفكرين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم من المناضلين الذين قدموا لفلسطين الكثير.
-إن التفكير والتغيير الحاصل في طبيعة عمل وتحديد شكل النضال الفلسطيني لأطر المنظمة لم يأت من فراغ بل جاء بعد أن عصفت بفكر الثورة الفلسطينية الكثير من الرياح العاتية مع خروج مصرالعسكرية كليًا من المعادلة بعد حرب أكتوبر 1973م، ثم مع تكسير السلاح للقوة العربية التي كان المؤمل عليها المشاركة بحرب التحرير أي الجيشين السوري والعراقي وإخراجهما من المعادلة، عوضًا عن انتهاء مرحلة الدولتين العظميين (الاتحاد السوفيتي مقابل امريكا) ما قلّص مجال الحركة والمناورة الفلسطينية. ومع الحصار العربي المالي منذ العام 1990 وما يتفق مع ذلك من ضرورة استعادة الوعي وتفهم اختلاف أساليب النضال دون الإضرار بالحق الأصيل بكافة الأشكال.