أمد/
من الواضح أن البعض الفلسطيني فقد القدرة على الإحساس بالمسؤولية، على الأقل تجاه ضحايا المحرقة من شهداء جرى مواراتهم التراب أو مفقودين حرمهم وجود الاحتلال من ذلك الحق، وعشرات آلاف المصابين، فيما أخطر فصول الحرب على غزة تجري هندستها من قبل اليهودي بلينكن والكيان الصهيوني، بما يسمى ترتيبات ما بعد الحرب في غزة.
ويبدو أن هناك من لا يدرك حتى الآن طبيعة المتغير الذي حصل في أطراف العلاقة التي ستقرر مستقبل غزة ومعها القضية الفلسطينية، وهو أن الولايات المتحدة هي ربما اللاعب المقرر في هذا المستقبل، وبدعم رسمي عربي، وبالطبع من موقعها المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والقانونية ، ومعها أيضا الكيان الصهيوني من موقعة كقائم بالاحتلال وبعض الدول العربية ذات العلاقة ، ٍ في غياب مرجعية فلسطينية متفق عليها.
وفي وقت كشفت جولة وزير الخارجية الأمريكي أن واشنطن وهي بصدد هندسة مستقبل غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، كثرت السيناريوهات التي ستبحث مستقبل عزة والمنطقةـ مع اللاعب الأمريكي من قبل أكثر من طرف ومن أخطر هذه السيناريوهات ، ما كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية التي ذكرت أن جيش الاحتلال يخطط لإسناد مهمة إدارة قطاع غزة لفترة مؤقتة إلى "عشائر فلسطينية معروفة للشاباك"، في إطار خطة تتضمن تقسيم القطاع لمناطق تحكمها هذه العشائر وتقوم ببعض المهام هناك. وهو بذلك يريد تتويج محرقته ضد أهل غزة، بمحرقة سياسية تستهدف الحقوق السياسية للفلسطينيين كشعب تعترف أغلبية دول العالم بوجوده كشعب تحت الاحتلال وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثله الشرعي، التي انتزعت حقها كدولة مراقبة في الأمم المتحدة. وأن من يقف عقبة أمام اكتسابها العضوية الكاملة هي الولايات المتحدة.
هذا الدور الأمريكي لهندسة وضع القطاع والقضية الفلسطينية ، لم يجعلها تأخذ موقفا محايدا من العدوان ، وإنما وقفت عقيه أمام في مواجهة دعوة معظم دول العالم إلى وقف المحرقة، بأن وقفت إلى جانب استمرار المحرقة وهو ما أكده بلينكن الذي قال أثناء وجوده في فلسطين المحتلة: "من الضروري أن تحقق إسرائيل هدفها، لكي لا يتكرر هجوم السابع من أكتوبر"، وهي أهداف تتعلق بسلطة حماس وبنيتها العسكرية في غزة ، وهذا يكشف إلى أي حد تغطي الولايات المتحدة سياسيا وعمليا المحرقة بدعوى محاربة حماس التي تنتشر في بنيتها العسكرية تحت الأرض فيما تجري المحرقة لكل مظاهر الحياة فوق الأرض. ومع ذلك يفقد البعض القدرة على قراءة المشهد لفلسطيني وتحديد من هو العدو للشعب الفلسطيني وتطلعاته في استرداد حقوقه في وطنه فلسطين.
لذلك يبدو مفارقا توجه البعض الفلسطيني عبر الرسائل المباشرة أو غير المباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكي كأطراف متعددة وليس طرفا واحدا، كونه يعتبر سلوكا أحاديا لا يعبر عما تريده أغلبية الشعب الفلسطيني، وهو يعني أن هناك غياب لرؤية فلسطينية واحدة تقدم إلى العالم، خاصة وأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أبلغ الزعماء الإسرائيليين، الثلاثاء، أن الفرصة لا تزال سانحة لكسب قبول الدول العربية المجاورة إذا مهدوا الطريق لإقامة دولة فلسطينية.
وذكر وزير الخارجية الأميركي بعد اجتماعاته مع الحلفاء العرب، أن دول المنطقة تريد التكامل مع إسرائيل، وهو هدف إسرائيلي على المدى الطويل، لكن بشرط أن يشمل ذلك "مساراً عملياً" لإقامة دولة فلسطينية.
هذا المسار الذي تلمح له الولايات المتحدة، يحتاج طرفا فلسطينيا واحدا يعبر عن المجموع الفلسطيني ليس في سياق مفهوم المحاصصة الفصائلية، وإنما عبر منظمة التحرير الفلسطينية التي تمتلك الشرعية لذلك، ولكن ليس في واقعها الراهن بعد أن جوفت وفقدت الكثير مكانتها ورمزيتها فلسطينيا بعد أوسلو، سواء على صعيد البرنامج أو التمثيل الذي يجب أن يستوعب كل القوى الفلسطينية.
ومن ثم فإن غياب الموقف الفلسطيني الواحد هو بمثابة شذوذ فكري وسياسي، غير مقبول في هذه اللحظة التاريخية، وربما يكشف تقديم بعض الأطراف الفلسطينية نفسها إلى الولايات المتحدة كطرف هو تزلف مكشوف يقدم لدولة هي عدو في الأساس . ونعتقد أن رسالة أمل إسماعيل هنية إلى وزير خارجية الولايات المتحدة بتركيز جهوده لوقف العدوان على غزة. تصب في هذا الاتجاه ، ذلك أن نص مناشدة هنية لبلينكن على " أن مستقبل المنطقة واستقرارها يرتبط بشكل وثيق بالقضية الفلسطينية". يكشف فيه هنية بوضوح أن مستقبل المنطقة واستقرارها يشمل الكيان الصهيوني كذلك. والسؤال هنا إذا كان هذا هو موقف حماس وهو للعلم الموقف الذي سبق أن أعلنته عام 2017 من أنها طورت موقفها السياسي وانضمت إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى في مسألة إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967. فأين هو التناقض مع حركة فتح التي تهيمن على المنظمة؟!
ومن ثم فإنه لمن المعيب بكل المقاييس الوطنية أن تكون الوحدة الوطنية هي العنوان الغائب في المشهد الفلسطيني، في حين أنه من أهم عناوين مواجهة محاولات شطب القصية الفلسطينية فيما البعض يبحث له عن حصة حتى لو احترقت غزة.
فيما تكشف تجربة الأشهر الماضية أن أحد ارتدادات 7 أكتوبر السلبية هو الدور الأمريكي من جانب، وإصرار رسمي عربي على تطوير العلاقة مع الكيان الصهيوني من جانب آخر، واعتباره جزءا من نسيج المنطقة.