مصطفى محمود
أمد/ حصار خانق وأيام دامية تشهدها غزة للشهر الثالث على التوالي، فهناك قُتل الصغير والكبير ودُمر الأخضر واليابس، أما الأوضاع الإنسانية فتنذر بكارثة صحية واقتصادية عالمية في القطاع المكلوم والتي تؤثر على كل من حولها في المنطقة وخارجها، ورغم ذلك مازالت تلك الأوضاع تتفاقم بشكل أكبر بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ العاشر من أكتوبر 2023.
غزة تحتضن حوالي مليوني نسمة يعيشون أسوأ الظروف الإنسانية يوميًا، فيتم توفير ضروريات الحياة الأساسية، مثل إمدادات الغذاء والمياه وخدمات الرعاية الصحية والتعليم لشعب غزة لكن بأعداد شحيحة وبجودة متدنية، ولا يزال الكثير من أهالي غزة يكافحون من أجل الوصول إليها حتى كتابة هذه السطور.
أكثر ما يدمي القلوب هناك، هي أماكن الإيواء المتناثرة في القطاع حيث يموت الأطفال الرضع بسبب الأمراض وغياب الرعاية الصحية، فلا طبيب ولا مستشفى ولا غذاء مستدام.. فإلى متى ستستمر هذه المعاناة الإنسانية!
أما التعليم، فهُدمت المدارس وتحولت إلى دور إيواء، وأغلبها يفتقر الموارد الأساسية للتعليم مثل الكتب المدرسية والمواد التعليمية.. فمتى يتوقف القصف الإسرائيلي حتى ينعم الصغار بحياة هادئة وتعليم مستقر؟
وتشكل البنية التحتية في غزة أيضًا تحديًا كبيرًا، مع محدودية الوصول إلى مرافق النقل والاتصالات، وقد تعرضت المنطقة لصراعات متعددة أدت إلى تدمير الطرق والجسور والبنية التحتية الأخرى، وقد أدى ذلك إلى تقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الخدمات المصرفية والإنترنت بشدة، كما أدى عدم الوصول إلى هذه الخدمات إلى إعاقة التنمية الاقتصادية في المنطقة، مما حد من فرص العمل وجعل من الصعب على الشركات أن تعمل.
وهناك يعيش العديد من الأشخاص في ظروف سيئة مع محدودية إمكانية الوصول إلى المرافق الأساسية بسبب تدمير العديد من المنازل والمباني، ونتيجة لذلك، يعيش العديد من أهالي غزة في ظروف مكتظة وغير صحية، مع عدم كفاية فرص الحصول على الكهرباء والمياه والصرف الصحي، كما يحدق الفقر بأكثر من 70% من سكان غزة، وأصبح العديد منهم غير قادرين على توفير الضروريات الأساسية مثل الغذاء والمأوى.
وفي ظل استمرار هذه الظروف الصعبة، تعتبر المساعدات الإنسانية “شعاع نور” أو “بارقة أمل” ضرورية لتلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة، ورغم أهميتها إلا أنها لا تكفي لتلبية احتياجات سكان غزة المتزايدين، كما أنها تواجه العديد من التحديات، أبرزها فرض إسرائيل حصارا على قطاع غزة مما يقيد حركة البضائع والأشخاص، وقد أدى عدم الاستقرار السياسي في المنطقة إلى عدم استقرار الأمن، بالإضافة إلى وجود سوء إدارة في الوكالات المسؤولة عن توزيع المساعدات.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل المساعدات الإنسانية بمثابة شعاع نور في ظلام الأزمة الإنسانية في غزة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لبقاء الحياة، بتزويد السكان بالغذاء والدواء والمياه النظيفة والمأوى، ويساعدون في إعادة بناء المنازل والبنية التحتية المدمرة.
ربما استمرار تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة يعد حاجة إنسانية ومسؤولية أخلاقية. ويجب على جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، العمل على زيادة حجم المساعدات المقدمة للقطاع وإزالة العوائق أمام توزيعها.
ويمكن أن تركز المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة على عدد من المجالات، أهمها توفير الغذاء والدواء اللازم لتلبية الاحتياجات الأساسية لأهالي غزة، ثم توفير الرعاية الصحية الأساسية والطارئة للسكان بما في ذلك علاج الحالات المزمنة والإصابات الناجمة عن العدوان الإسرائيلي الأخير.
وقد يتسع السيناريو المتفاءل عقب تعزيز المساعدات وحلول الهدوء النسبي في غزة، بأن تعيد المدارس فتح أبوابها لتوفير التعليم للطلاب بجميع المراحل التعليمية، ثم إعادة بناء المنازل والمرافق العامة المدمرة، وأيضًا دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص العمل وتحسين الظروف الاقتصادية لأهالي القطاع.. حتى نعيد بناء “غزة جديدة”.