وسام زغبر
أمد/ تتواصل حرب الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، رغم تعالي أصوات أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المطالبة بإبرام صفقة تبادل للإفراج عن ذويهم مهما بلغ ثمنها، فيما تواصلت التحركات الاحتجاجية في كبرى العواصم والمدن الأوروبية وعدد من الولايات الأميركية تنديداً بمواصلة الحرب الإسرائيلية على القطاع، واستمرار دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل في تلك الحرب عسكرياً ومالياً وسياسياً وفي رفض وقف الحرب والاقتصار على هدن إنسانية في قطاع غزة.
وفي خضم الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن الخامسة إلى الشرق الأوسط، والذي أعلن نية واشنطن إرسال خبراء أمميين إلى شمال قطاع غزة للاطلاع على أوضاع المواطنين الفلسطينيين هناك وسط أنباء عن نشر قوات دولية وعربية في مناطق شمال القطاع، وحسب مراقبين فإن مصر أبدت رفضها لتلك الخطة الأميركية – الإسرائيلية خشية منها لتعزيز فصل شمال القطاع عن جنوبه والذي تزامن مع رفض إسرائيلي لعودة النازحين في جنوب قطاع غزة إلى شماله.
كما فندت مصر مزاعم إسرائيلية على قبولها السيطرة الأمنية الإسرائيلية على محور صلاح الدين (فيلادلفيا).
إن إعلان مجلس الحرب في حكومة الاحتلال الإسرائيلية وعلى لسان وزير الحرب يؤاف غالنت في الخامس عشر من كانون الأول (يناير) الانتهاء من العملية العسكرية البرية في شمال قطاع غزة، وقرب نهايتها في جنوب القطاع، أي الانتقال فعلياً إلى المرحلة الثالثة من حرب الإبادة والتطهير العرقي، نتيجة تزايد الخسائر في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي وفشل الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أيًا من أهدافها في الحرب وهي القضاء على المقاومة وتقويض سلطة حكم حماس في غزة، وضمان عودة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، وتنفيذ مخطط التهجير القسري للغزيين إلى خارج القطاع. حيث أن المرحلة الثالثة وفق ما يصرح به مجلس الحرب الإسرائيلي تعني انسحاباً لقوات الاحتلال من قلب المدن والمخيمات الفلسطينية نحو الحدود الشرقية والشمالية للقطاع بحزام أمني كمنطقة أمنية عازلة، والإبقاء على فصل شمال القطاع عن جنوبه، والاستمرار في تنفيذ سياسة الاغتيالات وعمليات توغل محدودة، وضمان السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) والرقابة الأمنية على معبر رفح.
ويشار إلى أن المنطقة العازلة التي تنوي دولة الاحتلال إقامتها في المناطق الحدودية بعمق يمتد من مئات الأمتار وحتى ثلاثة كيلومترات في شمال وشرق القطاع تحت مزاعم ضمان أمن القوات العسكرية لحين التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
ورغم إعلان مجلس الحرب الإسرائيلي الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب تلبية لدعوة الإدارة الأميركية لتخفيض حدة العمليات العسكرية والتوقف عن استهداف المدنيين، إلا أن حصيلة الضحايا من الشهداء والجرحى تفند تلك الادعاءات حيث تشهد ارتفاعاً وخاصة في صفوف المدنيين العزل، ما يؤكد أن الاحتلال ماضٍ في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتي لم تقتصر على المدنيين العزل وممتلكاتهم، بل طالت الشجر والحجر، وتدمير البنى التحتية، والاستمرار في قطع المياه والكهرباء ووضع العراقيل أمام إدخال الوقود وغاز الطهي والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ولم تكتف إسرائيل بذلك بل تواصل سياسة التجويع والتعطيش والتقتيل والأرض المحروقة بحق البشر والشجر والحجر ، إلى جانب تلوث مياه الشرب وانعدام الأمن الغذائي وانقطاع سبل الحياة الكريمة، لدفع مواطني قطاع غزة نحو مغادرته بحثاً عن حياة ومستقبل أفضل.
إن مخطط التهجير ما زال قائماً في أفكار وخطط صناع القرار في إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، والذي عاد هذا المخطط إلى الأذهان مرة أخرى في معركة «طوفان الأقصى»، والذي أبدى نوعاً من التوجس لدى جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية مع تعالي الأصوات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي لدفع الغزيين نحو التهجير القسري نحو مدينة سيناء المصرية وتكرار ذات السيناريو على الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو المملكة الأردنية الهاشمية.
ووفق مراقبين، فإن إسرائيل عمدت بدفع الغزيين نحو جنوب قطاع غزة تحت ضربات القصف الإسرائيلي ودعاوى أنها مناطق آمنة، بالتزامن مع القصف المتكرر قرب الحدود الفلسطينية المصرية، ولكن جهود القاهرة الميدانية والدبلوماسية قطعت الطريق على إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تنفيذ المخطط الإسرائيلي في تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء وعدد من الدول العربية والغربية.
وحسب مراقبين، فإن فشل مخطط التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة، دفع تل أبيب إلى التلاعب بمصطلح التهجير نحو الحديث عن التهجير الطوعي وفتحها قنوات اتصال مع عدد من الدول الإفريقية والأوروبية لاستيعاب الفلسطينيين من قطاع غزة وتسهيل سفرهم.
ويرى مراقبون أن إسرائيل لن تحقق أياً من أهدافها المعلنة في قطاع غزة، فيما رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أصبح عالقاً فوق الشجرة، تزامناً مع إعلان مجلس الحرب الانتقال للمرحلة الثالثة في مدينة غزة وشمال القطاع، وقرب نهاية المرحلة الثانية في جنوب القطاع، مع استمرار المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملياتها وإطلاق الصواريخ على مستوطنات وبلدات الاحتلال وخاصة في المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال، يعني أن نتنياهو ومجلس حربه قد مُني بفشل أمني واستخباراتي في القضاء على المقاومة وتفكيك بنيتها القتالية ودون استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
أمام هذا الفشل الإسرائيلي، فإن المقاومة الفلسطينية التي مرغت أنف العدو الإسرائيلي في تراب غزة، وهي تحقق إنجازات كبيرة في الميدان ستحول هذا الفشل الإسرائيلي إلى هزيمة للاحتلال وستجعله أضحوكة أمام العالم، وسيشكل صمود شعبنا ومقاومته انتصاراً، لذلك لابد من التعجيل في تشكيل القيادة الوطنية الموحدة التي طال انتظارها حتى لا تضيع إنجازات معركة طوفان الأقصى، وخاصة أن حرب الإبادة الإسرائيلية قاربت على الانتهاء من شهرها الرابع، وهذه القيادة هي القادرة على رسم الاستراتيجية الوطنية الكفاحية الجديدة لمتابعة مسار النضال الوطني الفلسطيني، وبحث ما يسمى «مستقبل إدارة غزة» كونه شأناً فلسطينياً داخلياً لا شأن لإسرائيل أن تقرر مصيره، والعمل على توحيد الحالة الفلسطينية من خلال حوار وطني جاد.