صالح عوض
أمد/ لقد سقط الربيع العربي رغم أن دويه اجتاح عواصم عديدة مخلفا جراحا عميقة في بنية الدولة العربية بل والمجتمع العربي، ولعل المخططون له أرادوها فتنة لا تبقي ولا تذر في تركيب المجتمعات العربية والعمل على تقسيمها على أثنياتها المتنوعة، وقد تم في تلك العملية خداع للجماهير والاحزاب ودفعها نحو تخريب البلدان وتقسيمها، وقد كاد المخططون أن يركنوا الى نجاحهم فبدأوا بدفع الدولة العربية الى صناعة علاقات تحالفية مع الكيان الصهيوني وفي لحظة غير متوقعة انطلق الطوفان في قلب النظام الدولي الجديد.. طوفان يعصف بمسلمات روجت لها ادوات الاعلام المعادي وكرستها في واقع الناس.. انطلق الفيضان وان يتجه الآن؟
طوفان غزة:
حاصر الكيان الصهيوني وحلفاؤه قطاع غزة أكثر من 17 سنة قاسية دفعوا باوضاعه الى الانسداد التام مما الجأ عشرات الاف شبابه الى الهجرة عبر بحار الموت والظروف القاسية وتم الزج بالشعب في غزة في أسوأ الظروف المعيشية والأمنية في حين كان كل شيء في فلسطين يتعرض للنزف والاستهانة والتضعيف فمن استيطان مجنون في الضفة وتهيئة بوتيرة متسارعة لتحويل المسجد الاقصى الى معبد يهودي و اذلال متواصل للسلطة في رام الله والتي لم يتبق لها الا وظفتان الاولى دفع رواتب الموظفين والثانية التنسيق الامني مع الجهات الصهيونية.. هكذا سدت كل المنافذ واستفزت كل المشاعر ولم يبق للفلسطينيين أي فعل مؤثر فاما ان يتوجهوا الى الامم المتحدة يشكون تجبر الاحتلال وعتوه فيطالبونها بحمايتهم كما تحمى الحيوانات واما ان يكونوا طعاما سائغا لوحوش المستوطينين.. هنا انبعث طوفان غزة ليهشم سمعة الجيش الصهيوني ويوجه ضربات عنيفة عميقة في صميم روح المشروع الصهيوني والتجمعات الصهيونية بل ويهز اركان الكيان السياسية ويجدد عليه التحديات الوجودية ليصبح الحديث علنيا عن امكانية تفكيك الكيان وتتحول اسرائيل الى دولة مسخرة في العالم مجرمة معزولة ومطاردة وتتبخر كل الصور المزيفة التي رسمها الاعلام الغربي لها فلا هي ديمقراطية ولا هي اخلاقية بل هي مجرمة حرب ينتهي امرها الى المحاكم الدولية بما تقترف ايدي وزرائها وقادتها العسكريين.. ولازالت المعركة محتدمة وقد حقق الفلسطينيون جولات استراتيجية رغم حجم التضحيات الكبيرة وغير المسبوقة.
طوفان غزة جاء بعد ان كاد الجميع يعتقد أن الفلسطينيين استكانوا على جانبي الموقف السياسي وقد فشلت محاولتهم السياسية السلمية والتي تم تدويخهم فيها على مراحل وقد انتزعت منهم اسرائيل بخديعة مركبة اعترافا بشرعية وجود اسرائيل و ابعادهم عن اشتراط ايقاف الاستيطان.. في المقابل لم يكن احد يتوقع ان تمتلك المقاومة الفلسطينية لياقة كافية لجسر المرحلة بخداع استراتيجي يجعل مؤسسة العدو الامنية والسياسية في غيببوبة الاحساس بالسيطرة التامة وان الفلسطينيين خرجوا من مسرح الحياة.
جاء طوفان الاقصى متحررا من الحسابات والتخوفات جاء ليقتلع الى الابد الاحساس الاسرائيلي بالتفوق من واقع حياة الفلسطينيين والعرب ويرسل للانظمة العربية المهزومة التي تبحث عن حليف ان هذا الجيش هزيل وضعيف وهش ولا يؤتمن على حماية البلدان والتصدي للعدوان.. اما الجيوش العربية المتخوفة من هذا الجيش والتي تتزود بمليارات الدولارات تسليحا وتدريبا واستثمارا تكتشف انها كانت مخدوعة بمقولة الجيش الاكثر تقنية وتطورا والاكثر بأسا وقوة لاتقهر.. فأصبحت 4 ملايين جندي عربي في قيمة الواقع لا تساوي شيئا فيما تمارس الاهانات للمقدس في مشاعرنا المسجد الاقصى والارض المباركة والشعب العربي المظلوم في فلسطين.
الانظمة العربية سواء:
الوضع الرسمي العربي يقف أمام العدوان الصهيوني وازاء المقاومة الفلسطينية الثابتة نفس الموقف بعدم التصدي للعدو الصهيوني وحلفائه الذين يزودونه بالسلاح والمال والسياسة كما لم يتقدم اي من النظام العربي بمساعدات حقيقية للشعب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية يتساوى في هذا الموقف الجميع في النظام العربي المطبع وغير المطبع.. وبعض النظام العربي تطوع في مواجهة الطوفان بأن تكسر الجمود في الحياة في الكيان الصهيوني فتتدفق السلع والمواد الغذائية من دول عربية للكيان الصهيوني.
يقف النظام العربي ببطشه وقوته حائلا بين الشعوب المقهورة وواجبها نصرة لاخوة الدين والحضارة والتاريخ ونصرة للمقدسات والارض المباركة وتعمل هذه الانظمة بكل الوسائل لاشغال الشعوب المقهورة بشتى الوسائل..
من غير المفهوم أن يظل الموقف العربي بعد اربع اشهر -والدخول في الشهر الخامس- بمثل هذا الموقف السلبي.. ودون استخدام أي وسيلة للضغط على الامريكان والاوربيين تجاه ما يحصل في غزة التي سويت بالأرض واستشهد وجرح من ابنائها أكثر من100ألف ثلتهم من الاطفال، بمعدل الف شهيد وجريح يوميا،.. بالاضافة الى التجويع والتشريد وتدمير البيوت..
هنا لابد أن ننتهي أن النظام العربي لن يتحرك أبدا والامر ميؤوس منه تماما، وهكذا لابد من التأكيد على نتيجة أصبحت واضحة أن هذه الدول وهذه الانظمة لايهمها مقدسات الامة ولا مشاعر شعوبها ولا روابط الاخوة والعقيدة انما هي تعمل بكل طاقتها للابتعاد عن الاشتباك مع العدو الصهيوني والادارة الامريكية التي تجيد اللعب على التناقض في المنطقة العربية حيث تصبح عملية التأمين على سلامة النظام الثمن المجزي للتنازل عن نصرة فلسطين.
اليمن ولبنان والعراق!!
صحيح أن الأمر ليس كافيا لنقول أن قرار المواجهة والتصدي للامريكان والصهاينة قرار مؤثر وكبير وذلك لاسباب عديدة لكنه بلا شك فعل يمكن ان يكون شرارة تحول في المنطقة العربية وهنا يمكننا ملاحظة مفارقة خطيرة وهي انه في وجود الدولة المتحكمة ينعدم رد الفعل المطلوب وذلك لحسابات تتحكم في مسار الدولة ومشروعها.. وكلما ضعف سلطان الدولة او انعدم تحركت شعوب العرب بقوة كما يحصل في لبنان والعراق واليمن.. صحيح ان هناك دولة في المنطقة تقيم علاقات قوية مع هذه القوى ولكن لايمكن ابدا القول ان هذه الدولة ايران تستطيع ان تدخل معركة دفاع عن الفلسطينيين وشعبهم فهي حالها قريب من حال الدول العربية واما تركيا فهي غارقة في علاقات عميقة بالكيان الصهيوني.
ما يقوم به اليمن من فعل واضح جلي لهدف واضح جلي يعبر بالتأكيد عن خصوصية لاهل اليمن في العرب فالموقف اليمني لايمكن ان يشوبه شائبة ارتباط مع اجندات اقليمية بل هو موقف أصيل يعبر عن شخصية اليمن ودورها التاريخي فلطالما تدفق المقاتلون اليمنيون مع المقاومة الفلسطينية في لبنان واستشهد المئات منهم فلا يمكن القول ان ايديولوجيا او اربتاط معين بدولة في الاقليم حركتهم.
اليمن تقدم خطوات كبيرة لاتقل في دلالتها عن طوفان غزة فهي كذلك كسرت هيبة البوارج الامريكية والبريطانية وقرنت القول بالفعل وهي تدرك ان مثل هذا الموقف الذي لم يجرؤ عليه أحد من العرب و المسلمين بل ودول عظمى انما سيكون له ثمن باهض من قصف وتدمير وحرب غربية بشتى الوسائل ضد اليمن..
ولقد حاولت الدول الغربية تقديم اغراءات كبيرة للحوثي منها اخضاع اليمن كله لهم وتعمير واسع وضخ اموال في خزينة الدولة الا ان الحوثي اصر على رفع الحصار عن اهل غزة وان خطوتهم لن يتراجعوا عنها في ضرب كل السفن التي تتجه الى الكيان الصهيوني.
ما فعله اليمنيون هو اطلاق شرارة الانبعاث العربي القادم والذي سيربط كل شيء بالقضية الفلسطينية ويرغم المعتدين على الرحيل عن مصالح الامة ووجودها.. و من أوضح ما كشفه الاشتراك اليمني في المعركة ان الامريكان غير جادين وغير صادقين في رفع الحصار عن اهل غزة.. حيث ان شرط الحوثي واحد وهو رفع الحصار عن اهل غزة فلو صح ان الامريكان ينوون رفع الحصار لكانت جهة تصرفهم السياسي هي هذا الا ان ردهم على الحوثي بالسلاح يعني انهم لا ينوون رفع الحصار..
ان قيام امريكا بالقصف في العراق وسورية واليمن.. يعني ان هناك توسيع ساحات القتال رغم كل ما كانت تدعيه الادارة الامريكية عن اصرارها بعدم توسيع الجبهات القتالية.. وهذا يعني انهم يريدون تجميد الشعوب العربية وافشالها وضبط عدم تحركها وهذا هو المعنى لدى الامريكان بعدم توسيع الجبهات.
المفاوضات الجارية حول وقف اطلاق النار معقد تماما لانه يكشف حقيقة الاهداف غير المكشوفة لدى جميع اطراف العدو التي تتراوح بين الخديعة والعنف.. ولكن رغم كل الالم الذي لحق باهل غزة الا ان طوفانها قد وصل الى كثير من الجهات ويفتح ابواب المواجهات مع قوى الظلم في العالم في أكثر من مكان اقليميا ودوليا وستجد شعوب كثيرة سبيل تحررها من هيمنة النظام الدولي.. ورغم انه ليس معلوما بالضبط متى ستتوقف الحرب والعدوان الا اننا نعرف تماما ان لابقاء لطغيان واستعمار وظلم.