حسن لافي
أمد/ ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً كرر فيه شعار “النصر الساحق” 20 مرة، وهو ما اعتبره الكثيرون في “إسرائيل” بمنزلة الإعلان عن شعار حملة الدعاية الانتخابية القادمة لنتنياهو (النصر الساحق)، بحيث يعتقد أن كل فشله وحكومته ينتهي في حال تحقيق النصر الحاسم الساحق.
وعندها، لا داعي للجنة تحقيق رسمية تبحث في أسباب فشل السابع من أكتوبر ومعرفة من يتحمّل مسؤوليته، ولا حاجة إلى أن يتساءل الجمهور الإسرائيلي عن تراجع الاقتصاد الإسرائيلي، ويستفسر عن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والمسؤول عن نظرة العالم والمجتمع الدولي إلى “إسرائيل” كمتهمة تحاكم على جريمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
حتى إشكاليات “إسرائيل” الداخلية ستحل في حال تحقيق “النصر الساحق”، لأنه سينهي الخلاف العميق بين المؤيدين لصفقة تبادل لعودة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة مهما كان الثمن، لكون إعادة الأسرى قيمة عليا في عقيدة “إسرائيل كدولة” اليهود المسؤولة عن حفظ أمنهم، والتي تضع الحفاظ على حياة اليهودي في “أول سلم أولوياتها” القومية والأيديولوجية، وبين فريق “النصر الساحق” الذي ساهم في بلورته نتنياهو، وغالبيته من التيار اليميني الذي ينظر إلى العوائل الأسرى اليهود أنهم عائق أمام تحقيق “النصر الساحق” الذي ينظر إلى أرض “إسرائيل” الكبرى كقيمة أعلى من قيمة حياة اليهودي، وأن على “الدولة” الحفاظ على أمنها وتحقيق انتصار حتى بثمن قتل هؤلاء الأسرى بيد “الجيش” الإسرائيلي.
كذلك، سينهي “النصر الساحق” الخلاف المتجذر في المجتمع الإسرائيلي بين الحريديم الذين تقارب نسبتهم 20% من المجتمع الإسرائيلي، والذين لا يشاركون في الخدمة العسكرية ولا في الخدمة المدنية، وليس لهم أي دور يذكر في الناتج الاقتصادي للدولة، رغم أن “الدولة” عبر الموازنات الحكومية والأموال الائتلافية هي من يمولهم ويقود مؤسساتهم المتعددة، وثمة حديث عما يقارب 8 مليارات شيكل لموازنة 2024 مخصصة لقطاع الحريديم، وبين عامة الإسرائيليين الذين يحملون الأعباء الأمنية والاقتصادية في الدولة.
“النصر الساحق” سينهي الفشل الإداري للحكومة، وخصوصاً في إدارة الاقتصاد والمال الذي كان تقرير “شركة موديس للائتمان المالي” دليلاً واضحاً عليه، لكن وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش، كما نتنياهو، أكّد أن “النصر الساحق” سيحل تلك الأزمة، رغم أن التقرير لم يعتبر أن الوضع الأمني هو السبب الوحيد في خفض الائتمان المالي لـ”إسرائيل” وتوقعاته بمزيد من الانخفاض المستقبلي له، بل إن إدارة الحكومة المالية الفاشلة، وخصوصاً مع وزير مالية ينصب جهده في خدمة مصالح قطاع المستوطنين بعيداً عن خدمة المصلحة العامة، ناهيك بالخلافات التي سبقت الحرب، كان لها تأثير مهم.
لا داعي للقلق، فكل شيء سيحل بمجرد تحقيق “النصر الساحق”، بحسب كلام نتنياهو، لأن “النصر الساحق” يجبّ ما قبله، ولكن يبقى السؤال المركزي: كيف يمكن تحقيق “النصر الحاسم الساحق” في غزة بحسب رؤية نتنياهو وحكومته؟
في البداية، اعتبرت الحكومة و”الجيش” ومن خلفهم نتنياهو الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي الذي صوره الإعلام الإسرائيلي المجند كجزء من الآلة العسكرية الإسرائيلية أنه الإجهاز على مقر قيادة المقاومة وحكومة غزة، وأنه دليل على “النصر الساحق”.
وبعد تحقيق ذلك، وبعدما دمرت الدبابات الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي في أكبر جريمة إنسانية وصحية ضد المنظومة الصحية الفلسطينية في ظل الحاجة الماسة إلى كل جهد صحي في ظل الحرب، اكتشفت “إسرائيل” أن مجمع الشفاء الطبي لم يكن سوى مستشفى لعلاج المرضى والجرحى من جراء المجازر الإسرائيلية.
لذا، بدأ الحديث مجدداً عن احتلال مدينة خان يونس، قلعة حركة حماس ومسقط رأس رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار وقائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف والمكان الذي لجأ إليه قادة حماس، بحسب الدعاية الإسرائيلية، وأن الأسرى الإسرائيليين موجودون فيها وداخل أنفاقها، والكثير الكثير من القصص والادعاءات التي صورت معركة احتلال خان يونس على أنها ستكون “أم المعارك” الإسرائيلية.
ومنذ شهرين تقريباً، يقاتل “الجيش” الإسرائيلي في خان يونس، ويرتكب المجازر والجرائم، ويقتحم المستشفيات، ويفجّر المربعات السكنية والمنشآت المدنية، ولكنه لم يصل إلى السنوار، ولم يحرر أسيراً إسرائيلياً واحداً.
وفي خضم انهيار نظرية “النصر الساحق” الإسرائيلي مجدداً في خان يونس، أخرج نتنياهو المخادع والباحث عن نجاته الشخصية من جرابه المليئة بالأحابيل السياسية أن “النصر الساحق” يتأتى فقط باحتلال مدينة رفح؛ آخر المدن الغزية التي لم يدخلها “الجيش” الإسرائيلي براً، والتي يعيش فيها مليون ونصف مليون فلسطيني، بينهم مليون و200 ألف نازح هجروا من بيوتهم ومدنهم وذهبوا إلى رفح المنطقة الآمنة التي خصصها “الجيش” الإسرائيلي للسكان النازحين من مناطق القتال.
حسن لافي, [Feb 12, 2024 at 12:32]
ومن جهة أخرى، إذا سمح لهم بذلك، فسيكون هذا بمنزلة السماح لمخطط التهجير الإسرائيلي بالنجاح.
لذلك، السعي المصري الحثيث للوصول إلى وقف إطلاق نار شامل وكامل والتعاون مع القطريين في ذلك ينقذ الشعب الفلسطيني وقضيته من مخطط التهجير ويخدم الأمن القومي المصري في الوقت نفسه، ناهيك بأن إيقاف الحرب على غزة عامل مركزي في تبريد التوترات الإقليمية التي من الواضح أنها ستتحوّل، إذا استمرت الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى حرائق واسعة ستؤثر في الأمن الإقليمي والدولي برمته.
وبذلك، لا بدّ من النظر إلى النصر الساحق الذي يدعو إليه نتنياهو وحكومته على أنه تهديد حقيقي على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي، الأمر الذي يمكن أن يفسّر إلى حد كبير بدء ظهور ملامح التخوفات الأميركية من استمرار نتنياهو في الدفع لاستدامة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واحتمال نقلها إلى الجبهة الشمالية.