شجاع الصفدي
أمد/ كتبت في بداية الحر.ب مقالا عنوانه “لقد قررت حما.س أن تحارب” ، واعتبرت أن ما حدث هو تمهيد للتقاعد، ومع مجريات الأحداث بات يقينا أن كل ما يجري هو إتمام لإجراءات التقاعد وملحقاتها، رفضت حما.س فكرة الحديث عن نزع سلا.حها ضمن أي حلول مطروحة لعودة السلطة الفلسطينية لتولي زمام الأمور في غزة، لأن نموذج حكم حما.س الذي قدمته طوال الأعوام المنصرمة ما بعد ٢٠٠٧،كان نموذجا هشا على صعيد المواطن ومتطلباته ،ولم تلتزم بأدنى استحقاقات الحكم فعليا ، والجميع يدرك أنه لو رفعت السلطة يدها عن موازنة الصحة والتعليم والمرفقات الأخرى لأصبح الأمر مختلفا والعبء ثقيلا ،لكن السلطة ارتأت طوال الوقت أن تبقى رئة احتياطية بشكل ما .
طوال فترة حكم حما.س كان سلا.ح المقا.ومة ذريعة لإفشال أي مقترح وحدوي،وكان ذلك يكسب زخما شعبيا يُصلّب موقف حما.س عند الحديث عنه،ويسارع قادتها للقول بأن سلا.ح المقا.ومة خط أحمر !.
ما جرى في السابع من أكتوبر هو نزع تشريفي لسلا.ح المقا.ومة وكافة مقدراتها ، وحما.س على مستوى الصف الأول تدرك ذلك وتتقبله،في سبيل الانخراط في تسوية داخلية تجعلها شريكا في منظمة التحرير ،وربما مع الوقت السيطرة على القرار ،فالطموح اللا محدود لحما.س يجعلها الحركة الأكثر براغماتية في العالم على ما يبدو .
مع ملاحظة أن حما.س كانت لديها قناعة أنها مع عملية كبرى سوف تحقق خروجا وتقاعدا مشرفا من الحكم ،وتلقي بالحمل على عاتق السلطة، مع اعتبارات أنها تستطيع الاحتفاظ بقوة بشرية وعسكرية قادرة على قلب الطاولة في أي وقت لا يناسبها فيه الوضع القائم .
إذن بدلا من نزع “الصوار.يخ” وإتلافها فيما يبدو إنهزاما سياسيا، ارتأت حما.س إطلاق أكبر قدر منها في معركتها ، مع إبقاء عدد منها للتنقيط خلال المعركة والحصول على مزايا ذلك وفق مجريات كل مرحلة ،علما أن حما.س فعلت ذلك معتبرة أن تلك الخسائر أمر يمكن تعويضه،بمعنى أن تصنيع كميات أخرى لن يتطلب جهدا ووقتا كبيرا مثل السابق،ومن أتقن حفر الأنفا.ق لن يعجزه تجديدها أو حفر غيرها، وكان ذلك دافعا للإيمان بأن خسارتها في الحر.ب لن تكون غير قابلة للتعويض، إلا في حالة خرجت دون نتيجة ومكتسبات كبيرة تحفظ لها صورة التقاعد المشرف ، وتلك المكتسبات لا تقتصر على تحرير الأسرى فحسب،وإنما طموح حما.س أن تحصل على التزامات للحل السياسي فيما يجعلها كمن وضع اللبنة الأولى على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ،ولو لاحظنا كثر الحديث والتصريحات عن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية في الأوساط الأمريكية والدولية، حيث تستخدم أمريكا تلك الورقة في الضغط على نتنيا.هو المتعنت من جهة، وتحاول جذب بعض الدول العربية المؤثرة سواء سياسيا أو اقتصاديا من خلال منحها ورقة هامة تتعلق بالقضية الفلسطينية من جهة أخرى ، يريدون دولة؟، لنعطهم إذن هيئة الدولة، غير أن الجميع يدرك أن تلك الدولة لا مقومات لها مطلقا، كما أن وقت بايدن ينفد ولا متسع لتحقيق أي إنجاز سياسي في بضعة أشهر، وهو يدرك أن هذه المبادرات لا قيمة لها ،وقد تستغل فقط كأوراق انتخابية مثل سابقيه ،لكنه رئيس مهزوز ومن الواضح أنه ليس بكامل صحته العقلية وأن هنالك من يوجه السياسة الأمريكية في هذه المرحلة من خارج البيت الأبيض.
وفي عودة لحما.س وتقاعدها، تحاول الآن كسب الوقت، تنازلت عن بعض الشروط مرتفعة السقف ،والتي وضعتها فعليا وهي مدركة أنها تحظى برفض مسبق ، لكنها تسعى على الأقل لتحقيق هدنة طويلة تمهد لوقف إطلاق نار شامل ، تستطيع من خلاله تحقيق مكتسبات المعركة التي رسمتها ، وتحرص حما.س على ما يبدو أن تظهر لجميع الأطراف أن لديها خيارات متعددة وخطط بديلة، فهي ترسل رسائل للدول العربية من خلال تصريحها أن الوضع الداخلي هو شأن خاص بالفلسطينيين،ولا مانع أن نتفاهم عليه،بمعنى أننا مستعدون لترك الحكم وتقديم تنازلات ولكن بشروط معينة تحفظ للحركة مزاياها التي تظهرها كحركة مقا.ومة .
وترسل رسالة لإسرا.ئيل، أنها جاهزة لاستمرار الحر.ب طويلا من خلال استنزاف الجيش والرهان على جيوب مقا.ومة متعددة ومنتشرة في كافة أنحاء القطاع،مما يحقق رؤية تحول قطاع غزة إلى مستنقع من الوحل، ساحة ممتدة من الركام ومئات الآلاف من النازحين الجياع،مع حر.ب لا تنتهي ،وهذا سيناريو ليس جيدا لإسر.ائيل،حتى وإن بدا مناسبا لنتنيا.هو ،فذلك مصلحة وقتية،بمعنى أن نتنيا.هو يريد أن تطول الحر.ب ولكن ليس لسنوات ولا بطريقة صراع مفتوح مع حر.ب شوارع لا تنتهي.
كما تلوّح حما.س للسلطة بورقة محمد دحلان ،وبدا ذلك واضحا من خلال اجتماع هنية دحلان وتباحثهما لمرحلة ما بعد الحرب، وهذا لا يعني البتة اتفاق حما.س مع دحلان،بقدر ما هو تلويح للسلطة أن لدينا بدائل حال تشددت السلطة في متطلباتها على الأرض خلال التفاهمات المطروحة لاستلام الحكم .
وفي نظرة لكل ما حدث ويحدث يغيب المواطن الفلسطيني تماما عن القرار، الكل يفرض وصايته على شعب أعزل جائع مشرّد، تعرض لكافة أنواع الإذلال والإهانة والقتل والدمار ، وكأنه مجرد ورقة على طاولة القمار الدولية، والتي افتتحت حما.س جولتها في مقامرة السابع من أكتوبر ، وحتى الآن لا تبدو ورقة الشعب الفلسطيني رابحة على الإطلاق .