أ.د.جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
أمد/ في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة للشهر الخامس على التوالي، هل تعلمون ماذا يعني أن يكون “غصّة في قلبك”؟، معناها يا عزيزي القارئ ألا تجد كلام أو صراخ أو بكاء يوازي حجم ألمك، معناه أن تقف عاجزا أمام جوع أبنائك ومرضهم، معناه قلّة حيلتك ونفاذ أموالك، أن تصل هشاشة قلبك لأبعد حد ممكن أن تتخيله، بعد 35 عاما من عمرك ولا تعود سوى بخفي حنين، يعني أن تفقد أحبابك وجيرانك ولا تستطيع تعزيتهم، يعني أن تفقد بيتك الذي اشتريته من قوت أطفالك، يعني فقدانك الشغف بأي شيء، وأن تنسى أصلا كيف كنت تحتضن أحبابك.
غصة القلب تعني أن تخرج التنهيدة من قلبك كلما تذكرت شيئا من الماضي الجميل، يعني 5 أشهر من الرعب والخوف والموت والجوع والقهر والذل، يعني أن يأكل الشوق لحياتك السابقة كل عظام صدرك وظهرك وأنت لا تستطيع معرفة لماذا حدث كل هذا من الأساس، يعني ألا تستطيع أن تعبر عن معاناتك سوى بالكتابة فقط.
وفي ظل غصة القلب التي تعيشها يوميا في حياة النزوح في رفح جنوب قطاع غزة، تجد الكثير من الثرثرة الفارغة التي كانت ولا زالت وقود تشعل هذه الحرب الضروس المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، مثل تصريحات لم أجد لها معنى، أولها هو أن “أحداث 7 أكتوبر أعادت القضية الى الواجهة”.. فأي واجهة التي يتحدثون عنها، وماذا سيحدث لو وقفت القضية في الواجهة؟ هل المطلوب من شعبنا أن يدفع ثمن هذه “الواجهة” بـ30 ألف شهيد و70 ألف جريح وتدمير القطاع برمته؟ ماذا استفادت غزة من عودة القضية الى الواجهة؟ وأين كانت القضية قبل السابع من أكتوبر؟
أما التصريح الفارغ الثاني فهو أن الحرب على غزة ستجبر العالم على “الاعتراف بالدولة الفلسطينية”، فأي دولة تتحدثون عنها؟ وأين هي؟ ما هي عاصمتها؟ ما هي حدودها؟ كفاكم اشعال وقود هذه الحرب، ارحموا هذا الشعب المكلوم، كفى ثرثرة فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ينبغي على قادة حماس أن يقتنعوا أن قرار وقف إطلاق النار بغزة مرهون بإقناع 280 ألف مستوطن بالعودة لمستوطنات غلاف غزة، مما يؤكد أن الحرب مستمرة ألى أن يتم تأمين جدار أمني وسياسي وجغرافي لمدن غلاف القطاع.
لابد على قادة غزة أن يفهموا أن الأمر لا يتعلق بالصبر وأن صبر شعبنا أطول من صبرهم، على صانع القرار بغزة أن يقتنع بأن القضية تحتاج عامين على القرار، وأعتقد بأنهم يفهمون ذلك جيدا، الأمر الذي يفرض عليهم قادة حماس “إن كانوا حكماء” أن يقرأوا المشهد جيدا، ويحافظوا على ما تبقى من الإنسان في غزة ومن غزة نفسها وإن كان متأخرا، ماذا لو اتعظت حماس من معركة مؤتة وحكمة خالد بن الوليد؟