د. وجيه ابو ظريفة
أمد/ انتصرت الطائرات الحربية الاسرائيلية علي جدران بيتي وأسقطتها .
وغلبت قوة الصواريخ العملاقة ، قدرة أعمدته الشامخة علي الوقوف في مواجهاتها.
وحولت آلة الحرب الهمجية طبقات منزلى الأربعه إلى ركام .
استطاعت القوه الغاشمة ان تهزم المنزل ، وان تهدم البيت في حي الامل بخانيونس ، بعد أن هدمت بيتي ومكتبي في مدينه غزه .
ولكنها عجزت وستعجز عن هزيمة الذاكرة والذكريات ، رغم سقوط آخر القلاع التي بنيناها في مسيره ثلاثون عاما من الجهد والصبر .
ثلاثون عاما باكملها مسيره إنشاء هذا البيت حتى اكتمل .
ثلاثون عاما من الامل والعمل لإنجاز بيت يأوى الابناء والأحفاد بسكينة وسلام ويبقى لأجيال تتذكرنا فيه .
ثلاثون عاما سحقتها أسلحة الفاشية الجديده في ثلاثين ثانية وربما اقل ، ودمرت بيتي وبيوت ابنائي وعائلاتهم التى سكنوها منذ اشهر قليلة فقط .
علي مدى الثلاثون عاما جبلنا التراب بالدموع ، وخلطنا الأسمنت بالدماء ، ووضعنا طوب المنزل قطعه فوق قطعه ، كما سنوات العمر فكل طوبة استغرق بنائها زمن خصم من أعمارنا .
جاهل من يعتقد أن مباني بيوتنا مجرد أشياء مادية جافة ، فهى تراث عقود من السيره والمسيره .
آثار اقدام امي التى أراها علي ارضية البيت رغم تغييرها مرات ومرات .
بصمات أصابع ابنائي وهم اطفال التى طبعت علي جدرانه رغم مرور عشرات السنوات .
بيت جمع في جنباته افراح لا توصف ، امتلأ بالورود والزغاريد في مناسبات عظيمة ، من نجاحات دراسية ، وتخرج جامعي ، وحفلات زواج .
بيت ضمد جراحنا في كل مصاب جلل ، من فقدان للأحبة ، او حزن صديق ، او لآلام الوطن .
بيتنا لم يكن بيتا لنا فقط ، بل كان مستقرا للأصدقاء والرفاق والأحباب ، يشعرون فيه بالترحاب والاعتزاز والكرم .
منزلا للمحتاجين والمحرومين ، يلبي حاجه المحتاج ويذود عن مظلمه المظلومين ويحتضن النازحين بترحاب .
تعاتبنا حجاره البيت ،
تصرخ في وجوهنا عتباته ،
فقد تركناها وتركها العالم وحدها ، تواجه الحديد والنار وتتصدي لدبابات الاحتلال وطائراته .
صمدت كشعبنا مرات ومرات ، ولكنها انهارت في النهاية ، لتدفن معها أحلامنا ، ولكن تحتضن ذكريتنا وتحميها وتجثم فوقها ، خشية أن يخترقها جنود الاحتلال ، بعد أن اخترقت صواريخهم الجدران .
لا الم يضاهي فقدان من نحب او ما نحب ، ولكن لان الظلم سمة الكون الحالي ، أعطى الاحتلال حق الدفاع عن النفس في مواجهة جدران بيوتنا ، وحرم هذه البيوت حتى من آهات الالم لكي لا تكون معادية للسامية ولا توصم بالأرهاب .
لكن سينهزم هذا العالم الظالم امام ذاكره الاطفال ، الذين ينظرون الي ركام بيوتهم ، وتحتها ألعابهم وحقائبهم المدرسية وأحلامهم البريئة .
ستنهزم الفاشية اما شهادات العلم المعلقة علي جدران البيوت .
وستفشل العنصرية في طمس مصير أمة ، حتى وان دفنت مكتباتها ومؤسساتها تحت الركام .
وسيزول الظلام يوما ما رغم تدمير كل الجامعات والمدارس ومنارات العلم .
وسيبقي شعبنا يحمل في قلبه صور الراحلين من الاحبة ، التي دفنها العدوان تحت ركام منازلنا .
انتقمت منا اسرائيل بقصف بيوتنا ومكاتبنا بسبب تغطيتنا الصحفية للعدوان ، لانها تخشى الحقيقة التى ننشرها للعالم عبر اكبر وسائل الاعلام في العالم ، ولكن سنظل كصحفيين فلسطينيين ننقل الحقيقة بصدق وبموضوعية ومهنية ، وسيبقى شعارنا الخالد .
( بالدم نكتب لفلسطين ).
وسنلاحق اسرائيل امام ضمير الإنسانية ، ونحاكمها امام التاريخ ، ونحاسبها امام العداله ، معهما كلفنا ذلك من ثمن.
مؤلمه ان ترى ما بنيته في عقود ينهار امام عينيك في ثواني
مؤلم ان تشعر بالعجز وقله الحيلة امام ما يجري
مؤلم أن تشعر بالخذلان
ولكن رغم فداحة الخسارات ، إلا ان الأمم والشعوب لا تموت ولا تنسى ولا تغفر .