علاء مطر
أمد/ مع استمرار حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة من شمالها الى جنوبها، يتابع الجميع أخبار جهود التهدئة ووقف إطلاق النار في القطاع، لعل العزيين يتنفسون ولو قليلا، ويتوقف شلال الدم المستمر منذ أكثر من ستة أشهر، ويستطيع أهالي القطاع عيش أجواء شهر رمضان المبارك والتي حرموا منها هذا العام، ولو متأخرا، فأن تأتي خيرا من ألا تأتي أبدا.
إن المتابع لما يجري في الأروقة الدبلوماسية الدولية، التي تتحدث عن مبادرات لوقف إطلاق النار، أو هدن مؤقتة، يرى أن أهل غزة قد وقعوا فريسة للجانب الإسرائيلي الذي يعمل على إبادة الفلسطينيين، في مقابل قيادة حماس التي أخطأت التقدير لرد الفعل الإسرائيلي على عملية السابع من أكتوبر الماضي، وهو ما تسبب في إطالة أمد الحرب، والمزيد من القتل والدمار.
في الجانب الإسرائيلي، هناك رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، المأزوم والمعروف بتلونه، والذي من المؤكد أن اليوم التالي لانتهاء الحرب، سيكون في السجن أو المحاكمة، وأنه سيترك منصبه السياسي، والذي يدرك جيدا أن أي وقف فعلي لإطلاق النار واسكات أصوات المدافع المسعورة، سينعكس عليه وجوديا وانتخابيا ويفكك حكومته ويقوده إلى السجن، لذلك تراه يناور، تارة بموافقة باهتة لهدنة مؤقتة لا تتجاوز الأيام أو بضع أسابيع في أحسن الأحوال دون الحديث عن وقف كامل وانسحاب شامل من القطاع، وتارة يلوح باجتياح رفح لاتمام مهمته.
إن نتنياهو الذي أعلن منذ بدء الحرب عن أهدافه المتمثلة بالقضاء على حكم حماس للقطاع وتدمير بنيتها العسكرية واستعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين بغزة، اتخذ من المناورة والمماطلة سبيلا لعدم إنهاء الحرب، في محاولة منه لتصدير أزمته الداخلية لغزة والضفة الغربية، لن يوقف الحرب إلا إذا وقع حدثا داخليا قاسيا يجبره على ذلك، والذي بدأت تظهر للعلن ملامحه، خصوصا بعد المظاهرات الحاشدة التي ينظمها أهالي الأسرى الإسرائيليين بغزة مطالبين بوقف الحرب وإطلاق سراح أبنائهم، بالإضافة الى مسيرات أخرى تطالب بانتخابات مبكرة وحل حكومته ومحاكمته، ففي حال استمرت هذه المظاهرات وازدادت عددا وحشدا وضغطا سيوقف نتنياهو الحرب مرغما وتحت الضغط.
وفي الجانب الآخر، هناك مسؤول حماس بقطاع غزة يحيى السنوار، والذي تؤكد إسرائيل بأنه المسؤول الأول عن عملية السابع من أكتوبر التي قلبت الدنيا رأسا على عقب، والتي ردت عليها إسرائيل بعدوان وحشي طال الحجر والبشر، دفعت غزة فيه ثمنا باهظا وتلقفت فيه أطنانا من القنابل المحرمة دوليا، فبات القطاع غير صالح للحياة أو العيش فيه.
السنوار الذي لا يستطيع وفد حماس المفاوض في الدوحة، اتخاذ أي قرار دون موافقته، وفقا لما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ووفقا لما هو متوقع طبعا، يتمسك بمطالبه تحرير الأسرى الكل مقابل الكل، أي تبييض السجون من جميع زملائه الذين كان قد وعدهم قبل خروجه في صفقة شاليط بأنه سيحررهم بكل الطرق، يعلم بأن هذه الأيام هي آخر أيامه في رئاسة حركة حماس بغزة، خصوصا وأن القانون الداخلي للحركة لا يسمح للشخص بالترشح لقيادة الحركة أكثر من دورتين، وهو الذي نجح مرتين في قيادة الحركة بغزة، إذن فهو في آخر أيامه بمنصبه الحالي، وليس لديه شخصيا ما يخسره.
بين موقف السنوار ونتنياهو فجوة كبيرة، وهناك من يسعى إلى توسيعها وآخرون إلى تصغيرها، بينما يعيش في الوسط أكثر من مليوني غزّي في الخيام بلا مأوى، وبأمعاء خاوية تتضور جوعا من قبل رمضان بـ 5 أشهر، بأجسادهم التي انتهشها المرض والجوع دون أي رعاية طبية، في ظل فتات من المساعدات المغمسة بالدماء، وإهمال الجميع لما يعانيه الشعب من همّ وكابوس يزداد سوادا يوما بعد يوم.
في ظل ذلك، تتبادر إلى الأذهان الكثير من التساؤلات: هل تنجح المفاوضات في وقف الحرب على غزة في ظل تعنت الاثنين؟ أم أنه لم يعد هناك ما يخسره الرجلان؟ أليس من حق شعبنا العيش كباقي شعوب العالم؟
للإجابة على هذه الأسئلة، تختلف الآراء باختلاف طرق التفكير طبعا، لكن ما أعرفه أنه لابد من وقف هذه الحرب بأي ثمن، فلقد كنا نطالب بعودة اللاجئين إلى قراهم عام 1948، لكننا اليوم نطالب بعودة النازحين إلى شمال غزة، وبعدما كنا نطالب بإقامة دولة مستقلة على حدود 1967، أصبحنا نطالب بانسحاب إسرائيل من حدود قطاع غزة، كما أننا كنا نبني مؤسسات الدولة، لكن أصبحت أقصى أمانينا هو إعادة الإعمار، الأمر كله يحتاج إلى مراجعة.. فلتتوقف الحرب فورا، ولتراجع حماس وغيرها من الفصائل طريقتهم في تحرير فلسطين فيما بعد..