صالح عوض
أمد/ مثقلا بتاريخ القتل والابادة يتحرك الكابوي الامريكي في مجال السياسة والثقافة والاعلام ليس له يدين الا من حديد وليس له كلمات الا من خديعة وليس له من قلب الا من حجارة.. كالوحش يقابل غنيمته يمزق احشاءها ولا يرعوي عن فعلته بسبب نحيب الضحية وتوسلها وسخائها بتقديمها كل ابنائها.. والأسوأ من ذلك كله تزييفه للوقائع وفرضه روايته على الجميع.. ملايين البشرمن سكان البلاد الاصليين بلاذنب تم قتلهم وتحويل الباقي منهم الى محميات.. في فيتنام اكثر من خمس مليون تم قتلهم وملايين اخرى تم حرقهم وقتلهم في افغانستان والعراق، وهورشيما ونجزاكي تنبؤك بالخبر اليقين.. فإلى أين يقود المنطقة بالاعيبه الممجوجة.. هل سيكتفي بملف فلسطين؟
مجلس الامن والمقترح الأمريكي:
بعد مداولات عديدة وتعديلات حول صيغة المقترح الامريكي لمجلس الامن حول الحرب الصهيونية على قطاع غزة رفض مجلس الامن المقترح وهنا لابد من وقفة تأمل لان الذي حدث يكشف عميق الرؤية الامريكية كما أنه يكشف مآلات الموقف الروسي الصيني و وبشكل عام يمنح للمترددين شعبيا ورسميا كشف جوهر الموقف الامريكي من الحرب.
لقد كان شرح مندوب الجزائر في الامم المتحدة للمقترح الامريكي وافيا وواعيا.. حيث أوضح المندوب الجزائري أن المقترح انما هو لتوفير غطاء دولي ومبررات إضافية لمزيد من العدوان الصهيوني وأن الوجه المقترح بوقف لاطلاق النهار يتجاوز كل الواقع والجرائم المرتكبة وهي فرصة للكيان الصهيوني للافلات من العقاب..
كما أن تشارك الصين وروسيا في المعارضة بالفيتو يعني بوضوح ان هناك رؤية اكثر من كونها فقط رفض للمقترح الامريكي فلقد كان يكفي ان يتخذ أي من البلدين موقف معارضة ليسقط المقترح الامريكي فلماذا تشارك البلدان في موقف سياسي واضح ضد المقترح.. ان ذلك بلا شك يعني جملة مسائل أولها اعلان تحالف على مستوى قمة القرار الدولي ضد الموقف الامريكي وهذا من جهة يعني تحرير المؤسسة الدولية من التفرد الامريكي ثم مسألة اخرى تخرج للعيان وهي تكشف أن قضايا الصراع القائمة والمتنوعة في أكثر من مكان بدءا من اوكرانيا والنفط والمشرق العربي ستشهد جميعا اشتباك لن تستطع الولايات المتحدة كسب الغطاء الدولي فيه.
لايمكن فهم الموقف الامريكي من الحرب الصهيونية على غزة الا اذا فهمنا جيدا من هو صاحب القرار في الولايات المتحدة الامريكية وما هي طبيعة علاقة صاحب القرار بالكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني.. ان عدم الوقوف بتريث أمام هذه القاعدة التأسيسية للوعي يعني بوضوح أننا سنصاب التناقض والدوار مع متابعة سير الموقف الامريكي.. وباختصار شديد نقول أن صاحب القرار في الولايات المتحدة هي لوبيات الضغط الاقتصادية التي تتحكم بالاقتصاد الامريكي ومن تم التحكم في البنوك المركزية في العالم و توجيه الاقتصاد العالمي لتحقيق مزيد من الربح، وهذه اللوبيات تمتلك ادوات عديدة تتحرك وفق رغبتها ومن هذه الادوات او على رأسها الدولة الامريكية المرهقة بديون فاقت الحد جراء حروب وصراعات في شتى انحاء العالم وهذا ما يوفر فرصة عظيمة في ضخ المصانع والشركات الامريكية واستحواذها على ثروات العالم.. وهكذا يصبح الرئيس الامريكي موظف كبير لدى هذه الجهات التي تحدد حطوط تحرك البيت الابيض من هنا يظهر الرئيس الامريكي في احيان كثير كالاركوز يكذب ويخلف ما يعد به..
هذه قاعدة تأسيسية من الضروري فهمها وادراكها لنفهم القاعدة التأسيسية الثانية وهي طبيعة النظام الدولي الجديد الذي استطاع تدمير الامبراطوريات والاقتصادات المستقلة حيث عمل كبار رجال المال في امريكا وبريطانيا منذ اكثر من قرن ونصف الى الامساك بخيوط العملية الاقتصادية في العالم ووضعوا لذلك خطة على كل المستويات الثقافية والسياسية والامنية والاقتصادية وحركوا الجيوش والاعلام ورجال الدين وكونوا احزابا ونخبا ثقافية في كل بلد تروج لهم .. وهذه القاعدة التأسيسية الثانية تكشف قوة المخطط الدولي للحكومة السرية وتنوع ادواتها حيث تصبح الحروب والتسويات والنزاعات انما هي مجالات لتقدم ادواتهم للتحكم فيها وتوجيهها الى حيث المصالح المالية للعصابة.
لكي ينجح النظام الدولي كان لابد من تدمير”الامبراطورية العثمانية” والامبرطوريات الاخرى جميعا اليابانية والالمانية وسواهما من امبرطوريات العالم وهنا نقترب من مفهوم العولمة اي خضوع العالم كله لسياسات اقتصادية وسياسية وامنية وثقافية يحددها قادة النظام الدولي الذين انشأوا لذلك مؤسسات دولية اقتصادية كالبنك الدولي وسياسية كالامم المتحدة ومجبس الامن حيث يتم التحكم في العالم وسوى ذلك من مؤسسات تسير جيمعا في توجه واضح وهو تحويل العالم جميعا الى رعية مستعبدة لصاحب الامر في الحكومة السرية مجموعة كبار رؤوس المال.
في منظومة الادوات الاساسية مثلت الحركة الصهيونية احد اهم الادوات والاسلحة المضمونة لضمان النجاح في البلاد العربية والاسلامية وقد صرح بايدن بذلك بوضوح عندما قال: لو لم تكن اسرائيل موجودة لكان علينا لزاما ايجادها.. ومن هنا يأتي قولهم المتكرر ان على اسرائيل واجب الدفاع عن نفسها ولم يكتفوا بصيغة انه من حقها ذلك لان على اسرائيل الدفاع عن نفسها لان ذلك يعني نجاعة دورها في المنطقة.. وفي لحظات ما يفقد بعض قادة الكيان الصهيوني التركيز على الوصايا فيتم قتله او نفيه او سجنه لانه خرج عن المطلوب.. ان امر الكيان الصهيوني ليس بيد الاحزاب اليهودية ولا القيادات انما هم اجراء مرتزقة ينفذون ما يملى عليهم مهما حاولوا اظهار دلالهم على الامريكان في مبالغتهم في تنفيذ المهمة.
لهذا نرى التناقض في الموقف الامريكي الرسمي لان مهمته تكمن في عملية الاخراج لابشع القرارات واقساها المملاة عليه من جهات التحكم المباشر.. وهكذا تابعنا الموقف الرسمي الامريكي المتردد المتناقش المشبع بالكذب والهستيريا..
ويضظر الحاكم الامريكي وطاقمه ان يملأ الفراغ وذلك بصناعة موقعي توجيه حيث لم يكتفوا بمجلس الامن الذي كان حكرا لهم على مدار الصراع والذي اعطاهم غطاء تدمير العراق وافغانستان وليبيا فراحوا لتاسيس منصة اخرى انها الدوحة للتفاوض حيث حققت لهم هذه المنصة نجاحات في افغانستان تم التوافق فيها مع طالبان على قضايا من الصعب طرحها في مجلس الامن.. والان تتحرك المنصة بالقرب من القواعد العسكرية في السيلية العسكرية وهي قاعدة عسكرية أمريكية تقع قرب العاصمة القطرية الدوحة. استخدمتها القيادة المركزية الأمريكية كمقر لإمداد وتهيئة المعدات العسكرية واللوجيستية اللازمة للاستخدام في العمليات العسكرية الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان.
في الدوحة وبتوجيه امريكي وتفويض يتم التفاوض مع قادة حماس ومنحهم فرصة امان لمواصلة الحوار في قضايا عديدة لن يكون الوضع القتالي وحده المهم وفي المفاوضات المتواصلة يتم تمرير افكار عديدة من اجل صياغة عقل سياسي فلسطيني يقتنع في النهاية ان امريكا لديها مفاتيح الحل والاغلاق.. تستمر المفاوضات مع سيل من التصريحات الامريكية تدعو الى التفاؤل والصعوية والاقتراب والابتعاد ولكن كل هذا لم يؤثر على سير العملية الاجرامية المتواصلة في قطاع غزة.
من هنا تأتي العملية السياسية حول المقترح الامريكي في مجلس الامن في محاولة ارهاق للمفاوض الفلسطيني الذي لم يعد لديه ما يقوله بعد ان جزءوا له الهدنة بتفصيلات مهينة ولكنهم يريدون كسب الوقت لاستمرار المذبحة ولايصال المقاومة الى حالة الارهاق ولكي يوفروا المناخ لتولد فئة سياسية فلسطينية مناسبة لمشروعهم على انقاض المقاومة..
ومن حين الى اخر يخرج من افواه القادة الامريكان حقيقة موقفهم فلقد اعتبروا في لحظة ان الارقام غير صحيحة وان القتلى ليسوا مدنيين بل كلهم مقاتلون من المقاومة.. ويتم الحديث من حين الى اخر عن موافقتهم على الحرب لكنهم يزينون موقفهم بمطالبتهم بتقليل عدد الضحايا.
:
لن نكتفي بما قاله الناطق باسم الاتحاد الاوربي بان غزة اصبحت مقبرة لكل مباديء القانون الدولي.. لاننا لا نؤمن اصلا ان هناك قانون دولي انما هناك تشريعات صنعتها القوى الاستعمارية كي تنفذها على المستضعفين وتظل كل القوى المجرمة في منأى عن الخضوع لهذا القانون.. ولكننا مع هذا ندرك ان هناك رهانات للاستعمار خائبة ونتيجتها الوبال على النظام الدولي.. وان ما صرح به الصحفي اليهودي توماس فريدمان بان نتنياهو هو الزعيم الاسوا في تاريخ اليهود يصب في كلام رئيس الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ وهو يهودي حيث وجه كلاما قويا ضد نتنياهو وحلمه كل مسؤولية الجرائم وقد رفض طلب نتنياهو التحدث امام الاعلبية الديمقراطية.. وفي هذا السياق تعلو اصوات يهود كثيرين في امريكا واوربا بل وفي داخل الكيان الصهيوني وهي تعلو بلون جديد يهدد استمرار الكيان الصهيوني وليست الهجرة المتصاعدة واعلان غالبية من خرجوا موقفهم بانهم لم يعودوا اعضاء في هذا الكيان..
هنا نقترب من الاشارة الى عوامل سقوط المخطط الدولي الذي اصابه كثير من الغرور والغطرسة وهنا تبدو الهزيمة ليست جزئية بل هي هزيمة لهدم الهيكل كله في فترة وجيزة حيث ان فلسطين ليست مجال عملية استعمارية فقط او مجال استثمار مالي محدد انما هي رابط وناظم المشروع الاستحواذي جملة.. هي قاعدة التحكم في انهيار الامة العربية والاسلامية وهي فنبلة التفجير التي تقتل كل من حاول فك طلاسمها.. ولهذا كان عليهم ان يجعلوا من هذه القاعدة التفوق المستمر النوعي جنبا الى جنب تدمير كل محاولات الوحدة والقوة في المنطقة العربية والاسلامية.
تجيء الحرب المسعورة بهذه الطريقة لتلغي احتمالات الخطر المحتملة ولعله من الضروري التأكيد على ان نتنياهو هو الاكثر وعيا بالنظام الدولي والاكثر ادراكا ان النظام الدولي يحتاجه هو وعلى هذا فهو يرفض وبقوة التدخل في مواقفه من قبل الرئيس المحكوم في امريكا.
وهنا نكتشف أي قوة وعي حملها فعل 7 اكتوبر عندما اصاب كل المعنيين بالنظام الدولي بان قاعدتهم قابلة للانهيار بمعنى ان تحررا كبيرا سيحل بالمنطقة العربية لاسترداد الحقوق والسيادة.. ورغم كل ما يبدو من تخطيط وتنفيذ الا ان التخبط والقلق والجنون هو سيد الموقف..
في الكيان الصهيوني تصدع ذاتي كبير بين التوجهات والسياسات والتكوين الاجتماعي ومن المضحك انك ترى التطرف اليهودي العنصري يتحرك بقوة ولكنه لايدرك حقيقة علاقة هذا الكيان بالنظام الدولي مما يدفعه الى التبجح الغبي بانه ليس خاضعا لاحد في العالم وانه يبحث عن الاستقلال عن المعونات الامريكية .. هذا الفهم لدى اليمني اليهودي الغبي العنصري احد اسباب حقيقية في تدمير الكيان الصهيوني مرفوقا به موقف الحاخام الاكبر الذي يهدد برحيل مليون يهودي من فلسطين اذا اتخذ قرار يتجنيد الحريديم.. اما الاقتصاد فلقد اصبح الكيان الصهيوني مرهقا مثقلا بديون وفشل واسع للشق الاقتصادي الخاص به واما على الصعيد الامني فلا اقل من الاشارة الى ترحيل نصف مليون على مدار 6 اشهر من بيوتهم والجائهم الى مراكز الايواء.. الحديث عن اثار الحرب على الكيان الصهيوني يفسره هذا التخبط في القيادة والعسكر والامن والاحزاب وان استمرار الحرب رغم كل جريمتها يعني مزيدا من الانهيار داخل الكيان الصهيوني.
مع هذا يبدو ان رهانات النظام الدولي تصل الى نتائج خائبة فلئن كان النظام الدولي اخصى الحكام ونزع منهم قيم الرجولة والنخوة الا ان الشعوب خارج هذا الرهان وما ينجزه اليمنيون واللبنانيون والعراقيون هو في الحقيقة طريق اصيل للتحرر والاسناد والقوة وسيجد سبيله في كل محيط فلسطين ومحيط المحيط ولن تقبل جيوش العرب ولا شعوبهم المزيد من الذل والمهانة والانتظار حتى تتقدم دبابات الصهاينة الى العواصم العربية كما فعل الامريكان بالعراق وليبيا.. ان الغد يحمل تباشير النصر العربي الكبير والله غالب على امره.