د. محمد الموسوي
أمد/ يبدو لي أن الأمم المتحدة كيانين يعملان بمعزل عن بعضهما البعض ولا تترابطان إلا عندما يتطلب الأمر؛ الأول كيان يعني الكبار وهو مسؤول عن القرار وتوجيه العالم كيفما ينبغي أن يكون ويرسم سياساته الخمسة الكبار وأحيانا يرسمه ثلاثة منهم ويعمل الطرفين الآخرين، والكيان الثاني هو الكيان الحقوقي المتعلق بحقوق الإنسان والمرأة والطفل وسائر الحقوق وهو مشاع للآخرين ومعظم تطبيله للاستهلاك الإعلامي ولا يتجاوز متنفس لشكاوى الشعوب المستضعفة، وأغلب ما يصدر عنه غير مُلزِم إلا إذا تعلق الأمر بقضية تخص الكبار، وهذا هو المسار السائد منذ قيام تلك المؤسسة الدولية ولم يبدر يوما أن أصدر هذا الكيان الثاني ما ينصف المستضعفين في العالم أو حتى ما يستر مواثيق هذا العالم المهتوكة.
لقد اعتدنا ذلك منذ بعيد؛ لكن ما جد هو تعالم تناقضات المجتمع الدولي العاجز عن التوفيق بين أركانه وحماية مواثيقه وشعاراته بشكل يدعو إلى السخرية والشفقة، والأدلة اليوم بلا خصر ولا عد في إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وكان التعاطي متباينا من مكان وحال لآخر، ولم تتخطى المواقف الرسمية فعالة للمجتمع الدولي سوى مواقف لنزع قدرات الدول وليس معالجة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون المسمى بالدولي.
يتزامن ترأس نظام كهنة الولي الفقيه لمؤتمر نزع السلاح التابع للأمم المتحدة مع تقرير أممي هام لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن انتفاضة 2022 سلط الضوء على القمع الواسع ضد المتظاهرين في إيران،وأدان التقرير نظام كهنة الملالي وما جاء فيه كان مثيرا فاضحا وقد عقدت هذه البعثة الأممية مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على النتائج التي توصلت إليها والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت خلال الاحتجاجات خاصة ضد المتظاهرين من النساء والفتيات والمناضلين من أجل المساواة والحقوق، وقدمت البعثة بقيادة الخبيرة الأممية سارة حسين تحليلاً شاملاً للوضع وأشارت إلى أن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سياق هجوم واسع النطاق وممنهج ضد المتظاهرين.
ذكرت السيدة سارة حسين رئيسة البعثة بشأن مضمون التقرير قائلة: “طوال هذه الفترة ما شهدناه كان محاولة لإسكات كل من يسعى إلى تحقيق العدالة، وتُظهر تحقيقاتنا أن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان قد حدثت فيما يتعلق بـ الاحتجاجات بما في ذلك الوفيات غير القانونية، وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاستخدام غير الضروري وغير المتناسب للقوة، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري وخلصنا أيضا إلى أن بعض هذه الأفعال كانت جزءا من هجوم واسع النطاق ومنهجي خاصة ضد النساء والفتيات، وكذلك ضد أولئك الذين يدافعون عن المساواة والحقوق مما يشكل جرائم ضد الإنسانية” كما سلط أعضاء البعثة السيد شاهين سردار علي والسيدة فيفيانا كرستيسيفيتش الضوء على جوانب أخرى عديدة في تقريرهم ومؤتمرهم الصحفي كالقمع الذي يتعرض النساء والرجال والأقليات الدينية والعرقية مشددين على أن تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية في إيران هو بسبب الإفلات من العقاب داعين المجتمع الدولي إلى استخدام الولاية القضائية العالمية لتوفير قدر من العدالة وتعويض للضحايا مؤكدين أيضاً أنه نظرا لمصادقة إيران على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري هناك هو إمكانية التدخل في حالات الانتهاكات الجسيمة لهذه الاتفاقية وإحالتها إلى محكمة العدل الدولية عبر إجراءات مؤقتة.. وهذا هو أحد المسارات التي درسناها وهو مفتوح للمحاسبة.
أما ملالي السوء فكان ردهم متناقض ولا يعبر وجود دولة ومؤسسات حيث رفض كاظم غريب آبادي نائب الشؤون الدولية في السلطة القضائية في سلطة الملالي تقرير البعثة خلال كلمته في جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف وزعم أن ما يسمى بتقرير تقصي الحقائق يفتقر إلى الصحة والمصداقية القانونية والقضائية مؤكدا رفض نظامه للتقرير، وفي حين أن جميع أحكام الإعدام في إيران تُنفذ تحت إشراف هذه السلطة القضائية يأتي كاظم غريب آبادي ليقول: إن التقرير يعمل على ترديد وإضفاء الشرعية على الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة والتي يتم تقديمها بشكل متكرر في وسائل الإعلام المناهضة لإيران ومن منصات بعض الدول الغربية دون ذكر أي مصدر موثق.
الطامة الكبرى هي أن لجنة تقصي الحقائق لم تتقصى سوى عن صفحة واحدة من صفحات كوارث نظام الكهنة.. تقصت اللجنة عن انتفاضة سنة 2022 ولم تتقصى عن أربعة عقود ونصف ولا عما جرى في السجون طيلة هذه العقود المنصرمة، والطامة الكبرى أيضا هي أن المجتمع الدولي يعلم بتفاصيل جرائم النظام كلها؛ لكن التلحف بثوب العار لدى المجتمع الدولي من الأمور البسيطة التي يمكن تبريرها كل لحظة وساعة لذلك أتاح الفرصة لنظام الكهنة المارق على القوانين والقيم الأعراف ليترأس مؤتمر نزع السلاح، ولا نعلم بماذا سيفاجئنا المجتمع الدولي بعد اليوم.. هذا وللحديث بقية.. وإلى عالم أفضل.