د. ماهر الشريف
أمد/ لم تكن إسرائيل معزولة على مستوى العالم مثلما هي اليوم جراء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة، وهي ظاهرة ترافقت مع عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة السياسة العالمية، وذلك بعد سنوات شهدت تعزز مكانة إسرائيل الدولية، ونجاحها في تعزيز علاقاتها الثنائية مع عدد من الدول التي كانت معادية لها في السابق، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[1].
فبعد إقامتها علاقات دبلوماسية مع دول عربية ثلاث، هي الإمارات والبحرين والمغرب، في إطار ما عُرف باسم “اتفاقيات أبراهام”، نجحت إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع السودان، وأقامت علاقات دبلوماسية مع تشاد، وطوّرت تعاونها، لا سيما في مجال الأمن، مع عدد من الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، بما فيها نيجيريا ورواندا وساحل العاج. كما وصلت علاقاتها مع إثيوبيا وغانا وكينيا والكاميرون وأوغندا وزامبيا والكونغو إلى مستويات غير مسبوقة. وفي آسيا، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أول رئيس حكومة هندي يزور إسرائيل في سنة 2017، وأصبح مهندس التقارب الاستراتيجي مع إسرائيل، وحافظت إسرائيل على علاقات وثيقة مع كلٍ من سنغافورة، والفليبين، وكوريا الجنوبية واستراليا[2].
حرب إسرائيل على غزة تغيّر المعطيات
تجاوباً من الرأي العام العالمي المتعاطف مع نكبة الفلسطينيين في قطاع غزة، نددت العديد من حكومات دول العالم بالحرب التي تشنها إسرائيل وبانتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، وصارت تدعو بإلحاح إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
أفريقيا
لا تتبنى دول الاتحاد الأفريقي، كما يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط محمد سلامي، مواقف موحدة في ما يتعلق بسياساتها الخارجية، الأمر الذي يجعل مواقفها تختلف بصورة كبيرة “اعتماداً على مصالحها السياسية والجيوسياسية”. وهذا ما تجلّى في الموقف من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر ومن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ انقسمت دول الاتحاد الأفريقي إلى ثلاث مجموعات الدول الداعمة لإسرائيل، والدول المحايدة، والدول الداعمة لفلسطين[3].
فبينما أدانت غانا وكينيا ورواندا وتوجو والكاميرون وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية “هجمات حركة حماس على إسرائيل”، لجأت دول أفريقية أخرى، مثل أوغندا وأنغولا وتنزانيا، إلى “لغة غامضة ومحايدة في تصريحاتها، أو تجاهلت الحرب تماماً”. وفي حين جمّدت الحكومة التشادية علاقاتها مع إسرائيل واستدعت سفيرها من تل أبيب، ألقت جنوب أفريقيا والدول العربية في شمال أفريقيا “اللوم على إسرائيل في التصعيد”، وبرزت جنوب أفريقيا “باعتبارها الدولة الأفريقية غير المسلمة الأكثر انتقاداً لإسرائيل”، وخصوصاً بعد أن رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة. وشهدت الدول التي “تضم عدداً كبيراً من السكان المسلمين غير العرب، مثل السنغال ونيجيريا، احتجاجات واسعة ضد الحرب على غزة”. وفي 17 شباط/فبراير 2024، أدانت القمة الأفريقية التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، “الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي” في الحرب على غزة، واستخدامها “الأسلحة المحظورة دولياً”، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، و “الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية ورفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة”[4].
أميركا اللاتينية
تعيش في دول أميركا اللاتينية جالية فلسطينية كبيرة يتراوح عدد أفرادها ما بين 600 ألف ومليون شخص، مع وجود قوي في تشيلي، حيث يعيش أكبر تجمع فلسطيني خارج الشرق الأوسط (350 ألف إلى 400 ألف شخص). أقامت أغلبية دول القارة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. بيد أن كوبا قررت قطع علاقاتها معها لدى اندلاع الحرب العربية-الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 1973، وأرسلت قوات إلى مرتفعات الجولان لدعم القوات السورية خلال تلك الحرب، ثم أعلنت اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية. أما بالنسبة لفنزويلا، فقد قطع الرئيس هوجو شافيز العلاقات مع تل أبيب في سنة 2009، بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وعندما أعلن المعارض خوان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا في سنة 2019، سارعت إسرائيل إلى فتح سفارة له في تل أبيب. وباستثناء بنما، اعترفت جميع دول أميركا اللاتينية بدولة فلسطين المعلنة.تراجعت المواقف المؤيدة للفلسطينيين إلى حد كبير عندما تولى عدد من الحكومات اليمينية السلطة في العديد من دول أميركا اللاتينية بين سنتَي 2015 و2019. فبتشجيع من إدارة دونالد ترامب، تبنت البرازيل بزعامة جايير بولسونارو وبوليفيا برئاسة جينين أنيز وغيرهما مواقف يمينية مؤيدة لإسرائيل. وعملت إسرائيل على توسيع نفوذها السياسي في القارة بالاعتماد على التيار الديني الإنجيلي، الذي ضم في سنة 2020 نحو 133 مليون شخص.
مع التحوّل الجديد إلى اليسار في السنوات الأخيرة، عادت دول أميركا اللاتينية إلى تقاليدها المتمثلة في الالتزام الأكبر بدعم النضال الفلسطيني. ولذلك، أثار الهجوم الإسرائيلي على غزة، كما تلاحظ الصحافية مريم لعريبي، إدانة قوية من دول هذه القارة لإسرائيل، باستثناء بعض دول أميركا الوسطى، وكذلك الأرجنتين، التي فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت فيها مؤخراً السياسي اليميني الشعبوي الموالي لإسرائيل خافيير ميلي[5].
أدان الرئيس الكوبي ميغيل دياز العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، قائلاً: “إن التاريخ لن يغفر اللامبالاة” التي يظهرها بعض الدول إزاء هذه العمليات. وعندما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت تشديد الحصار على غزة، موضحاً، في 9 تشرين الأول/أكتوبر، ضرورة القتال “ضد الحيوانات البشرية والتصرف وفقاً لذلك”، ردّ أول رئيس يساري لكولومبيا، جوستافو بيترو، قائلاً: “هذا ما قاله النازيون عن اليهود، ولا يمكن للشعوب الديمقراطية أن تسمح للنازية بإعادة ترسيخ نفسها على الساحة السياسية الدولية؛ الإسرائيليون والفلسطينيون بشر يخضعون للقانون الدولي، وإن خطاب الكراهية هذا، إذا استمر، لن يؤدي إلا إلى محرقة”. وعندما قصفت إسرائيل مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة في 31 أكتوبر/تشرين الأول، لم تكن كولومبيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي استدعت سفيرها إلى تل أبيب، بل تبعتها تشيلي وهندوراس، وذهبت بوليفيا إلى حد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. كما أدانت كلٌ من بيرو والمكسيك العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. أما البرازيل، فبعد أن “أدانت هجمات حركة حماس”، وتقدمت بمشروع قرار “خجول” إلى مجلس الأمن يطالب بـ “هدنة إنسانية” في قطاع غزة، تم حجبه بالفيتو الأميركي، بدأ الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا يتحدث، منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الفائت، أمام الصحافة عن “الإبادة الجماعية” الجارية للفلسطينيين، ثم أثار، في شباط/فبراير الفائت، أزمة دبلوماسية مع إسرائيل عندما قارن حربها على غزة بـ “المحرقة اليهودية”[6].
آسيا
يرى الخبير الاقتصادي والجيوسياسي هيوبرت تيستارد أن هناك أربعة عوامل تحكم مواقف دول القارة الآسيوية إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي، هي: التضامن الديني الإسلامي لعدد معين من هذه الدول، والمشاعر العميقة الجذور المناهضة للاستعمار، وأهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية، والتي لا تعوضها تلك القائمة مع إسرائيل، والحسابات الاستراتيجية لدى بعض الدول، وخصوصاً الصين والهند وباكستان[7].
فمع أن اليابان كانت قد صنفت حركة “حماس” بصفتها “حركة إرهابية”، فإن حكومتها لم تصنف هجوم الحركة، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، على أنه “إرهابي”، واكتفى رئيس الوزراء فوميو كيشيدا بـ “إدانة الهجمات التي أصابت المدنيين الأبرياء بشدة”، ولم تنضم اليابان إلى البيان المشترك الصادر في 9 أكتوبر/تشرين الأول، الذي وقعه كلٌ من زعماء الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا، وأكدوا فيه “دعمهم الثابت والموحد لدولة إسرائيل وإدانتهم القاطعة لحركة حماس وأعمالها الإرهابية المروعة”. وفي كوريا الجنوبية، انتظر الرئيس يون سيوك يول زيارة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة تشاك شومر كي يُدين، في 11 تشرين الأول/أكتوبر “الهجمات العشوائية ضد إسرائيل من قطاع غزة”، من دون أن يذكر حركة “حماس” مباشرة.
وفي الفلبين، أكد فرديناند ماركوس جونيور للسفير الإسرائيلي، في 11 أكتوبر/تشرين الأول، أن الفلبين “تقف إلى جانب إسرائيل في الصراع في غزة”، قبل أن يدعو في 20 من الشهر نفسه، إلى “وقف التصعيد” خلال القمة التي عقدت في الرياض بين دول آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي، في حين أن برلمان جزيرة مينداناو ثاني أكبر الجزر في الفلبين، ذات الأغلبية المسلمة، صوّت على قرار يدعو إلى وقف “العقاب الجماعي” للشعب الفلسطيني في غزة وتبنى شعار: “نحن فلسطين وفلسطين نحن”، ثم شهدت العاصمة مانيلا سلسلة من الاحتجاجات الواسعة المناهضة لإسرائيل. وكان رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم هو الأكثر وضوحاً في مواقفه، إذ أعلن أمام البرلمان في 16 تشرين الأول/أكتوبر أن “ممثلي الدول الغربية طلبوا مني مراراً وتكراراً إدانة الهجوم على إسرائيل، لكنني أخبرتهم أن لدينا علاقة طويلة الأمد مع حماس، وسوف تستمر هذه العلاقة”، وأضاف في تغريدة: “المجتمع الدولي يتخذ مواقف غير منصفة تجاه أشكال القسوة والقمع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ويواصل الصهاينة عمليات مصادرة أراضي وممتلكات الشعب الفلسطيني بلا هوادة”. ودعا الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، في 10 أكتوبر/تشرين الأول، إلى “وقف فوري للحرب والعنف لتجنب المزيد من الخسائر البشرية والدمار”، مؤكداً أن “جذر الصراع، وهو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، يجب حله على الفور ضمن المعايير التي حددتها قرارات الأمم المتحدة”.
وفي 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أصدر زعماء إندونيسيا وبروناي وماليزيا، بياناً مشتركاً، يطالب “بهدنة إنسانية فورية ودائمة لإنهاء الحرب في قطاع غزة”. وبينما اتخذ رئيس وزراء الباكستان في البدء موقفاً “وسطياً”، عندما أعرب في تغريدة عن “حزنه الشديد بسبب انفجار أعمال العنف”، وطلب من الطرفين “ضمان حماية السكان المدنيين”، أدانت وزارة الخارجية الباكستانية بشدة، في 7 كانون الأول/ديسمبر 2023، استمرار العدوان الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، ثم حذرت، في مطلع شباط/فبراير 2024، من أن تجويع سكان قطاع غزة يرقى إلى “جريمة حرب”. وفي الهند، سعت الحكومة إلى “تعديل” موقفها البدئي، المؤيد بالكامل لإسرائيل، وذلك عندما أشار وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن في 10 شباط/فبراير 2024، إلى إنه “كان على إسرائيل أن تتوخى الحذر وتتفادى الخسائر بين المدنيين في قطاع غزة”، مؤكداً أن إسرائيل “ملزمة باحترام القانون الدولي الإنساني”، وأن بلاده تحافظ على “إيمانها بحل الدولتين”، الذي “ليس ضرورياً فحسب، بل هو الآن أكثر إلحاحاً من ذي قبل”. أما الصين، فقد دعت، في البدء، إلى “إنهاء الأعمال العدائية على الفور من خلال حماية المدنيين”، ثم صارت تصريحات وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، تنتقد بشدة تصرفات إسرائيل العسكرية، إذ وصف حربها، في 7 آذار/مارس الجاري، بأنها “وصمة عار على الحضارة”، مكرراً دعوات بلاده إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، ومؤكداً دعمها حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
أوروبا
في بداية حربها على قطاع غزة، استفادت إسرائيل من الدعم شبه العام من القارة الأوروبية لـ “حقها في الدفاع عن النفس”.
ولكن بعد الفظائع التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة، ومع ازدياد ضغط الرأي العام واندلاع التظاهرات الاحتجاجية على الحرب، صار السياسيون الأوروبيون يتخذون مواقف أكثر حذراً، وهو ما انطوى بالضرورة على زيادة الانتقادات لإسرائيل. وبدأ القادة الإسرائيليون، من جانبهم، يشعرون بالخوف الشديد من “خسارة المعركة في أوروبا”، على حد تعبير صحيفة “جلوبز” الاقتصادية الإسرائيلية اليومية.
ففي 14 شباط/فبراير الفائت، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن العمليات الإسرائيلية في غزة “يجب أن تتوقف” لأن “الخسائر البشرية والوضع الإنساني لا يطاق”، وأن الحاجة “باتت ملحة للغاية للتوصل، دون مزيد من التأخير، إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار”، معرباً “عن معارضة فرنسا الصارمة للهجوم الإسرائيلي على رفح”. وكانت محكمة هولندية، في 12 من الشهر نفسه، قد أمرت بتجميد توريد قطع الغيار المخصصة للطائرات المقاتلة الأميركية من طراز F-35 التي تستخدمها إسرائيل، بينما توجّه جوزيب بوريل، الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية إلى الرئيس جو بايدن بالقول: “إذا كنت تعتقد أن عدداً كبيراً جداً من الناس يُقتلون، فربما يتعين عليك توفير أسلحة أقل”.
ورد إسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، بحدة على دعوة جوزيب بوريل، واتهمه بـ “تقوية حماس”.
وكانت فرنسا، قد تبعت الولايات المتحدة وبريطانيا، وقررت فرض عقوبات على 28 من المستوطنين الإسرائيليين، المذنبين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، تمنعهم من دخول أراضيها. وتعليقاً على هذه المواقف الأوروبية المستجدة، قال دبلوماسي إسرائيلي كبير سابق: “إذا أخذنا جانباً كل هذه الانتقادات الأوروبية، فإنها ليست ذات طبيعة دراماتيكية، لكن الصورة العامة لصورة إسرائيل في العالم تزداد قتامة بسرعة، وليس من المؤكد أن الحكومة في تركيبتها الحالية قادرة على وقف هذا التدهور”.
وقد تميّز، في أوروبا، موقف روسيا، التي ألقت باللائمة في اندلاع الحرب في غزة على السياسة الأميركية، واستقبلت وفداً من حركة “حماس” في خضم الحرب، وطالبت بإلحاح بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وتقدمت، منذ 26 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو “إلى وقف إنساني لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إلى غزة دون عوائق” .
قرار مجلس الأمن رقم 2728 و”التحوّل” في موقف الولايات المتحدة الأميركية
تبنى مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى منذ قيام إسرائيل بشن حربها على قطاع غزة، في 25 آذار/مارس الجاري، قراراً حمل الرقم 2728 يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، ويطالب بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقد تمّ تبني هذا القرار بعد أن امتنعت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن عن التصويت. ومع أن ممثلي إدارة الرئيس جو بايدن سارعوا إلى التأكيد بأن هذا القرار “غير ملزم”، إلا أن حكومة الحرب الإسرائيلية اعتبرت أن الإدارة الأميركية “تخلت” عن سياستها السابقة، وقرر بنيامين نتنياهو إلغاء سفر وفد إسرائيلي إلى واشنطن لبحث مسألة الهجوم على رفح احتجاجاً على عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض لمنع صدور هذا القرار.
وقد رأى العديد من المحللين أن تمرير هذا القرار يمثّل “تحولاً” في مواقف إدارة الرئيس جو بايدن، التي عرقلت حتى الآن صدور أي قرار عن المجلس يدعو إلى وقف إطلاق النار. وهم يعزون هذا “التحوّل” إلى “نقمة” هذه الإدارة على شخص بنيامين نتنياهو تحديداً وعزمه، خلافاً للتحذير الأميركي، على توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية البرية لتشمل محافظة رفح، وليس إلى تغيّر حقيقي في مواقف الدعم العسكري والسياسي الأميركي لإسرائيل، كما يعزونه إلى عوامل داخلية تتعلق بتراجع سمعة الرئيس الأميركي بين الناخبين الشباب في قاعدة الحزب الديمقراطي، وكذلك لدى المجتمع الدولي. ويشير مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، في هذا الصدد إلى أن “الرفض الشعبي الدولي، الذي لم يسبق له مثيل من حيث النطاق والشدة” للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، امتد إلى الولايات المتحدة، إذ “إن التقدميين، والشباب، والأميركيين العرب في الحزب الديمقراطي غاضبون وينتقدون السيد بايدن بشدة بسبب دعمه لإسرائيل”.
وفي اليوم الذي صدر فيه قرار مجلس الأمن، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والمرشح لولاية رئاسية ثانية عن الحزب الجمهوري، الذي كثيراً ما يقدم نفسه على أنه حليف مخلص لإسرائيل، في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل هيوم” إن على إسرائيل “إنهاء” الحرب في غزة، لأنها “تخسر الكثير من الدعم” في العالم، وأضاف: “وأود أن أقول إن على إسرائيل أن تكون حذرة للغاية، لأنها تخسر الكثير في العالم، وتخسر الكثير من الدعم، وعلينا أن ننتهي [من هذه الحرب.
والسؤال الذي يُطرح الآن هو: هل سينجم عن هذه العزلة الدولية، التي لا سابق لها، لإسرائيل، مكاسب سياسية ملموسة تضع الشعب الفلسطيني أخيراً على طريق التحرر، أم أن نكبة الفلسطينيين في قطاع غزة، التي لعلها أقسى من نكبة سنة 1948، ستسجل بصفتها مأساة جديدة في سجل مآسي هذا الشعب الذي تحمّل ما لم يتحمّله أي شعب آخر في العالم من ظلم مستعمريه وحماتهم في ما وراء المحيط!