أحمد عبدالوهاب
أمد/ من الطبيعي أن يعيش الأطفال وسط أجواء أسرية هادئة، وفي بعض الأحيان يكون التأثير السلبي عليهم يكمن في تكرار المشاكل الأسرية، ولك أن تتخيل وجود أطفال يعيشون وسط غارات وانفجارات ليلًا ونهارًا، ويسقط منهم شهداء وجرحى كل يوم، ويرى الطفل شقيقه ينزف دمًا، ووالدته جثة وصديقه تحت الأنقاض، في مشاهد مروعة، لن تتمكن عوامل الزمن محوها من الذاكرة.
جرائم الاحتلال الإسرائيلي، أجبرت الكثير من الأطفال على النزوح إلى الملاجئ التابعة لوكالة الأونروا، بعد فرارهم من منازلهم، دون الحصول على الغذاء أو المياه النظيفة، وباتوا يعانون من أعراض صدمة شديدة، بالنظر لمشاهد القتل والدمار التي عايشوها، جراء الغارات التي لا تتوقف، ويحتاج أطفال غزة إلى دعم نفسي، لمعالجة التأثير المرعب للصدمات النفسية الشديدة، والتي تشمل أعراضها في «الخوف، والعصبية، والتشنجات، والسلوك العدواني».
حجم الدمار المروع في قطاع غزة، تسبب هدم منازل أصحاب الأرض، وتفريق الأسر والعائلات، وفقدان كافة مصادر المعيشة، إلى جانب الشعور الصعب بالعجز عن حماية الأسر لأطفالهم، ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن 120 ألف شخص يعانون من أمراض نفسية جراء العدوان الغاشم على غزة، في حين بات العدد مرشحًا للزيادة بصورة كبيرة مع استمرار الصراع، أو حال تنفيذ الجيش الإسرائيلي لخطته بالاجتياح البري لرفح.
ومن الطبيعي والشائع، أن تعتني الأسر بالأطفال الذين فقدوا ذويهم، ولكن بسبب النقص الشديد في الغذاء والماء والمأوى، تواجه الأسر تحديات في رعاية طفل آخر بينما تكافح هي نفسها من أجل تلبية احتياجات أطفالها وأسرته، وهو ما يتطلب توفير الرعاية المؤقتة الفورية على نطاق واسع، مع إبقاء الأطفال على اتصال بأسرهم أو البحث عنهم حتى يمكن لم شملهم عندما يستقر الوضع.
كانت تقديرات اليونيسف، قبل العدوان الحالي على غزة، تشير إلى أن أكثر من 500 ألف طفل يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، من ولكن اليوم، تشير التقديرات إلى أن جميع الأطفال تقريبًا يحتاجون إلى تلك الخدمات، أي أكثر من مليون طفل.. هؤلاء الأطفال ليس لهم أي علاقة بهذا النزاع، ومع ذلك فإنهم يعانون كما لا ينبغي لأي طفل أن يعاني، مهما كان دينه، أو جنسيته، أو لغته، أو عرقه، إلى مستوى العنف الذي شهدناه عقب أحداث السابع من أكتوبر، أو إلى مستوى العنف الذي شهدناه منذ ذلك الحين، فما يحدث في قطاع غزة، هو أكثر المشاهد دموية على الإطلاق.
لقد تعرض كل طفل في قطاع غزة تقريبًا، لأحداث وصدمات مؤلمة للغاية، اتسمت بالدمار واسع النطاق، والهجمات المتواصلة، والنزوح، والنقص الحاد في الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والدواء، من ويشكل قتل وتشويه واختطاف الأطفال، والهجمات على المستشفيات والمدارس، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال.
يومًا بعد يوم، تتفاقم الأوضاع المأساوية للأسر والأطفال في غزة، وهو الأمر الذي يتطلب التحرك بشكل عاجل لوقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، واتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين وخصوصًا الأطفال، ويجب بذل كل الجهود لإنقاذهم في جميع الظروف، فالصمت المُريب من المجتمع الدولي تجاه ما يحدث من جرائم تجاه المدنيين في غزة «وصمة عار».
معدل الوفيات والإصابات بين الأطفال، يعبر عن الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، والأمر الأكثر إثارة للخوف، هو حقيقة أنه ما لم يتم تخفيف التوتر، وما لم يتم السماح بالمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والمياه والإمدادات الطبية والوقود، فإن عدد الشهداء اليومي سيستمر في الارتفاع.
وتأوي وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة، أكثر من 100 رضيع، بعضهم في حاضنات ويعتمدون على أجهزة التنفس، مما يجعل إمداد الطاقة غير المنقطع مسألة حياة أو موت، بالإضافة إلى أن النقص الحاد في المياه، له عواقب وخيمة على الأطفال، الذين يشكلون حوالي 50 في المائة من السكان، الذين يضطرون للجوء إلى مصادر مياه غير صالحة للشرب، بما في ذلك المياه عالية الملوحة، ومما زاد المشكلة تعقيدًا، أن محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة توقفت عن العمل، ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص الوقود، مما أدى إلى تصريف أكثر من 120 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر.
المشاهد المروعة للأطفال الذين يتم إنقاذهم من تحت الأنقاض، وهم مصابون يرتجفون في المستشفيات ينتظرون العلاج غير المتوفر، وحالة الرعب الهائل الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال، ينتج عنها أثار نفسية، لا يختلف دمارها عن ما تفعله الآلات العسكرية، وينتظر الموت الأطفال الذين يشربون مياه غير آمنة، التي تتسبب في توغل الأمراض في أجسادهم، التي لا تستطيع تحمل الأثار المروعة للحرب والدمار.
من المؤكد، أن يتسبب العيش تحت نيران القصف والحرب المستمرة في فلسطين بوجه عام وخصوصًا غزة، وانعدام الأمن بشكل كامل، في هلاك نفسي ومعنوي، ينذر بالموت المحقق، أو الحياة بجسد ينبض بداخله القلب، ولكن تموت فيه المشاعر، بسبب سنوات الجحيم التي يعيشها المدنيين الأبرياء في أرض النضال فلسطين.
الضمير الإنساني، يتطلب التكاتف من كافة الأطراف، وبذل جهود مضنية، لوقف الحرب على غزة، فاستمرار الحرب على ذات الوتيرة المتصاعدة، سيقضي على ما تبقى من أرواح، تنتظر الموت في كل لحظة، فمن كُتب له النجاة، سوف يعيش وفي ذاكرته مشاهد الدمار والخراب والموت، التي لن تترك من عاشها وشاهدها من الأطفال والأسر، حتى نهاية العمر.