محمد المحسن
أمد/ القوة بلا أخلاق،هي قوة عمياء..وإذا كانت قادرة على تدمير الآخر بيد،فهي ستبدأ بنفسها أولا.!
“لم يعد بالإمكان تحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب الآخرين! لأن مثل هذه المقاربة هي مقاربة أنانية،واستعلائية ولا تحترم الآخرين،ولن تجلب إلا مواجهة عادلة،والحل: هو البحث عن نظام عالمي متوازن ودائم،يجيب عن التحديات التكنولوجية والبيئية والمتطلبات الإنسانية التي تواجه البشرية اليوم.” (الرئيس الروسي فلادمير بوتين).
-التوازن مفقود،والعولمة المتوحشة تحاول إبتلاع العالم وهذا الأمرأكّده-فوكوياما-حيث أشار إلى أنّه لم تعد هناك أطراف متعددة لكي نتحدّث عن حرب،بل ثمة-سوبرمان-واحد يرث تواريخ القوى،وإن كان..هو بلا تاريخ..(الكاتب)
-العرب اليوم أمام مشهد عالمي مليء بالمتغيرات وعلى الدول العربية قراءة هذه المتغيرات العالمية،وتقدير الموقف واستشراف المستقبل بشكل جيد يجنب المنطقة أن تكون ساحة لتصفية الحسابات في هذا الصراع..(الكاتب)
..العلاقة بين الشرق والغرب قديمة،شائكة وتحكمها تراكمات التاريخ..وهي تراكمات-في أغلبها-متخمة بالتوتر،والغضب،والسوداوية..الغرب كان يسعى طوال الوقت إلى بناء امبراطوريات تكفل لشعوبه حياة متميزة،وكان الشرق،أرضا مناسبة لهذه التوسعات..
الغرب أيضا ينظر إلى شعوب الشرق على أساس أنها شعوب همجية،تسعى لإزعاج وجوده على الأرض..ولم تكن النظرة بالتالي من الشرق إلى الغرب إلا ردّا على من وصفه ب”المستعمر”الغازي”و”الذي يسعى للهيمنة على مقدراتنا”
و إذن؟
العلاقة،إذا كانت في أبسط أشكالها علاقة حذر،وتربص وإنتظار لما يمكن أن يحصل من الطرف الآخر.هذا الحذ ر كان ينقلب إلى ما يمكن وصفه بمواجهة بين الطرفين،وهو الأمر الذي يلخص ما يجري بعد أحداث مانهاتن01..
والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع:
ترى ما الذي يمكن أن تسفر عنه المواجهة الدائرة الآن بين طرفين كل منهما يرى(حسب تعبير هيغل)أنه على حق ويدافع عن أفكاره؟
وما التأثيرات التي يمكن أن تخلّفها هذه المواجهة على الساحة الثقافية العربية؟؟..
وقبل ذلك:هل هناك-بعيدا عن الأفكار الفضفاضة-حلول لرأب الصدع-الذي ظهر بينهما..؟؟
لقد غدت العلاقة بين الشرق والغرب علاقة إرهاب متبادلة،تختلف الوسائل،لكن المعنى الدامي والتدميري واحد،سواء كان بإجتياح من الطائرات الأمريكية لشعب أعزل يفترش التراب”أفغانستان”أو كان بالقصف المدمّر للعاصمة العراقية-بغداد-أو كان بما حدث من تدمير مؤلم للذات والآخر بالإختراق المفاجئ لثلاثة من أجساد أمريكية:جسد المال ممثلا في مبنى التجارة العالمي،العقل العسكري المدبر”البنتاغون”وتهديد الكيان السياسي ممثلا في”البيت الأبيض”..
في بداية القرن الجديد تحولت العلاقة بينهما إلى علاقات نهش وإبادة،وهي بإختصار-هستيريا-معاصرة،تقطر دما وخرابا..
لم تكن العلاقة على هذا النحو في أي مراحل التاريخ،ربما كان الحوار بينهما داميا إلا أن ما يجري يمثل لحظة تاريخية أكثر تعقيدا وعنفا،فاللحظة الراهنة،إذن أقرب إلى لحظة عمياء..وحين تكون هذه اللحظة مدججة بأحدث أنواع التقنيات وأسلحة الدمار المتنوعة،فإنه يمكن تأكيد نبؤات-نستر داموس-التي تؤكّد أنّ القيامة قد تقوم الآن ويُدمَّر العالم ذاته بأحقاده المتبادلة..
التوازن مفقود،والعولمة المتوحشة تحاول إبتلاع العالم وهذا الأمرأكّده-فوكوياما-حيث أشار إلى أنّه لم تعد هناك أطراف متعددة لكي نتحدّث عن حرب،بل ثمة-سوبرمان-واحد يرث تواريخ القوى،وإن كان..هو بلا تاريخ..
ولكن..
من المفارقات المذهلة أن تعلن-اليونسكو-التابعة للأمم المتحدة في23نوفمبر01 يوما عالميا لحافظ الشيرازي-شاعر العشق الذي لم يكتب سوى في الغزل ولم يتغنّ إلا بوحدة الوجود والإنسان مهما إختلفت الأديان والأعراق..وفي سنة1999،أيضا كان-لجلال الدين الرومي-صاحب مثنوي ظهور بالغ الأثر في أمريكا،حيث تُرجمَت أشعاره في الحب الإلهي إلى الأنقليزية،وكانت الأكثر مبيعا في أمريكا بالذات وليس عجيبا ان يطبعوا بطاقات معايدة تحتوي على أشعاره..
ذلك ما يطرح علينا سؤالا حول إمكانية الخصومة في العالم أي إمكانية أن نتخذ من الولايات المتحدة خصما لنا،والعكس بالعكس..
ولكن أيضا..
ثقافة السلام،وفقا للخطاب الأمريكي،تستدعي حتما تحقير أي فكرة أو نزعة للمقاومة،ومن ثم ارتفعت معاول-كتاب الطابور الخامس-لتهيل التراب على كل صور المقاومة،خلال الحرب العراقية-الأمريكية..أما سجل المقاومة العراقية اليومية للإحتلال فليس سوى”حوادث متفرقة”أو عمليات يقوم بها”أنصار صدّام”وكأن دعاة الخطاب الأمريكي يستكثرون مقاومة الإحتلال على الشعب العراقي..وأما عمليات المقاومة الفلسطينية فيتمّ وصفها ب”الإرهاب”ويدور الحديث بعد ذلك عن خطاب”ديني جديد”ينزع فتيل المقاومة من “جوهر”الدين الإسلامي ويحرّم الدفاع عن الوطن..
وإذا تركنا المسرح السياسي الذي تنشط فوق منصته فرقة-كتاب الرد السريع-فسنجد أن الخطاب الثقافي الأمريكي لم يهمل المسرح الأدبي والفكري وأدار على خشبته التهاويل الفكرية المجسمة في أردية فاخرة..فبدلا أن يقال أن الصراع الحقيقي يدور بين شعوب المنطقة والهيمنة الإستعمارية،يقال لنا بأصوات -الحكمة-أن القصة تكمن في”صراع الحضارات”وأننا نعاني من إعتلال خلقي،يجعلنا لا نقبل ذلك”الآخر”ويتجاهل الجميع أن تاريخ حضارتنا كله هو تاريخ تفاعل مع الحضارات الأخرى،كما لا يحدّد لنا أحد بصراحة من هو”ذلك الآخر”وما إذا كان الإسم الحركي لإسرائيل مثلا..
ما المطلوب؟
المطلوب أن تحدّق الحضارة الغربية”المنتصرة-المنكسرة”في ذاتها وتطرح على نفسها-لا سؤال القوة-بل سؤال التوازن والجوهر،القوة بلا أخلاق عمياء،وإذا كانت قادرة على تدمير الآخر بيد فهي ستبدأ بنفسها أولا.
والمطلوب أولا وأخيرا أن يتنفّس العالم مزيدا من هواء التوازن..هذا لب المسألة.
العرب على محك التاريخ:
العرب اليوم أمام مشهد عالمي مليء بالمتغيرات وعلى الدول العربية قراءة هذه المتغيرات العالمية،وتقدير الموقف واستشراف المستقبل بشكل جيد يجنب المنطقة أن تكون ساحة لتصفية الحسابات في هذا الصراع،ولا شك أن المرحلة الآنية تشبه إلى حد ما مرحلة الحرب الباردة مع اختلاف في الأدوات فقط. لذا فإن الوطن العربي كمنطقة مستقلة تاريخيا وجغرافيا وثقافيا أن تعتمد سياسة الحياد الإيجابي والابتعاد عن الاصطفاف في أي محور،ومما لا شك فيه أن قيام نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يخدم القضايا العالمية عموما وقضايا العرب خصوصا،وعلينا الاستفادة من دروس التاريخ وأن نأخذ الدرس من مراسلات حسين ـ مكماهون التي خانها الغرب مباشرة من خلال مؤامرة سايكس ـ بيكو 1916 ووعد بلفور 1917.لذا فالتاريخ لا يتغير،وذاكرة الأمة العربية لم يغب عنها محاكم التفتيش والحملات والمؤامرات والاستعمار والجرائم التي ارتكبت في تلك الحقبة وما زالت شاهدة على التاريخ
على سبيل الخاتمة:
يذهب الكثير من المحللين في منطقتنا والعالم في تفسير الصراعات المحتدمة في وقتنا المعاصر صوب المصالح الاقتصادية وحروب الطاقة وإعادة رسم الخرائط وتدمير الشعوب والدول للوصول إلى الأهداف المتوخاة، من دون النظر في بُعدٍ آخر لهذه الصراعات، وهو البعد المرتبط بالمبادئ والعقائد والفلسفات، وهو بعد لا يوليه الكثيرون الاهتمام المطلوب، وينظرون إليه بأنه بعدٌ لا أهمية له أمام المال والنفط والشركات العملاقة، فالغرب الإمبريالي يلجأ إلى مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» حتى لو كانت داعش وجبهة النصرة والمجازر والتضليل الإعلامي والخداع والكذب وتوظيف الدين،فلا مشكلة لديهم،المهم: السيطرة والوصول إلى الأهداف المتوخاة،على حساب كل القيم الإنسانية والأخلاقية وما تعلمته البشرية من خلاصات ودروس،بعد حربين عالميتين انهتا حياة ملايين البشر،ودمرت بلداناً ومدناً وشعوباً! لا يهم، المهم النفط والطاقة والهيمنة،المهم أن يكون لدينا عبيد يعملون بإمرتنا وتحت أقدامنا.
يبدو أمر الحديث عن المبادئ في زمن الانهيار الأخلاقي،الذي نشهده هذه الأيام،مسألة مستهجنة لدى البعض،بالرغم من أنني أراها جوهرية وأساسية،لما يشهده العالم عامة وغزة خاصة..
ولنا عودة إلى هذه المسألة الشائكة عبر مقاربة مستفيضة..