ألاء ماجد
أمد/ لازال المثل الشعبي “الشبعان بيفت للجوعان فت وني” يتردد صداه في مخيلتي، كلما تابعت أخبار مفاوضات التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل برعاية مصرية قطرية أمريكية، فالاثنان يناوران في جولات مكوكية من هذه المفاوضات التي لا تنتهي، ويأخذان وقتهما بزيادة، دون أي اهتمام أو مراعاة لأكثر من مليوني ونصف المليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة، يعانون الأمرّين، جراء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للشهر السادس على التوالي ، حتى أصبحت أخبار هذه المفاوضات لا تجد صدى لدى الناس، الذين ملّوا من متابعتها، من كثرة فشلها طوال الستة أشهر الماضية.
وفي كل نشرة أخبار تمر على سمع المواطنين، تجد أن الوسطاء يخجلون الإعلان عن فشلهم في تحقيق أي اختراق في هذه القضية، بل تجدهم يعلنون أن الطرفين مستمرون في المفاوضات، للوصول الى تهدئة تستمر على ثلاث مراحل، رغم أن وجهات النظر بينهما بعيدة جراء تعنت الجانبين، تماما مثل الطبيب الذي يُخفي فشله في انقاذ حياة المريض في غرفة العناية المركزة، بل يطمئن أهل المريض بأن وضعه مستقر، لعدم فقدانهم الأمل، وهذا بالضبط ما يجري حاليا.
هكذا بدا الأمر بالنسبة لحركة حماس خصوصا، التي لقيت نفسها تتعرى بشكل واضح أمام رياح الدماء المسفوكة في غزة الصاخبة بالآلام والمعاناة، بعد سنوات من خبثها السياسي وبعدها عن الكل الوطني ومنظمة التحرير، وبعد أشهر من خيام النزوح التي جربها الكل الغزاوي، جراء مغامراتها غير محسوبة العواقب، وليس آخرها مغامرة السابع من أكتوبر، ومثلما أطاحت المغامرات السياسية والعسكرية بأحزاب فلسطينية كنا نسمع عنها في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يبق منها أي أثر، وذهبت الى المجهول، مثل حزب الإصلاح العربي وحزب الدفاع وحزب الاستقلال، فإني أجزم بأن حماس ماضية الى تلك الطريق بكل قوة.
الهوة الكبيرة بين هوس وتفكير قيادة حماس الهاربين للخارج، وبين الواقع الذي يعيشه الفلسطيني بغزة، بعيدة مثل ما بين السماء والأرض، ولعل تصريح رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية الذي قال: “لا يضيرنا إن مضينا إلى شهر رمضان في مواجهة وجهاد فهو شهر الانتصارات”، مثالا على هذه الهوة الواضحة بين شعب يسيل دمه الطاهر بلا توقف في غزة المدمرة، وبين قادة يعيشون في قصور تركيا وقطر وغيرها من البلاد البعيدة أصلا عن طوق فلسطين.
وسط هذه العواصف الكبيرة التي يعاني منها الفلسطينيون، وبعدما قارب شهر رمضان الكريم على الانتهاء، يبدو أن رهان هنية وأمثاله قد كان رهانا فاشلا، تماما كالمثل الشعبي الذي ذكرته في بداية المقال، فمن أنت يا هنية لتحكي باسم الجوعى والنازحين والمشردين الذين فقدوا أبنائهم وتدمرت بيوتهم ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بينما أنت تجلس في برجك العاجي خارج البلاد، وتأكل أفضل طعام وثروتك تزداد، وتأخذ وقتك بزيادة في مفاوضات محكوم عليها بالفشل من البداية، فما المانع أن تضحي بأكثر من مائة ألف بين شهيد وجريح ومعاق من أجل تحقيق مكاسب حزبية فقط وتحرير بعض الأسرى مقابل اغتصاب غزة بالكامل.
لقد أصبحت أخبار فشل المفاوضات تمر على الناس اليائسين بغزة مرور الكرام، في ظل حالة الإحباط العامة لديهم، وتيقنهم بأنهم أصبحوا أرقاما فقط في حسابات نتنياهو وحماس، بعدما تم اقحامهم في حرب لم يكونوا بحاجة لها حاليا، فيما تجري المفاوضات بمعزل عنهم، حتى أن تسريبات هذه المفاوضات تبين أن المدنيين خارج الحسابات، لتستمر حماس في اللعب بالبيضة والحجر والتهرب من مسؤولياتها تجاه شعب يئس من الحياة برمتها.
بحر الدم المسفوح بغزة، يحتم على حماس العمل بشكل جاد وفوري لوقف حرب الإبادة التي لم تبق شيئا في غزة على ما كان عليه، والتوقف عن المراهنة على أي تغير إقليمي قد يحدث، حتى لو كان الثمن هو تسليم الرهائن لإسرائيل مقابل وقف الحرب وعودة الحياة الى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، وإن كنت أشك في ذلك..
إن أي مماطلة من قبل حماس بوقف الحرب المسعورة فورا بغزة، هو بالضرورة كمن يرقص على السلم ويقفز في الفراغ، ويدور في حلقة مفرغة دون الوصول الى أي نتيجة، سوى مزيدا من القتل والدمار والمعاناة..أوقفوا الحرب أو اذهبوا الى الجحيم..