أمد/ ذات مرة، وصلت شبه الحياة في مختبر الجنوب للجحيم، قلت للأستاذ بانفعال: أيوه .. حكم و تحكم موالسة الانقسام والخراب ظلمنا .. ظلم البلاد و العباد!! الدم كله حرام .. والظلم ظلمات يوم القيامة، و إنت لسه بتكتب فكاهة كوميديا سوده على إيه؟
فقال مبتسما بجانب شفته: طيب ما يظلمكم ولا يطلع دين ابوكم وأبو البلد. ما انتوا تستاهلوا…!! أذ هما بيعملوا حاجات وحشة مع بعض!! مش هيعملوها مع الشعب؟! هقولك على سر تحطوه حلقة فى ودانكم : لسه هنشوف كتير .. أحنا لسه فى أول السكة .. والله لسه فى أول السكة.
– ده حكم أسود .. دي شغلانه سودا، عدموا القضية العافية والشعب فوق البعة؛ انتوا إيه اللي حصلكم؟! ماكنتوش كدا!! لا بتوع اليسار والميسار ولا بتوع اليمين، وما أدراك عن بتوع اليمين؟ انتوا نمتوا على الوهم؟! انتوا تماثيل؟ ولا حد كهربكم؟! كان لازم تخلصوا حالكم..ولا جاي في قرار سياسي يعني … جاي في نصب. قلت: نصب؟!
– قال: نصب واحتيال كمان.. عموما ربنا يفك سجنكم، ايوه يا سيدي .. مزايدات رخيصة وحكم السادة المسؤولين عن أنفسهم، اللي يحكموا ظلم، وحكم الظلم نزهة له. مش كان عندنا شاعر عام، وقائد عام .. لازم يكون عندنا ايضا خراب عام.
– لا ما خلاص .. مع نفسك بقى… آه أنت مستضعف وكان خيالهم مهيأ لهم إن الحكم زي الحب مالوش كبير، لكن الدنيا كلبة ولم يبقى القرد على حاله..كان يوم اسود ومهبب يوم ما نبهتكم ، أن الخراب والمحرقة الكبرى على الأبواب ومن يعلم مصير الناس .. اهو كان يوم اسود وخلاص ، بين حكم فنطاس و قراطاس، ومواقع خالية إلا من جَرادِل، وقعد وينوح على حاله وحال البلد ويقول هما مش هيسبونا في حالنا، الإ بعد الخراب ما يطفح على رؤوسنا واحد واحد .. نفر .. نفر. وكل اللي دفعته ما كانش كفاية؟
– عشان تدمير الناس ويجوا جيل يتبهدل.. مش جيل واحد .. زى ما اتبهدل اللي قبلهم جدود. معتقل الجنوب كان وحش؟ أنا عمري ما قلت كدا.. لكن مع المحرقة تلو الانقسام بعد المجزرة هو وحش وزي القطران والزفت .. يعني وحش أو أو أو. لا إحنا اللي آسفين .. وبلاش تعتذر.
– انت شفت حاجه؟ مين يستحمل كل ده؟!
على الطلاق ولا سيدنا ايوب ذات نفسه .. مين يستحمل كدا؟! وقعد يعيط و الندب اشتغل يا ناس . قلت له: طيب ما متزعلش انت شكلك تعبان قوى قوم نشوف البحر، قال: لا بحر ولا بر ، أنا خايف، أنا مش عارف راح نوصل فين؟ جبلنا المشاكل والكوابيس ، ما جبهلنا غيرهم.
– نوع غريب الثبات الذي يتحدث به الأستاذ وهو مستاء، وكله لوعة.. تولى امرنا بكلماته الساخرة أحيانا أو الشاخرة معظم الأحيان ، في التأقلم على ظروف معتقل الجنوب، و هذا مثال لأحدى الحوارات التي يمكن أن تقيس عليها. وعن نفسي، بالصراحة فإنني أستمتع بكلمات الأستاذ بصيغته المبتكرة و المتفردة، و وصفه الدقيق للأحداث، و سخريته، كلام مرا، و علينا أن نجد لنا منه ساترا؛ فنسمع ما لا يخطر على للسان بشر.
– وأن كانت أخطاء الموالسة كثيرة، فحكم الانقسام والخراب كان وما زال يبدع في الأخطاء، بمعنى أنه لا يكرر الخطاء فقط، بل يأتي بأخطاء غاية في الأبداع الغبائي! و بما لم يأتي به الاوائل، قال: لات بما لم تستطعه الاوائل؟ احسنت يا أستاذ؛ على أي حال لا أظن أن هؤلاء يستحقون التسامح عن مجمل أعمالهم المدمرة، لأن ترك ما حدث بلا تفسير سيصبح صعبا على الاستيعاب. ومن الأفضل أن أجد أي عذر.
– قال: ما مكانش ينفع..ما ينفعش ليه؟! أنتو مش مكسوفين من نفسكم؟! إحنا كنا بنرجع لورا.. والقضية متأخرة ، ونط عليها حكم الدجل والمباخرة. ولا حضرتك ماكنتش شايف المسخرة.. أهي انقلبت وبقت محرقة ومجزرة، القافية حكمت.. المهم اتاكدت بنفسك؟ كنا هنتبهدل لو حد اتكلم! وما كانش هيتعرف له طريق جرة؛ يعنى هما ممكن يؤذونا اكتر من كدا..؟! دا أيه الظلم ده يا أستاذنا؟!
وبعد فترة صمت قال: ما أسمعش منك شكوى تاني.!! اسكت ولا مصيرك هيبقى مبهم ..أو مهبب. انت بتقول أيه؟! ده الشعب حبيبي وشرياني ..حب القط لخنقه .. ولا ماسمعتش عن متلازمة ستوكهولم؟! يا راااجل اتقي الله.
– كان الدعاء صلاة و صيام ،في مختبر الجنوب ومع الإلحاح في الدعاء، طلبنا من الله أن يخرجنا من المحرقة تلو المحرقة. وهناك من كان يؤذن طوال الليل وأطراف النهارو عسى ربنا أن ينجد شعبنا ،طلب منه النّجدة ..استعان به، عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهم. ده شعبنا مغلوب على أمره، من امراء المعارك الداخلية، ومن هذا الحكم الانقسامي الجنوني. والمأزق الانتحاري. ومحبوسين في معتقل الجنوب على ذمة المحرقة..في انتظار الموت او حكم المشنقة.
– ساعات مرت كالدهر، في هذه الجلسة تأثرت بشدة بسبب آثار التعذيب .. تعذيب الكلمات على الروح والنفس والجسد، وهكذا مرت الجلسة وأنا أسمع هذه الكلمات الكابوسية، وبعدها الأستاذ صمت. وحين وجد الموت… فقد النطق.
و أنتوا واخدين الشعب على فين؟!