مسك محمد
أمد/ اتسعت دائرة الصراع في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث طوفان الأقصى منذ نوفمبر/ تشرين الأول من العام الماضي، فبعد أن اشتعلت الاشتباكات بين إسرائيل وحركة “حماس” في فلسطين وتحديدا غزة، انتقلت إلى لبنان في منطقة الجنوب وذلك بعد أن دخل “حزب الله” في دائرة الحرب.
وشهدت قرى الجنوب اللبناني مثل شبعا وعيتا الشعب وقلعة ارنون الشقيف وغيرها اضطرابات وقصفا جويا من قبل إسرائيل، فبعد مرور يوم واحد على هجوم السابع من أكتوبر، بادر “حزب الله” بضرب مواقع للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا، وهي أراض تصنفها الدولة اللبنانية محتلة من قبل إسرائيل، فيما رد تل أبيب بقصف مدفعي على قرى جنوبية، وقابل الحزب ردّها بردّ آخر، ودخل الجانبان في جولة عسكرية جديدة وحرب مصغرة، وتصاعدت الأحداث بين الجانبين مع اشتعال الحرب على غزة حتى باتت تتخذ اتجاهاً تصعيدياً مع مرور الأيام ومع تخطي الحرب الشهر الخامس وحتى كتابة هذه السطور.
ويوميا، نشاهد جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن أنه يستهدف قيادات ومقاتلي ومواقع “حزب الله” العسكرية في لبنان، فيما يرد الحزب بأنه ينفذ عمليات قصف ثكنات الجيش الإسرائيلي واستهداف جنوده وآلياته وأجهزة المراقبة، والردّ على استهداف المنازل والمدنيين في لبنان بالمثل، وتأثرا بهذا الصراع أصبح المدنيون هم من يدفعون الثمن، حتى
قتل 248 شخصاً بينهم 177 عنصراً من حزب الله و33 مدنياً، ضمنهم ثلاثة صحافيين، كما بلغ عدد النازحين من الجنوب اللبناني إلى حوالي 20 ألفاً، ورغم ذلك مازال التصعيد مستمرا.
ويبدو أن الحرب في لبنان لا تعني إلا أن الخراب سيعم المنطقة، فلا أحد يريد ذلك من العقلاء من السياسيين أو من الشعب اللبناني، لكن مازال “حزب الله” يقحم الشعب في معارك خاسرة ليس له منها أي مصالح إلا الخراب، فهذا الحزب لا يريد إلا تنفيذ الأجندة الإيرانية حتى ولو كان على حساب مصلحة الشعب!
ومن الواضح أن الحرب المصغرة المشتعلة بين إسرائيل وحزب الله لن تتوقف إلا بتهدئة الأوضاع في غزة، وقد تتحول إلى حرب شاملة في حالة إن قررت إسرائيل احتياح رفح وتوسعة بحر الدم من فلسطين إلى لبنان ومنها إلى مناطق أخرى قد تكشفها عنها الأيام القادمة.
وباستقراء المشهد، فيبدو أن حزب الله وإسرائيل لديهما فرصة لتهدئة التوتر بينهما بدلا من الهجمات العسكرية والحرب الباردة، وهذا بالتأكيد سيكون له تبعات إيجابية على المدنيين الذين يكونوا وقود الحرب دائما، فعلى الطرفين اغتنام الفرصة وتهدئة الأوضاع.. فهل يستجيبان؟!
وبالعودة إلى تاريخ الصراع ففي عام 2000، اشتعلت الحرب بين الطرفين عندما قرر “حزب الله” تنفيذ عملية لإطلاق سراح خمسة من عناصره في سجون إسرائيل، وكان أبرزهم سمير القنطار، وتوالت الاشتباكات بتنفيذ عملية أخرى استمرت 33 يوما في علم 2006، ثم امتد الصراع بينهما في عام 2012 وانتقل إلى القتال على أرض سوريا، ووصولا إلى عملية طوفان الأقصى التي فتحت جبهة الحرب مرة أخرى لتظل مفتوحة حتى هذه اللحظة.. فهل من اتفاق هدنة أو سلام قريب!
جميع المعطيات تؤكد استمرار حزب الله في قصف الشمال الإسرائيلي حتى تهدأ حرب غزة، فيما تتعنت تل أبيب عن الحل وتتمسك بورقة رفح مع استمرار فتح جبهات الحرب في لبنان وسوريا.
ولكن الخاسر الأكبر في هذه الأحداث هم الشعب اللبناني، ففي لبنان على سبيل المثال خسرت البلاد ما يقارب 1.5 مليار دولار كأضرار للبنية التحتية والزراعة بسبب الضربات الإسرائيلية على قرى الجنوب، إضافة إلى 300 مليون دولار أضرار غير مباشرة جراء هذه الحرب المتواصلة منذ أربعة شهور، فتداعيات هذه الحرب تنعكس سلبا على البلاد اقتصاديا وسياسيا وسياحيا، وينعكس هذا بالتأكيد على أحوال المواطنين.
هذا بجانب الضغط المعيشي لدى المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن الأوضاع السياسية المتأزمة وتبعات صراع حزب الله مع إسرائيل الذي أجبر كثيرون على مغادرة البلاد والهجرة إلى الخارج.
ورغم تأزم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، إلا أن “حزب الله” يريد أن يزيد الطين بلة، فيتوعد إسرائيل يصفعة كبيرة وبعمل قوي إذا وسعت عملياتها على حدود لبنان، محذرا من مغبة توسعة العدوان الذي لن يكون له نهاية على الحدود.. فمتى يتوقف الحزب عن إقحام لبنان في حرب غزة، وإلى متى تتحكم إيران في سياسة المنطقة وتحولها إلى مناطق صراع بينما تنأى بنفسها عن أي توترات أو صراعات سياسية ؟!.