د. ناصر اللحام
أمد/ نجا العالم العربي من فيروس كورونا قبل اربع سنوات ، ولكنه أصيب بالشيزوفرينيا .
الهلوسات والاضطرابات العقلية ظاهرة عند الجميع . اضطراب عقلي شديد وانفصام نتج عنه هلوسات وأوهام تسحب الجميع الى حالة مبكية ومضحكة . وقد يكون الامر عند جميع الأمم ، فسلوك باقي الامم أسوأ بكثير مما نحن فيه ، ولكن الامر يخصنا اليوم .
عناوين الصحافة الأوروبية والأمريكية كارثية . بكائيات لا تنتهي لان ايران ردت على قصف قنصليتها في دمشق ووجهت ضربة مباشرة لإسرائيل . أوروبا تلطم قولا وفعلا على ما حدث ، وكأنما استرجعت جرائمها في الحرب العالمية الثانية .
أمريكا تبكي على الهواء مباشرة .وها هو كيربي الناطق بلسان البيت الأبيض لم يمنع نفسه من البكاء فانهارت دموعه امام الصحفيين ، والأنظمة العربية تستعين بكل إعلاميها لإثبات ان ايران لم تضرب إسرائيل ولديها الأدلة والاثباتات ان ما جرى مجرد حفلة العاب نارية !!
ممثل اليهود في البرلمان الإيراني د. هيميون هيلل سيمح يرفع العلم الفلسطيني ويبارك لإيران الإسلامية نجاح قصفها الكيان الصهيوني !! وزعماء حركات إسلامية عرب يثبتون عكس ذلك وان ايران لم تقصف ابدا وان مسيرة إيرانية عقلت على اسلاك الكهرباء في أراضي العراق !!
نظرة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية وتفقد رشدك . لا مشروع حضاري ولا برنامج سياسي ولا وحدة حال ، ولا وحدة مصير . تهرب الى مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العبرية فتجد مستشفى امراض عقلية ونفسية وعصبية لانتظارك . لا تصدق ما تقرأ ولا ما تشاهد وتسمع !! هل فقد البشر عقولهم وتحوّلوا الى وحوش ضارية وتماسيح وضباع يأكلون الجيف والجثث !!
الدول العظمى فيها كل المواصفات الا ان تكون عظمى . فقد انحسر دورها لتتحول الى عبء على البشرية وعلى مصير الشعوب . ليتضح انها ليست دول عظمى بل دول حقيرة في مواقفها وفي سلوكها تجاه البشرية . جائحة كورونا اثبتت ذلك وكيف هربت الدول العظمى وكشفت كل الأكاذيب التي روجتها عن نفسها . وكانت هذه الدول مستعدة ان تتخلى عن أمم كاملة لتموت بفيروس كورونا ومن الجوع والفقر والمرض مقابل ان تجد هي لحكوماتها الترياق المضاد . لو ماتت كل شعوب افريقيا والشرق الأوسط وامريكا اللاتينية واسيا لما اكترثت هذه الدول العظمى الحقيرة ، وكان المهم عندها ان تنجو وتربح من شركات الدواء وتكذب مرة أخرى على شعوب الأرض .
طبيعي جدا ان تجد في الشرق الأوسط ان الجميع خبراء ومختصين . ولا يستغربن احد ان الذين لم يخدموا الخدمة العسكرية الإلزامية في بلادهم يتحدثون كمحللين عسكريين. حتى المتطرف ايتمار بن غفير لم يخدم الخدمة العسكرية في إسرائيل وصار وزيرا للشرطة !! والعاطلين عن العمل خبراء اقتصاد ، والهاربين من الدوام والالتزامات الأساسية لبيوتهم واطفالهم معارضة !! وكل هذا ليس صدفة بل مخطط قديم جديد من دول الاستعمار .
فقد عملت دول الاستعمار على تدمير النخب بشكل منظم منذ خمسين عاما . أهانت العقول والكفاءات بالتعاون مع الأنظمة الرخيصة الخائفة . ورفعت من مقام الخسيسين والسفهاء ليصبحوا قادة. الخطة قهرت أية امرأة حرة ودفعتها للدفاع عن نفسها وشرفها ، وافسحت كل المنابر والاستوديوهات لرخيصات يتلعثمن في الابجديات . فهربت العقول واصبح الطبيب والمهندس وعالم الاجتماع وعلماء الفيزياء والكيماء يتسولون لقمة العيش والوظيفة على باب الجهلاء والأغبياء .
بعد قهر الشعوب والدخول في حروب تحريكيه الهدف منها اجهاض أي قدرة ورغبة على التغيير الحقيقي . وبعد تهجير العقول ، واذلال من بقي منها في الأوطان . صار من الطبيعي جدا تبادل الأدوار وتسليم الأوطان للصوص .
ما نشاهده على تيك توك وفيس بوك وتويتر وانستغرام وغيرها ما هي الا نتيجة لكل ما ذكرناه . وطبيعي الان ان ترى جاسوسا يشتم اسيرا مؤبدا في سجون الاحتلال ويتهمه بأقبح الصفات ، وصار من الطبيعي ان شخصا وسخا يشتم رجل دين ، وفتاة هوى تشتم مربية أجيال !! هذه نتيجة تلقائية لعمل استخباري كبير وخطير عشناه ولا نزال نعيشه .
العالم العربي الذي شاهد مسيرات وطائرات إيرانية من دون طيار تحلق فوق رأسه ،غير جاهز لفهم الحدث في سياقه الطبيعي .وحتى لو فهم اللحظة فهو غير قادر على تحمل عواقب فهمها . لان حالة الانكار التي يعيشها العربي أوسع بكثير من إمكانيات الافراد .
العاقل يمكن ان يصاب بالإحباط والكآبة والخذلان . لكن مريض الشيزوفرانيا لا يصاب بهذه الاعراض بسبب الجمود العاطفي واللامبالاة , لذلك نحن لسنا محبطين ولا مخذولين ولا تصيبنا أية كآبة .
في غزة لا يوجد معركة بل يوجد مقتلة . جيش الاحتلال يقتل الانسان ويذبح البشر وينسف البنايات . ومع ذلك كل يوم نسأل عبر شاشات القنوات : من الذي انتصر في المعركة ؟
بعد تسلم رئيس الوزراء الجديد منصبه . قلت له يوم العيد :
لسوف تجد حولك نوعين من البشر . نوع يبحث عن حل لكل مشكلة ، ونوع سوف يبحث عن مشكلة لكل حل . ومثل العادة سوف ينتصر النوع الثاني.
وبعد ان تنتهي الحرب على غزة . سنواجه نفس المشاكل التي فشلنا في حلها قبل الحرب ، لان لا احد يبحث عن حلول .