بكر أبو بكر
أمد/ إن نظرة الحزب الفلاني للإسلام كنموذج نظرة تحرم النقد لأفكارها عمليًا فتنبذ كل من يخالفها من جماعتها ذاتها، وتكفّر او تحكم على الآخر بما يريحها من عناء الرد عليه. لذا تنعكس النظرة المقدسة للفكرة للشؤون الحياتية البشرية السلطانية السياسية فتصبح حتى هذه الأفعال المتغيرة بذات قداسة المعادلة التي ذكرنها وفيها عملية الإسباغ تصبح عامة. إن تنزيه الفكرة وعدم قبول نقدها أو رفض منطق المراجعة فعلٌ شائنٌ ومخالف، فالربانيون أصحاب الأيادي المتوضئة لا يُراجعون!؟ ولا يجب نقدهم! وكانهم يكفرون بقوله تعالى “فألهمها فجورها وتقواها” فلا فجور لهم أو لأفكارهم وإنما تقوى على طول الخط!؟؟ يحتال منغلقو التفكير على الناس وفي هذا استحمار واستغفال واستهبال لهم، حيث لا تكفّ التنظيمات الدينية والأيديولوجية وتلك المتطرفة والعنصرية استنادًا لأي فكرة (مقدسة أو تم تقديسها)، بترداد هذه الأفكار خاصة حيث يمكن استحمارهم تحت غطاء القومية او العنصرية أو الدين، أو حتى التهييج الاعلامي وفي أماكن تجمّعهم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالثورة أوالكفاح أو المقاومة مثلًا، وكأن تقديس الفكرة او الوسيلة بحد ذاته هو الهدف. في النموذج العربي والفلسطيني لدينا طرح استغفالي واضح ويسانده الإعلام التهييجي لتحصين الفكرة وأصحابها نراه في نموذج فصيل “حماس” حاليًا عام 2023م وعام 2024م وبناء على العدوان الهمجي الذي لم يسبق له مثيل على قطاع غزة الذي تم فيه تدمير الأمة والشعب واحتلال البلد وبضحايا فاقت ال100 ألف. وحيث أن فصيل “حماس” -و ما يدعيه بحصرية تمثيل المقاومة العنفية، ومربوطًا بالاسلام الحصري- يغطي على إخفاقاته الكثيرة في الفهم وفي سقوط الفكرة وفشل الخطط بالتقديس أو التنزيه أو تواصل التهييج وحرف الأنظار عن الاخفاقات والدمار الذي لم يُبقى ولم يذر، وبالتالي يرفض المراجعة أو النقد بتاتًا الا من رحم ربي. ونحن في أتون العدوان على غزة نرى معاناة الكُتّاب حين النقد حيث أنه مقابل نجاح التقديس فإن نقد المقدس يعني أن الناقد موضوع حكمًا في زمرة الخاسئين من الكفار والمجرمين. لذلك يمنع منعًا باتًا نقد أو طرق أسباب الكارثة الكبرى في تاريخ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والتي أحد أسبابها فشل القيادة في الرؤية وإدراك المتغيرات، وعدم قبولها للمساءلة، وفشلها بالتوقف للنظر او المراجعة ثم نقد الذات وتغيير التكتيك أو الخطة! أنظر رد موسى أبومرزوق القيادي في فصيل “حماس” على النقد الهادئ والرزين والواجب للدكتور إبراهيم أبراش المعنون (كفى مكابرة ومعاندة يا “حماس”) المنشور بتاريخ 26 فبراير2024 حيث قال له أبومرزوق في مستهل رده المطوّل حرفيا: (لو لم أكن أعرفك لقلت إن كاتب المقال هو أفخاي ادرعي)!؟ مما هو اتهام واضح باتخاذ جانب الإسرائيلي؟! لمجرد النقد الواجب، ولن نقول أكثر. وكان من رد د.أبراش أن قال: (أحمد الله أنكم تعرفونني وإلا اتهمتوني بالخيانة لمجرد قولي بأن الوطن أهم من الأحزاب وأن زوال حركة “حماس” من المشهد لن ينهي القضية، مع أنني قلت بأن الأمر ينطبق على كل الأحزاب، وحال القضية يؤكد أن كل الطبقة السياسية وأحزابها اوصلت القضية الوطنية لطريق مسدود كما فشلت كل حوارات المصالحة والانقسام ما زال مستمرا، وعجز الجميع عن وقف حرب الإبادة على غزة.) بالحقيقة المرة أن النقد واجب ديني قومي وطني خاصة حين الفشل أو الانحراف أو رؤية الخطأ ضمن فكرة المنكر الواردة في الحديث الشريف، حيث لدى اللسان واجب الكلام أمام المنكر أوالفاشل أو الخطأ القائم، نعم وجب النقد استجابة لقول الرسول عليه السلام، وليس استجابة للبشر الذين يقدّسون أفعالهم ومنها خطاياهم حين يقولون أو يفعلون أو يفشلون فلا يأبهون على مظنّة أنهم مقدسون! أو منزهون لا يخطئون! ولربما يمتلكون مفاتيح الجنة! نعم فللنقد أسُس وللنقد أشكال، وللنقد وجوه وليس من أوجهها تفضيل عدم نقد الفكرة أو الفصيل أو الأشخاص على الوطن، فالوطن أولى من كل أولئك وفي العدوان الهمجي على غزة والفشل لكثير من الأفكار والخطط والإدارة ما يستدعي من أجل فلسطين ومن أجل شعبها وفي أتون عدوان طال واستطال وشمل ما لم يشمل سابقًا وجبت المراجعة والنقد. وليس كما يقول التقديسيون، أو الهمج الرعاع أو الإمعات أو المستحمرون أن الوقت لم يئن! فهل ينتظرون نهاية عدوان فاشي كيفهما انتهى فهو مما يظهر يصبّ حكمًا في مصلحة المعتدي الذي تسنده قوة عالمية لاتستطيع أية مقاومة أو حرب غوار/عصابات أن تخلّص عليه بجولة واحدة! والحرب سِجال، والمقاومة جولات. والشعب حين ينهك ينهار ولا تستقيم المقاومة، فأنت مثل الذي يصارع الثور برميِهِ بحبات من البصل! (سلسلة نجمعها تحت عنوان: النقد المحرم وجريمة التفكير)