د. مدحت العزب
أمد/ المرأة هى نصف المجتمع والجنس البشرى، وهى كل الحياة ؛ فهى الأم التى حملت ووضعت وأرضعت وربت، وهى الأخت العطوف الحنون، وهى الأبنة زينة الدنيا، وهى الزوجة التى تشارك الرجل الحياة .
والمرأة لغوياً هى مؤنث مرء، ومرأة فى اللغة لها عدة صيغ، فيقال : إمرأة، ومرأة، ومرة، مع دخول ” ال” التعريف على المرأة والمرة، ولا تدخل على إمرأة إلا نادراً، والتأنيث والتذكير متعادلان فى اللغات السامية، واللغة العربية وهى أكمل وأحدث اللغات السامية، تؤنث الكثير من مظاهر الطبيعة، كالشمس والسماء والأرض.
– المرأة قبل الإسلام…
تميز المجتمع الجاهلى قبل الإسلام أنه مجتمع بداوة، محكوم بالنظام القبلى والإنتماء للقبيلة، حيث لم يكن دور أو وجود للدولة بمفهومها الحديث .
ويمكن القول ان المرأة العربية نالت قدراً من القيمة والإهتمام فى الجاهلية بوجه عام، فقد خلد التاريخ نساء قبل الإسلام مثل هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وملكة سبأ، وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد بزواجها من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وكذلك شاعرات الجاهلية وأشهرهم الخنساء التى عاصرت الإسلام.
والعربى يتميز بالنخوة والشرف وحساسيته لما يمس العرض أو الشرف، وما سجله القرآن الكريم من كراهية العربى لإنجاب البنات، كان خشية لأن تقع فى السبى، فى مجتمع كان قائماً على الغارات بين القبائل بعضها البعض، وكذلك واد الصغيرة كان خشية الفقر،والعار، إلا أن هذه الحوادث كانت تخص فئة أو طبقة أو شريحة معينة فى الجاهلية ، ولم تكن هى السمة الغالبة لوضع المرأة العربية فى الجاهلية .
– كانت المرأة العربية سافرة مع غطاء الشعر التقليدى الذى يستعمله الرجال أيضا، وكانت النساء محتشمة مثل نساء الحضارات الشرقية عامة، تختلط مع الرجال وتسافر لوحدها بشرط أمان الطريق، وكانت تركب الخيل رغم قلة الفارسات للفوارق البدنية بين الجنسين، وكانت تقوم بأداء حقوق الضيافة للرجل الغريب فى منزل أهلها .
– وكان للمراة حضورها فى الحياة الثقافية العربية القديمة ،فكان منهن الشاعرات الشهيرات، والحكيمات، والكاهنات، وقد كانت الخنساء خاتمة شواعر الجاهلية العظام، ودخلت الإسلام، ويوم فتح مكة ألقت امرأة شاعرة من قريش قصيدة تناشد فيها النبى بحماية قريش من سعد بن عبادة .
– وكانت المرأة الجاهلية تملك حق الطلاق كما يملكه الرجل، وعرفت الحب الذى كان يغلب عليه العذرية وعدم المساس بجسدها، إنما يقتصر اللقاء على الحديث والغزل .
وحرمت المرأة الجاهلية من نصيبها فى الميراث، الذى كان الأب يوزعه بمشيئته على الأبناء الذكور، أما إذا مات الأب عن بنات دون ذكور، ذهب الميراث إلى من يبادر بالإستيلاء عليه من الأخوة أو الأعمام .
– وعرفت الجاهلية أنواعا من النكاح المنبوذ، الذى أضر بكرامة وشرف المرأة، فكان هناك ” النكاح الضرائرى ” ويعني تعدد الزوجات دون حد أعلى، كما عرف ” نكاح الرهط” و نكاح الإستبضاع، وهو زواج المرأة بأكثر من رجل، والرهط من الرجال ما بين ثلاثة إلى تسعة، والمراهطة إنتقلت إلى شبه الجزيرة العربية من الحضارة السومرية ،وقد كان الملك السومرى ” أوركاجنيا ” المتوفى عام ٢٣٧١قبل الميلاد منع هذا الزواج .
ومن الزيجات المحرمة التى عرفتها المرأة الجاهلية ” نكاح المقت ” وهو إستيلاء الأبن على زوجة أبيه بعد وفاة الأب، وعرف العرب ” زواج الأكفاء ” حيث يرفض العربى تزويج المرأة من أعجمي، ولم تعرف الأسرة العربية سفاح القربى، فالزواج محرم من الأم والأخت والأبنة ،عكس ما كان يمارسه الفرس، وكان زواج الصغيرة مألوفاً فى الجاهلية، ويسمى ” الإهتجان ” أى زواج البنت قبل البلوغ، كما كان مألوفاً زواج البنت الصغيرة البالغة من مسن عجوز .
* المرأة فى الإسلام …
* أقر الإسلام فى قرآنه الكريم مبدأ كرامة ومساواة المرأة كأحدى مكونى الجنس البشرى، بقوله تعالى :
“يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء…” النساء ١.
* فالآية واضحة صريحة فى أن المرأة والرجل مخلوقان من النفس والجنس البشرى الواحد ،فليست مخلوقا أوضع أو أقل شأناً، لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات مثل الرجل، وليس ثمة تمييز أو تفريق بينهما إلا فى الفروق البيولوجية والتى فى ظروف معينة، وفى صالح المرأة حفاظا على حقوقها وكرامتها .
* – وكانت المرأة حاضرة وبقوة وتأثير كبير فى بداية دعوة الإسلام وبعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فها هى السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها زوج النبى قبل البعثة، تناصره وتؤيده وتثبته وتؤمن بدعوته، لتكون أولى المؤمنات .
* – وقد صان الإسلام المرأة وحفظ مكانتها، فى الوقت الذى كانت فيه المرأة فى أوروبا وقت ظهور الاسلام سلعة تباع وتشترى، فقد أكد الفيلسوف الإنجليزى ” هيربرت سبنسر ” فى كتابه ” علم الإجتماع ” أن الرجال كانوا يبيعون الزوجات فى إنجلترا ما بين القرن الخامس، والقرن الحادى عشر الميلادى، ووضعت محاكم الكنيسة قانونا يعطى الزوج الحق فى أن يعطى زوجته لرجل آخر لمدة محددة، بأجر أو بدون، بل أنه فى عام ١٩٢٣م باع رجل إنجليزى زوجته بمبلغ خمسمائة جنيه إسترلينى ، إلا أن القضاء ألغى هذا البيع المهين!!!.
* – أما الإسلام فقد حفظ كرامة المرأة ومكانتها ووصى بها بكل الخير، أماً وبنتاً و زوجة وأختاً.
* وحرم الإسلام العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعى، صيانة لشرف المرأة وحقوقها، بل حرم الإسلام تلويث سمعة المرأة وعرضها بالقذف أو الغيبة أو البهتان والنميمة .
* – وأعطى الإسلام المرأة حقها فى الميراث الذى حرمت منه فى الجاهلية، وحددت الشريعة أنصبة الميراث حسب حالة الموروث تجاه الأم والبنت والزوجة والأخت، وتوعد الله تعالى آكلى مال اليتيم بالعذاب الشديد ” إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا ” النساء ١٠.
– وأقر الإسلام مبدأ المساواة والعدل بين الرجل والمرأة بقوله تعالى :
” .. وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” البقرة ٢٢٨.
فالآية واضحة فى المساواة والعدل بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات كنفس بشرية، والدرجة التى للرجال عليهن، هى القوامة والمسؤولية تجاه المرأة، وهى درجة فى صالح المرأة حفظا لكرامتها، وصيانة لها ولحقوقها، كما تجعل الآية المعروف هو قوام العلاقة بين الرجل والمرأة، والمعروف هو كل خير يرضاه الله تعالى .
– وأعطى الإسلام المرأة حق التعليم والعلم والتعلم، لأنها مربية الأجيال وراعية الأسرة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها من أشهر رواة الحديث الشريف، ولها مجالس علم للإجابة عن شؤون الدين وخاصة ما يخص المرأة.
– وحرم الإسلام أنواعاً من النكاح المنبوذ، صيانة لشرف وحقوق المرأة، فقد حرم نكاح الرهط والإستبضاع، وكذلك حرم ” النكاح الضرائرى ” الذى كان الرجل فيه يعدد ما يشاء من الزوجات، وقيد الإسلام تعدد الزوجات بأربعة وبشرط العدل مع الزوجات والقدرة، كما حرم الإسلام ” نكاح المقت ” وهو نكاح الأبن لزوجة أبيه المتوفى، وحرم الإسلام كذلك ” العضل ” وهو أن يمنع ولى الأمر المرأة من الزواج طمعاً فيها أو فى مالها ، وحفظ للمراة حقها فى المهر فى الزواج والزواج بكفء لها وموافقتها، وجعل الاسلام الأصل فى العلاقة الزوجية المودة والرحمة والتعاون، فى علاقة شبهها الله تعالى بالسكن، حيث الأمن والملاذ والمحبة ” ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” الروم ٢١.
– وأتاح الإسلام للمراة الحق فى الطلاق أو الخلع فى حال إستحالة إستمرار الحياة الزوجية، لأسباب معتبرة شرعاً، مثل سوء دين أو خلق الزوج، أو فى حال الهجر أو عدم الإنفاق، وحفاظا على تماسك الأسرة وهى نواة المجتمع الأولى، حذر التشريع الإسلامى الطلاق أو الخلع لأسباب واهية تافهة غير معتبرة شرعاً، وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية إستحالة تطبيق الزواج الأبدي وأنه ظلم للطرفين فى حال إستحالة الحياة، فأباحت الطلاق .
– وعرف الإسلام فى تاريخه وحضارته الكثير من شهيرات النساء الفضليات، اللائي سطرن أسماءهن بحروف من نور الإيمان فى سجلات الإسلام، وتاريخه وحضارته مثل …أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، والزهراء فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة رضي الله عنها ، ورفيدة صاحبة أول خيمة علاجية لعلاج الجرحى فى الإسلام .