تحسين يقين
أمد/ في الوقت الذي تجري إسرائيل تفاوض حول وقف إطلاق النار، وصفقة تبادل الأسرى، وفي الوقت الذي تقصف مناطق متفرقة في قطاع غزة، وفي الوقت الذي يصرح العسكريون بأنهم سيعودون الى خانيونس بعد غزو رفح، على اعتبار أن غزو رفح تحصيل حاصل، تبدأ إسرائيل جبهة على إيران، تمثلت بقصف قنصليتها في دمشق، ما جعل إيران ترد بقصفها، ما دفع لإسرائيل للرد. والان في ظل الفعل الإسرائيلي ورد الفعل الإيراني، فإنه من الضرورة إلا يتراجع الاهتمام الدولي تجاه ذبح غزة.
إسرائيل عنيدة..ومحصنة بما تضمنه ليس من تحالف غربي وأمريكي بل ولاء أعمى لها.
يعيدا اغتيال أبناء وأحفاد إسماعيل هنية الى اغتيال القيادي صالح العاروري في الضفة، وما يعني ذلك من عدم ظهور جدية حقيقية في إنجاز التفاوض القريب والمستقبلي، فهي غير مستعدة لدفع اية استحقاقات جوهرية، بل هي توحي لتفاوض آخر، هو خروج قوات النخبة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لعل ذلك يخفف من سقوط هيبة جيش الاحتلال.
دلالة عناد، وتعقيد سياسي تمثل في غارة جوية إسرائيلية قصفت المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية في دمشق، سوريا، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، من بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري. العميد محمد رضا زاهدي وسبعة ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني، لم تصبر إيران فردت.
على أرض قطاع غزة، في الجهة الرئيسية، يبدو أن إسرائيل ماضية في غزوها غزة، لذلك فإن اجتياح رفح سيحدث بشكل ما من الأشكال، من باب أن ذلك يشكل فرصة لها في إنهاء المسلحين، حيث ترى أن الفرصة لها هي الاستمرار في ظل تراجع قوتهم.
لذلك ظهرت مرونة إسرائيل في مسألة إدخال المساعدات، حيث “أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه يتوقع أن يصل عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة يوميا إلى 500 قريبا، وأن متوسط الكمية يصل الآن إلى حوالي 350″، مع أن ذلك مشكوك فيه بالطبع.
الممكن هنا هو احتمال عقد صفقة تبادل أسرى، في حين أن الاحتمال الأقل هو السماح بعدوة النازحين الى شمال غزة، أما غير الممكن فهو وقف إطلاق النار والانسحاب من غزة.
بمعنى أن إسرائيل ترفض مطالب حماس الجوهرية، وهذا معرف، فما يتعلق بصفقة الأسرى أمر، أما ما فيما يتعلق بما يتجاوز صفقة الأسرى، فهذا أمر آخر.
فلا إعلان وقف إطلاق نار صريح ودائم، ولا انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، وبالطبع ستفرض إسرائيل شروطها في عودة النازحين الى غزة دون شروط، وفقط فإن الممكن حتى الآن فهو إدخال المساعدات وعقد صفقة تبادل الأسرى.
لقد خسرت إسرائيل ما خسرت، لذلك، فلا مانع من خسارة أخرى تؤدي الى مكسب إسرائيلي محتمل يتمثل في تحقيق هدف المحرفة، والذي تراه صار ممكنا.
لذلك ستمضي إسرائيل في التقدم نحو رفح، ولن يحول بينها وبين هذا الاجتياح، حيث صار ذلك موقفا حكوميا معلنا.
الحالة إذن اليوم، هي هدنة مؤقتة، تنتقص من أهم ما تملكه حماس من نقاط قوة للتفاوض عليها. في حين تخشى إسرائيل تحول الهدنة الى وقف دائم لإطلاق النار، ما يعني عسكريا وسياسيا هي إعادة موضعة قوات حماس والجهاد الإسلامي.
منذ قصف القنصلية الإيرانية، وما تبع ذلك، فإن المشهد يقودنا الى رغبة إسرائيل توسيع نطاق الحرب، كون ذلك فرصة لإضعاف حزب الله اللبناني، وإرهاب إيران عن طريق تخويفها من حرب الولايات المتحدة عليها.
وهنا نحن إزاء احتمالين:
– إما إن قادة إسرائيل متوترون وغير قادرين لا على القيادة العسكرية ولا السياسية.
– وإما إ ن إسرائيل تعرف طريقها في التخلص من أعدائها الذين يتزايدون ويطورون أسلحتهم.
ترى، هل إسرائيل مثلا قادة على شن حرب على لإيران، حزب الله وهي التي فشلت حتى الان في هزيمة حماس والجهاد؟
ستكون إسرائيل قادرة عل إنهاك الخصوم، فقط بمعاونة أمريكا، وقدرات سلاح الجو المتطور، الذي بفضله تبيد إسرائيل البشر والشجر.
فهل ستسمح أمريكا بحرب غير مضمونة نتائجه سوى ثأر روسيا من الولايات المتحدة؟
هل ستسمح الولايات المتحدة بتوريط إسرائيل لها في إيران والمنطقة؟
وهل تضمن إسرائيل فعلا إضعاف الخصوم؟
أم أن الأمر هو مجرد إيهاما ما بتخويف الخصوم، وإكمال الحرب على رفح؟
ليس هناك من وضوح سياسي وعسكري بقدر من وضوح مضي إسرائيل باجتياح رفح، وتحقيق ما يمكن تحقيقه.
هي فرصة إسرائيل في تفكيك حماس والجهاد الإسلامي، بل ودفعهما للتفاوض على تأمين خروجهما من قطاع غزة، من خلال التعهد بعدم ضربهما.
استمرار القصف الإسرائيلي لمناطق متفرقة في غزة يؤكد مرة أخرى، بأن الهدف المبطن من الحرب هو جعل قطاع غزة غير صالح.
فحين تقصف إسرائيل أهدافا بشرية، سيعني ذلك أن إسرائيل ماضية في عمليات القتل.
تورطت إسرائيل في الحرب، فما كان منها الا توريط الآخرين بضرب حلفاء إسرائيل بمحور المقاومة.
أما ما تهيئ له دولة الاحتلال، من إنهاء المسلحين على طريق إنهاء القضية الفلسطينية، فهو في أفضل حالته لن يكون الا على المدى القريب لا المتوسط ولا البعيد.
وعليه، فلن تنجز إسرائيل التطبيع مع الدول العربية، بل إن ما تم من تطبيع سيصير عرضة لدخول حالة تجمد سياسي.
وعليه، ستعود إسرائيل الى المربع الأول، فعل إسرائيل مستعدة لذلك؟
إن إصرار إسرائيل على تنفيذ أقصى ما تقدر من مجازر، بهدف جعل قطاع غزة مكانا غير صالح للعيش، وبهدف تخويف فلسطينيي الضفة الغربية، لن يحقق الهدف، فالشعوب غير الأفراد.
عودا على بدء، فإن إدخال المساعدات الى غزة، سيعني كف إيران عن الثأر من إسرائيل، وتخفيف غضب واشنطن على إسرائيل، لجعل الحرب على رفح تمرّ في أريحية سياسية، خاصة مع الطلب الفرنسي بوقف المعركة وعدم دخول رفح المكتظة بشريا.
فهل سيطول التفاوض؟
هل ستطول المعركة؟
كل شيء هنا قابل للحدوث، في ظل استمرار الولايات المتحدة تأمين الدفاع السياسي والعسكري وضمان تفوق إسرائيل خاصة في السماء!
لن يكون من السهل استمرار قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم، لأن ذلك سيزيد من كراهية العالم لإسرائيل، ما يعني زيادة التضامن مع فلسطين.
كما أنه من جهة أخرى، لن تنجح دولة الاحتلال بترك المستوطنين يعيثون فسادا، قتلا وتدميرا في الضفة الغربية من أجل “تهجير طوعي آخر” حسب تعبير الوزير اليمني المتطرف، بن غفير.
إن إصرار إسرائيل على نفي فلسطين، سيجعلها أكثر حضورا.