حميد قرمان
أمد/ بدأت حركة حماس تدرك حجم وعمق مأزقها جراء تداعيات السابع من أكتوبر المتلاحقة، والتي تزاحم مشهدها الداخلي الذي يتصف اليوم بالعبثي نتيجة ازدياد الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية على قيادة الحركة سواء المتواجدة في الداخل أو في بعض العواصم العربية والإقليمية.
منذ انقلابها في قطاع غزة وما تلاه من ثورات ما يسمى بالربيع العربي، والتناغم التركي – الإخواني، وبروز اصطفاف المحور الإيراني في المنطقة، راهنت الحركة على الجمع بتحالفها بين نقيضين إقليميين؛ الأول يتمثل في تركيا الأردوغانية، والثاني نظام الملالي في طهران، جمع ما كان ليولد بسبب التناقض الأيديولوجي السياسي بينهم لولا وجود دولة كقطر التي كرست سياق تيارات داخل الحركة كعامل أساسي لتفاعل وتوثيق هذا الجمع بما يصب في تقاطع مصالحهم في المنطقة المبني على استغلال ورقة قطاع غزة ومعاناة سكانه في ابتزاز المجتمع الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة.
حرب غزة وضعت حركة حماس أمام حقيقة ما كانت تهرب منه منذ سنوات، فلم توظف سلسلة هذه التحالفات التي سعت الحركة لعقدها مع أنظمة إقليمية وعربية لخدمة مشروعها التحرري والنضالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تسعف تحالفاتها برفع وتيرة أدائها العسكري والسياسي في الحرب الدائرة حاليا. بل أبعد من ذلك، لم تمنحها هامش مناورة أو طوق نجاة للخروج من أزمتها أو أزمة الشعب الفلسطيني في القطاع، فما زالت الحركة تعتمد بشكل كبير على أساليب الدعاية البدائية المنسوجة بالتأثير العاطفي وغوغائية الشعارات المحكومة بالفعل العربي التظاهري.
التوازن بين تحالفات حماس كان بداية التيه الفكري السياسي للحركة، تيه أثر في الخط السياسي والتنظيمي داخل الحركة وأفقدها هويتها الوطنية الفلسطينية، بسبب الانخراط بفلك مشاريع إقليمية كانت أكبر من قدرة حماس على التعاطي مع مساراتها، فاستندت تارة على نظام الملالي في طهران، وتارة على دولة قطر ومشروعها الإخواني في المنطقة، وتارة أخرى على تركيا الأردوغانية التي أعلنت عبر وزير خارجيتها مؤخرا عن قبول حركة حماس لدولة فلسطينية منزوعة السلاح مع تغيير بعقيدة حماس العسكرية بحل جناحها المسلح، عقيدة انهارت وفقدت مقوماتها النضالية في الشارع الفلسطيني.
التغيير في مواقف حماس انعكاس صريح لحالة التيه السياسي التي لم تكن فقط في فكرها أو ميثاقها الحركي الداعي إلى تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها عبر الخيار العسكري، فحرب غزة التي كشفت رخو شعارات الحركة ومبادئها أمام تعسكر الغرب الأوروبي والأميركي خلف دولة الاحتلال الإسرائيلي، تغيير ساهمت به جوانب عديدة في انحدار أداء الحركة، منها قصور الدور القطري الوسيط أمام الألاعيب الإسرائيلية والتعنت الأميركي، وضعف إيران ومحورها في المنطقة، والذي راهنت عليه الحركة في سبيل تزعم الساحة السياسية الفلسطينية على غرار تجارب حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن، رهان ألقته مجددا الحركة على أعتاب الباب العالي للسلطان التركي في سبيل إنقاذ ما تبقى منها وحماية قياداتها.
مجددا، تتعمق أزمة حماس بالمحصلة نتيجة انسلاخها عن هويتها الفلسطينية لتصبح أداة بيد قوى إقليمية جعلت الشعب الفلسطيني قربانا في معابد السياسة الدولية. وبين التيه الفكري والمستقبل الغامض تجد حماس نفسها بمواجهة مصير البحث عن مقر جديد لها بعيدا عن الدوحة التي طالبت قيادات الحركة بضرورة الاستعداد لمغادرة أراضيها، وهو ما بدأت به حماس التي تبحث في عواصم عربية وإقليمية عن مكان يقيم به بعض قادتها في تيه وجودي جديد تواجهه الحركة التي تسعى للذهاب إلى أي مكان في العالم إلّا أنقاض القطاع المدمر.