عدنان الصباح
أمد/ كان لانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو ومنظومة الدول الاشتراكية عام 1991 اثرا خطيرا على المكون العالمي لصالح سيطرة الولايات المتحدة شبه المطلق على جهات الارض وهو ما صنع اوضاعا كارثية طالت الجميع بلا استثناء وخصوصا الدول الفقيرة او الدول الوطنية حديثة النشوء كتلك التي كانت تدور في فلك او جزء من الاتحاد السوفياتي وعلى صعيد الشرق الاوسط رات امريكا بنفسها كقوة سيدة وقادرة على فرض ارادتها كما تشاء وحيث تشاء ولصالح من وضد من تشاء معتقدة انها امام منطقة خانعة ومدمرة وغير قادرة على الحياة بعد ان تمكنت امريكا وحلفائها من اخضاع ايران لحرب عبثية دامت لثماني سنوات وبعد ان صنعت حلفا لها في المنطقة يملك من الوقاحة حد ادارة الظهر لكل شيء ولكل قيمة لصالح الولايات المتحدة ومصالحها وهو ما دفع بمنظمة التحرير للانتقال بطريقة القفز الاهوج لتجلس في حضن الولايات المتحدة متجاوزة كل شيء وكل قيمة وكل محيط اكان هذا محيطا فلسطينيا عبر ارادة مؤسسات منظمة التحرير التي لم يسمح لها باتخاذ قرار او تنفيذ ارادة جمعية ” اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني ” ولا عبر العمق العربي الذي غيب العرب كليا عن تلك المحادثات ونتائجها وكذا كان الحال في البعد الاسلامي وحتى البعد الاممي بتغييب الدور الرسمي للأمم المتحدة واقتصار كل ما جرى على ارادة ورعاية الولايات المتحدة بمفردها مما جعل حتى اوسلو سيء الصيت بما حوى من كوارث لا يجد جهة اممية او رسمية تحميه وهو الذي لم يولد على اساس نظامي او قانوني او عملي ولا مستداما فأوسلو مؤقت وهو لم يعترف بحقوق شعب بل اعترف فقط بمن يمثله كمن يعترف بمجلس ادارة مؤسسة ما دون ان يعترف بحقوق تلك المؤسسة ولا يمنحها اية صفة او يلتزم بأية حقوق.
بكل الاحوال وضعت اوسلو العرب والمسلمين والعالم بعيدا عن القضية الفلسطينية وترك الشعب الفلسطيني لمهزلة اسموها مفاوضات حتى ان البعض اعتبرها مهنة من لا مهنة له ولا بديل لها ووسيلة لا يوجد غيرها وباتت حكرا على علاقة محددة بين المجرم والضحية ومنعت احدا من التدخل بشأنها وماتت اوسلو نظاميا وزمنيا وواقعيا وظل من لا مهنة لهم يمسكون بها بهدف الامساك بذواتهم واماكنهم لا اكثر ولا اقل دون ان يكون لديهم وسيلة او طريقة للخروج من فخ اوسلو الميت او هو كمن يشبه المصيدة التي فقد الصياد مفتاحها فترك الفريسة نهبا للموت ولم يحصل على شيء وعاش لا يملك الا ان يندب حظه ويسمي المصيدة المقفلة مستقبل منتظر.
العالم لم يعد كما ارادت الولايات المتحدة وجرت متغيرات طوال السنوات الثلاثين منذ اوسلو حتى اكتوبر 2023 فروسيا لم تعد الاتحاد السوفياتي المنهار بل باتت الدب الذي استفاق محاولا استعادة سطوته ودوره ومكانته والصين تمكنت من خلط الشيوعية والاشتراكية برأسمالية الدولة وباتت منافس اقتصادي خطر يتحول الى ابعد من المنافسة الاقتصادية وظهرت من غير توقع قوة اخرى ترى في نفسها ممثلة للمظلومين على الارض وهي الجمهورية الاسلامية في ايران التي مدت يدها لكل مظلوم يقع فريسة لأمريكا وقاتلها الماجور ” دولة الاحتلال ” فوجدت ضالتها بسوريا التي تتعرض لأبشع المؤامرات وقوى المقاومة من المظلومين والمعاقبين من امريكا وحلفائها في لبنان واليمن والعراق وقبل الجميع كانت القضية الاهم والاخطر وهي القضية الفلسطينية التي جعلت منها الثورة الايرانية منذ اليوم الاول حجر الزاوية في كل مشروعها الاقليمي القائم على مواجهة الظلم لا الانسياق معه وهو ما جعل السابع من اكتوبر يغير كثيرا من قواعد الفعل الكوني ليس في منطقة الشرق الاوسط فحسب ولكن في العالم ايضا والمتغيرات التي باتت واضحة اليوم هي ما يلي
– الفلسطينيون لم يعودوا وحدهم بل بات لديهم حلفا حقيقيا فاعلا ومشاركا في السعي نحو حقوقهم الوطنية.
– المشروع الامريكي في المنطقة ذهب في مهب الريح وهو ما جعل الولايات المتحدة تبحث عن دعم اكبر لأوكرانيا الى جانب سعيها عبر الصين للبحث عن حلول سياسية مع روسيا
– بدل المواجهة في تايوان ومن خلالها عادت امريكا الى لغة التفاوض مع الصين فساحة المعركة الممكنة ” مياه الشرق الدافئة ” لم تعد تدفئ مطامع واهداف بايدن وعصابته
– بات الهدف الوحيد اليوم لدى الولايات المتحدة وقاتلها الماجور البحث عن مخرج من ازمة غياب ردعها لصالح من يسعون لردعها ” ايران ومحور المقاومة “
– القضية الفلسطينية التي كادت تصبح قضية تسهيلات اقتصادية وانسانية عادت الى واجهة الدنيا كما لم تكن في اي يوم من الايام
– محور المقاومة الذي اعتقد البعض انه حبر على ورق اثبت بالفعل انه اداة فعل وصناعة واقع وتغيير موازين وثبات على اهداف
– الناتو الشرق اوسطي الذي كان قاب قوسين او ادنى قبل 7 اكتوبر بات بحاجة للعديد العديد من الوقت والجهد وليس مضمونا نجاحه بعد ان اصبح البحر الاحمر بيد اليمن ودولة الاحتلال تعيش حالة لم تعرفها على كل بواباتها ولم تعد سوريا بلدا مدمرا ولا العراق مسرحا امريكي ولا ايران دولة ضعيفة وباتت الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مصدر رعب من حزب الله وبالتالي فان صورة الغد مختلفة كليا عن صورة امس واليوم هو السابع من اكتوبر والذي صاغته قوة صغيرة كحركة حماس في مواجهة اعتى قوى الارض مما يجعل غد هذه القوى على كف عفريت.
اليوم يتحدث بلينكن من الصين عن مصالح امريكا ويطلب من الصين ان تكون رادعا لإيران ومشاركة في ردع روسيا وهو لم يحصل قطعا على وعود مؤيدة والا لما كان مؤتمره الصحفي منفردا ومعزولا في قلب بيجين وبالتال يفان العالم الذي استفاق على فلسطين كقضية للمظلومين في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وايران والاحرار في جنوب افريقيا والبرازيل وتشيلي وكوبا وغيرها ومعهم كل احرار الارض بما فيهم كل طلبة الجامعات في الولايات المتحدة ودول العصابة بما يعني ان الغد لم يعد للظالمين بل للمظلومين ومحورهم وان زمن الناتو سيد الدنيا قد ولى لصالح زمن جديد لا بد له ان يتبلور بأسرع مما يتخيل احد وهو ما سيدفع قوى مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وعديد من دول وشعوب اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية واحرار الارض الى الالتفات الى تجربة محور المقاومة والبناء عليه لغد مختلف لا تعود فيه الولايات المتحدة وعصابتها رادعة لاحد بل مردوعه من الجميع ان اتحدوا.