علاء مطر
أمد/ المتابع لوسائل الاعلام الإسرائيلية منذ إعلان حماس موافقتها على مقترح وقف إطلاق النار، يدرك كمية الدهشة التي انتابت قادة إسرائيل وتفاجئهم من رد حماس وموافقتها على المقترح المصري، فيما اعترفت صحف كبرى بأن إسرائيل لم تتوقع موافقتها، وكانت تنتظر اللحظة التي تعلن فيها حماس رفضها المقترح، لتتخذها ذريعة أمام العالم ومجتمعها الداخلي بأنها هي من ترفض وتقف عثرة أمام الصفقة، وتجتاح رفح لتمارس المزيد من القتل والدمار بحق شعب أعزل مظلوم.
الدهشة الإسرائيلية ظهرت في تصريحات بعض القادة الذين أعلنوا عن رفضهم للرد الحمساوي، ووصفه بـ “الألاعيب”، فيما اعتبره آخرون بأنه خداع لتشويه موقف إسرائيل، بينما هدد وزير الجيش غالانت بأنهم أعدوا خطط مهاجمة رفح رسميا، وذلك لهدف معروف وهو “المراوغة” وممارسة مزيدا من الضغط على حماس لانتزاع تنازلات أكبر منها، بعدما رأوا تأثير وصدى إعلانهم بدء الهجوم على رفح، وشن غارات عنيفة على مناطق شرق المدينة، ونزوح الآلاف من هناك، واقتحام معبر رفح البري.
يبدو أن حماس قد أخطأت فعلا في توقيت إعلان موافقتها على المقترح، لأنه تم تفسيره إسرائيليا على أنه ضعف واستسلام من أول تهديد جدّي ضد رفح، فيما لا يزال القصف الإسرائيلي ضد مربعات سكنية بأكملها في شرق رفح مستمرا حتى الآن.
في المقابل، وعلى الرغم من استمرار حالة النزوح شرق رفح، فإن خيام النازحين قد ارتجّت بالتكبيرات فرحا وابتهاجا بموقف حماس، الذي كانوا يستبعدونه تماما، فيما بدأ الناس بالصراخ بالشوارع في مشهد مبكي جدا، يظهر شوق شعب غزة المظلوم لاتفاق ينهي معاناته التي دخلت شهرها الثامن دون رحمة.
لكن المستغرب هو احتفال البعض، ابتهاجا بموقف الحركة، وبدء المساجد بالتكبير ودعوة الناس إلى التجهز لإعلان “الانتصار المرتقب”، كما يصفونه، وكأنهم لا يتعلمون من الأربعة “انتصارات” السابقة، وما حل بشعب غزة من وراء كل “انتصار”، وكأن الانتصار من وجهة نظرهم هو فقط بقاء حركة حماس أما الشعب فلا معنى لمقتل عشرات الآلاف منه وتدمير أكثر من 70% من قطاع غزة وإعادته إلى 50 عاما إلى الوراء أو أكثر، المهم هو أن حماس باقية وتتمدد كما بدأ أنصارها ومثقفيها البعيدون بنشر المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من مقاهي الدوحة وإسطنبول ولندن.
ينبغي علينا في حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار رسميا خلال الأيام المقبلة، أن نفرّق بين “الانتصار” وكسب بعض نقاط بالمعركة، فحماس لم تنتصر في المعركة، بل حققت نقاط خاصة بها فقط كفصيل وتنظيم، وليس نقاطا لصالح الشعب طبعا.. لأنه قريبا جدا ستنتهي حربهم الصغرى، وتبدأ حربنا الكبرى كشعب مغلوب على أمره، ويبدأ الشعب في تجهيز قلوبهم للأسى، وعيونهم للدموع.
ومن باب الإنصاف، فإن ما يحسب لحماس كفصيل، هو فشل إسرائيل في تدمير قدرات الحركة عسكريا، كالأنفاق مثلا بشكل كامل، كما أن أقوى جيش في المنطقة لم يستطع الوصول إلى أسراه بعد ثمانية شهور من القصف والتدمير والاجتياح البري، بالإضافة لاستمرار حماس في التفاوض تحت النار، وهذا يحسب لحماس على انه إنجاز في نقطة معينة فقط، ولكن ما حدث في غزة لا يعتبر “انتصارا” أبدا، لأنها دفعت أثمانا باهظة، أكثر من 40 ألف شهيد، 10 آلاف مفقود، دمار هائل و80 ألف إصابة، الانتصار يجب أن يكون شاملا كل الجوانب وليس جانب واحد فقط.
مع اقتراب نهاية الحرب، لابد من أن نبدأ في لملمة جراحنا، ونتعالى على الأوجاع قد المستطاع، وأن نعطي أنفسنا وقتا للحزن، لا أن تقيم الفصائل وعلى رأسها حماس مهرجانات للانتصار، لأنها أخطأت بحق غزة وأهلها.
في هذه الأيام، ستبدأ كل أحزاننا الناتجة عن الفقد والهدم وتخريب حياتنا في الظهور بمخيلتنا وأمام أعيننا كسيناريو فيلم مرعب وكابوس موحش، وتتكثف كسحابة في انتظار أن تمطر دموعا من الدم، فلن ينسىى أهلنا في الشمال المجاعة غير المسبوقة التي حلت بهم، ولن ينسى النازحون في الجنوب عذابات الخيام وجحيم النزوح.
إن هذا الشعور المؤجّل للأيام المقبلة، لن يستطيع أحد أن يفهمه سوى أهالي غزة المنكوبين، والذين سيبكون دما على كل شيء أصابهم، من قتل وفقد ودمار وإصابات، بينما سيهلل البعيدون وينشدون أغاني النصر “الوهمي” الذي تحقق على عشرات الآلاف من جثث الشهداء وملايين الأطنان من الركام.. لكم الله يا أهل غزة..جهزوا عيونكم للدموع..