د. رمزي عودة
أمد/ تكتسي شوارع تونس وشاح العزم والصمود كما هو الحال عليه في شوارع القدس وجنين وغزة، أعلام فلسطين ترتفع في كل مكان وكأنك تسير في حارات نابلس وبيت لحم القديمة، أسماء الشهداء الفلسطينيين تمتزج في دمائها ثراء شهداء النضال التونسي في كل المناسبات الوطنية، مظاهرات هنا وهناك تندد بالإبادة الجماعية في غزة، ندوات ومؤتمرات تصدع بهتافات الصمود ومواجهة الاحتلال، جامعات عريقة تقاطع الاحتلال وتصفه بالعار على الانسانية، الاحزاب من أقصى اليمين وأقصي اليسار تساند الشعب الفلسطيني في المقاومة والنضال الدبلوماسي والقانوني. في تونس الجميع يتفق على فلسطين باعتبارها القضية الجامعة، والقضية العادلة. في تونس فلسطين ليست مجرد قطر عربي شقيق، انها قضية تونسية بامتياز. انها قضية كل التونسيين.
لم أدرك حينما شاركت في أحد المؤتمرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في العاصمة التونسية، أن هنالك العشرات من فعاليات التضامن والمناصرة تنعقد كل يوم في العاصمة التونسية، ندوة تعقد للمقاطعة الأكاديمية، ومؤتمر أخر يضم الناشطين من كل بقاع الارض للمطالبة بوقف العدوان. تظاهرة في إحدى الجامعات الكبيرة لتأييد الحراك الدولي ضد اسرائيل، تجمعات جماهيرية ونخبوية
إحياءً لذكرى النكبة، عروض سينمائية عن الأسرى والنكبة واللجوء. عروض ثقافية وشعرية وفولكلورية تزخر بها معارض تونس. كلها أحداث وفعاليات تعود لنا بالذاكرة الى مدن فسطين وقراها ومخيماتها. وكأنما تتجسد الانتفاضات الفلسطينية المتكررة في شوارع تونس العتيقة. تلك الشوارع التي تمزج في مساكنها عبق الشرق وحداثة الفرنكفونية.
في تونس، توجد لدينا كفلسطينيين جبهة وطنية نضالية عريضة، لا تستخدم فقط في تأييد الحق الفلسطيني وطنياً، وانما تمتد أفاق التأثير التونسي الى العمق الأفريقي والأوروبي. فتونس لها أواصر كثيفة وقوية للتعاون مع الدول الافريقية والأوروبية. لاسيما في فرنسا. وبالضرورة، يمكن أن تمثل لنا تونس جبهة متقدمة للدفاع عن الحق الفلسطيني في أوروبا وأفريقيا. ليس هذا فقط، فتونس لها باع طويل ومؤثر في القانون الدولي، وقد ساهم فقهاء القانون الدولي فيها وفي أكثر من مناسبة من مساندة القضية الفلسطينية في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية. وبالنتيجة، تونس الخضراء تمثل قلعة الصمود والتحدي ضد المحتل الغاصب، وهي إمتداد لثورتنا الفلسطينية في الاقليم العربي والأفريقي والأوروبي.
شكراً لك تونس، شكراً للمناضلين والأكاديميين التوانسة الذين دعموا القضية الفلسطينية في المحافل الوطنية والاقليمية والدولية، شكراً للجامعات التونسية التي أعلنت موقفاً صارماً من مقاومة التطبيع الأكاديمي، شكراً للمرأة التونسية التي تزينت بالكوفية الفلسطينية، شكراً للنقابات التونسية التي رعت فعاليات التضامن والمناصرة للقضية الفلسطينية، شكرا للدولة التونسية التي قدمت مساعدات مالية لأبنائنا من الطلبة الجامعيين في غزة والذين انقطعت بهم السبل، شكراً لجالياتنا الفلسطينية الممتدة في تونس والتي لم تغب ابداً عن المشهد النضالي التونسي.