د. علاء رشيد الديك
أمد/ ما دفعني لكتابة هذا المقال، أن أمي وخلال إتصال هاتفي بي وأنا في مهمة رسمية، تسألني “أين رئيس دولة فلسطين”! فأجبت “لا أدري يا أماه”! لذلك قررت أن أتوجه بهذا السؤال لقيادة الشعب الفلسطيني لعل أحداً يجيب! وخاصة أننا على أبواب الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله.
في الرابع من حزيران عام 2020 رحل عنا الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله، بعد أن أخفق طاقم الدفاع المدني الفلسطيني بإنقاذهما من داخل بئر الماء في منزلهما في بلدة كفرالديك. فلقد أغمي على الشهيد ضياء الديك داخل البئر نتيجة إنقطاع الأكسجين عنه، وهو يحاول تنظيفه لتوفير ماء نقي للشرب من أجل أسرته، فحاول أخيه الشهيد عمار الديك إنقاذه بكل شجاعة وتضحية ووفاء، ولكن لم يتمكن من الصمود طويلاً نتيجة إنقطاع الأكسجين عنه، بعد أن أخفق طاقم الدفاع المدني الفلسطيني في مساعدته وإنقاذ أخيه نتيجة التأخير في الوصول للمكان ونقص في الجهوزية والعتاد، فرحل الشقيقين شهداء في عليين. وعليه، تم الإعلان رسمياً عن وفاة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله نتيجة الاختناق داخل بئر الماء في منزلهما في بلدة كفر الديك بتاريخ 14/06/2020.
في ذلك الوقت خرج محافظ سلفيت بتصرح للإعلام من خلال فضائية النجاح بنابلس، وقال “يقال أن الشقيقين كانا يبحثان عن أثار في مكان أثري وقديم”، وسرعان ما نفت بلدة كفرالديك بكافة قواها الوطنية والمجتمعية تلك التصريحات وأدانتها بإصدار بيان جماهيري، واعتبرت ذلك إساءة للشهيدين الشقيقين عمار وضياء ولذويهما، وطالبت بلجنة تحقيق رسمية للبحث في التقصير والإهمال بالإنقاذ الذي حدث من قبل طاقم الدفاع المدني نتيجة الوصول المتأخر للمكان وغياب العتاد والجهوزية لديه بحسب شهادة الشهود.
وفي 17/06/2020 قرر محافظ سلفيت تشكيل لجنة تحقيق رسمية من قبل قائد المنطقة ومدراء الأجهزة الأمنية ومدير صحة سلفيت ومدير مستشفى الشهيد ياسر عرفات بسلفيت، على أن تسلم نتائج التحقيق خلال اسبوعين من تاريخه. وللأسف تأخر الإعلان عن النتائج بشكل متعمد، وتم الإعلان عنها لاحقاً بتاريخ 22/07/2020 بعد أن طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في رام الله بتسليم النتائج للإطلاع عليها.
وبعد الإطلاع على النتائج التي جاء فيها “أن الشقيقين كان لديهم إصرار على العمل رغم علمهم اليقين بوجود خطر على حياتهم، وبالتالي فإنهم يتحملون مسؤولية ما جرى ضمنياً”، دون الإشارة أو التركيز على مجريات الإنقاذ. رفضت عائلة الشهيدين الشقيقين تلك النتائج وطالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بعمل لجنة تقصي حقائق بالحادثة لإطلاع الرأي العام على حقيقية ما جرى.
وفي 22/11/2020 صدر تقرير تقصي حقائق عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بحادثة وفاة الشقيقين عمار وضياء الديك، والذي جاء فيه “أن الدفاع المدني الفلسطيني يتحمل المسؤولية الكاملة عن وفاة الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله بسبب الإهمال والتقصير في الإنقاذ، وكذلك يتعين على محافظ سلفيت واللجنة الرسمية المكلفة بالتحقيق من قبله، إعادة صياغة التقرير الرسمي بعيداً عن إتهام الشقيقين عمار وضياء الديك بالإصرار على العمل وتحميلهم مسؤولية ما جرى، والتركيز على مجريات الإنقاذ بهدف الوقوف على حقيقة ما جرى. وكذلك طالبت الهيئة بضرورة الإستعانة بخبير إنقاذ متخصص، وعمل لجنة تحقيق داخلية بجهاز الدفاع المدني الفلسطيني بهدف الإطلاع والتحقيق بما جرى، وأيضاً الإطلاع على نتائج ومخرجات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالحادثة من أجل تعلم دروس وعبر من الحادثة لكي لا تتكرر في المستقبل، وأن يتحمل كل منا مسؤوليته أمام التقصير والإهمال الذي حدث.
وفي 23/11/2020، قام محافظ سلفيت بالرد على تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالحادثة، وذلك بالدعوة لعقد إجتماع للجنة القانونية للمحافظة وللأجهزة الأمنية في سلفيت، وبحضور جهاز الدفاع المدني عضواً، دون وجود ممثل عن العائلة أو خبير إنقاذ أو ممثل عن الهيئة المستقلة أو أي ممثل عن مؤسسة أهلية أو حقوقية على علاقة بالموضوع. ونتج عن الإجتماع الذي أرسل مكتوباً للهيئة “أن الشقيقين عمار وضياء الديك كان لديهم قلة إحتراز وإهمال وتقصير شخصي رغم كل المخاطر، وأن الدفاع المدني الفلسطيني عمل كل ما بإستطاعته لإنقاذهما ولكن طبيعة البئر وعمقه حالت دون ذلك، وبالتالي فإنهم يتحملون مسؤولية ما حدث بالإهمال والتقصير وعدم الإكتراث لحياتهما. علماً أن عمق البئر لا يتعدى 5.2 متر ويوجد سلم معلق من باب البئر لقاعه وجاهز للإستخدام والإنارة بحالة جيدة، حيث قام شخص مدني بإنتشال الشهيدين الشقيقين من داخل البئر في غضون 9 دقائق بعد أن أخفق طاقم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني بإنتشالهما، مع العلم أن الطاقم جاء لمنزل الشهيدين الشقيقين متأخراً 45 دقيقة من وقت إبلاغه بالحادثة، ومكث بالمنزل لأكثر من ساعتين دون جدوى في إنقاذهما.
وفي 26/12/2020 قامت عائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك بالتوجه لقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله من أجل إطلاعهم على نتائج ومخرجات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بتاريخ 22/11/2020، وذلك بهدف تحمل المسؤولية تجاه الحادثة وما نتج عنها وعندئذ محاسبة المقصرين وتقديمهم للعدالة. وعليه، رحب العديد من المسؤولين بتقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالحادثة، وأوعدوا العائلة بالوقوف على حقيقة ومجريات ما ورد في التقرير ومحاسبة المقصرين، وكذلك محاسبة من أساء للشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك ولذويهما دون دليل قاطع، وأن يقوموا بتقديم واجب العزاء والإعتذار للعائلة. ولكن للأسف لم يحدث أي شي مما ذكر ولم يتم الإهتمام بالحادثة وما نتج عنها أو بنتائج تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
بناءاً على ذلك، وفي 27/05/2021 قررت العائلة التوجه للقضاء الفلسطيني من أجل تقديم شكوى على المقصرين وأصحاب الإساءة للشهيدين الشقيقين ولذويهما، وكذلك تجاه المسؤولين عن إهمال قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله بشكل متعمد، بعد أن أغلقت كل الأبواب أمامها. وعليه، مازالت قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله متداولة في محمكة بداية رام الله دون القبول أو الدخول في الأساس، وتؤجل الجلسات حتى تاريخه.
وفي 18/11/2021 قام مكتب النائب العام في مدينة سلفيت بالإتصال بعائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله، وتسليمهم قرار صادر عن النائب العام الفلسطيني بتاريخ 4/11/2021 مفاده “أن النائب العام الفلسطيني قرر حفظ ملف الشقيقين عمار وضياء الديك لعدم وجود أي فعل يعاقب عليه القانون”. علماً أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان هي مؤسسة دستورية مكرسة لدعم حقوق المواطن الفلسطيني، وتعتبر التقارير الصادرة عنها بمثابة توصيات للجهات الرسمية لحماية حالة حقوق الإنسان الفلسطيني.
في المحصلة، خلال أسابيع ستحتفل العائلة بالذكرى الرابعة لرحيل الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله، ومازال ألم ووجع الفراق في الوجدان، فالموت حق، ولكن الظلم الذي وقع على الشهيدين وذويهما يجعلنا متمسكين بالحقيقة وبقول الحق أمام الله إحتراماً لتلك التضحيات ولمسيرتهم ومواقفهم الوطنية والإجتماعية والإنسانية النبيلة، وتقديراً لذويهما الصابرين الصادقين مع شعبهم وقضيتهم بإخلاص ووفاء وإنتماء، وسنمضي “بثبات وحزم” مطالبين بعدالة قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله، ومحاسبة كل من أساء وقصر وأهمل تلك الحادثة وما نتج عنها.
ومن باب الإحترام والتقدير لمشاعر أبناء شعبنا الذي مازال يعاني التشريد والقتل والجوع والظلم والحرمان ويضحي من أجل العيش بحرية وكرامة، فإنه من الواجب علينا دينياً وأخلاقياً ووطنياً أن نحترم صرخة الأم التي فقدت أبنائها أمام عينيها، ومازالت تنتظر من يقول كلمة الحق ويحاسب الظالمين الذين تعمدوا الإساءة للشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله ولذويهما بهدف إنقاذ المقصرين، ولكل من قصر وأهمل في إنقاذهم أبان الحادثة أو لم يهتم بقضيتهم لاحقاً.
وهنا تتساءل الأم أين إهتمام المؤسسات الرقابية الرسمية بحادثة وفاة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله! حيث لم يصدر من طرف تلك المؤسسات أي تعقيب أو لجان تحقيق مستقلة للوقوف على حقيقة ما جرى، والتأكد من نزاهة وشفافية ومهنية إجراءات ونتائج التحقيق للمؤسسات واللجان الرسمية في سلفيت، وخاصة بعد صدور تقرير تقصي الحقائق عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والذي حمل جهاز الدفاع المدني المسؤولية الكاملة عن الحادثة وما نتج عنها، وطالب اللجنة الرسمية في سلفيت بإعادة صياغة تقريرها ومخرجاته بشكل مهني وأكثر نزاهة وشفافية والتركيز على مجريات الإنقاذ، والبعد عن تحميل الضحية مسؤولية ما جرى.
وأيضاً تستغرب الأم في عدم إهتمام أجهزة الدولة التنفيذية العليا بنتائج ومخرجات تقرير تقصي الحقائق بحادثة وفاة الشقيقين عمار وضياء الديك الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حيث لم يصدر أي تعقيب رسمي أو إجراء من المؤسسات الرسمية العليا المسؤولة عن أجهزة الدولة في مدينة سلفيت وذلك بتشكيل لجان تحقيق مستقلة لمراجعة وتدقيق تقرير اللجنة الرسمية في سلفيت والتأكد من نزاهة وشفافية ومهنية الإجراءات والنتائج تجاه الحادثة.
وعليه، لم يبقى للأم إلا السؤال “أين رئيس دولة فلسطين مما يحدث”! وهل يعرف بحقيقة ما يجري داخل المؤسسات الرسمية! وهل تم إطلاعه على تقرير تقصي الحقائق بحادثة وفاة الشقيقين عمار وضياء الديك الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان! وهل حقوق المواطنة في فلسطين لها معايير ومقاييس محددة! وهل أصبحت هذه العائلة ممن لا تنطبق عليهم هذه المعايير بالتساوي مع الأخرين، وعندئذ فقدت حقوق المواطنة!
عاشت الذكرى السنوية الرابعة لرحيل الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله، فالمجد والخلود للشهداء والعزة والكرامة لذكراهم وذكرى رحيلهم، عاشت فلسطين وعاش شعبنا وتضحياته النبيلة من أجل الحرية والعودة وتقرير المصير، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى، وعهداً أن نمضي على عهدهم وعهد من سبقوهم بقول الحق والثبات على الموقف “بحزم ووفاء”، وحتماً سننتصر على الظالمين ومصيرهم لزوال.
· شقيق الشهيدين الشقيقن عمار وضياء الديك رحمهما الله.