أمينة خليفة
أمد/ أصبح مخيم شاتيلا في جنوب لبنان موطنا لمئات الآلاف من الفلسطينين الفارين من ويلات الحرب على أراضيهم منذ خمسينات القرن الماضي، الذين لم يجدوا مأوى لهم سوى حدود لبنان فاستقروا هناك وعاشوا بإمكانيات بسيطة ونصف حياة.
ومع مرور الوقت، تحول المخيم لبيت فلسطيني كبير لكنه يعاني من الظروف المزرية للمعيشة وينزف من ويلات الحرب على الأهل في الوطن الكبير “فلسطين” وتحديدا غزة، ومع ذلك لم تضمد الأيام جراحهم جراء مذبحة الثمنينات التي نفذتها ميليشا الكتائب اللبنانية بدعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قتلت الآلاف من سكان المخيم بدم بارد، وكان بينهم شيوخا وأطفالا ونساء وشباب أيضا.
والآن يعيش النازحون الفلسطينيين في مخيم شاتيلا، بدون أمل في تحسن الأحوال المعيشية من ناحية، أو العودة إلى وطنهم الأم من ناحية ثانية، خاصة بعدما دمر الاحتلال غزة وحولها إلى ركام، لكنهم قرروا مساندة أهلهم هناك على طريقتهم الخاصة، فأطلقوا حملات لمقاطعة السلع والمنتجات للدول الأجنبية التي تساند الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وخاصة أميركا، كما اشتعلت شرارة غضب الأجيال الجديدة في شاتيلا من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني منذ أحداث السابع من أكتوبر .
مذبحة غزة أعادت لسكان شاتيلا ذكرى المذبحة التي ارتكتبت ضدهم بتحريض إسرائيلي بحت، فمن نكبة 1948 مرورا بنكسة شاتيلا حتى نكسة غزة يضيع الشعب الفلسطيني ويزداد شتاته، ومع ذلك فإن أيام اللاجئين في شاتيلا تبدو ثقيلة، فلا تشهد أي تحسن سواء على صعيد الحقوق المدنية أو السياسية أو حتى متطلبات الحياة، وكأنهم لقطاء لم تعترف بهم دولة أو تباح لهم حقوق، كما تسوء الظروف المعيشية هناك يوما بعد الآخر في ظل غياب حقوق الإنسان، ولم يتبقى لهم سوى دعم قليل من “الأونروا”، يستطيعون به البقاء على قيد الحياة.
ورغم أن الأونروا هي أكبر مانح لسكان هذه المخيمات، لكنها خلال الفترة الأخيرة اضطرت لتنفيذ تدابير تقشف شديدة بسبب الحرب في غزة، كما هدد الاحتلال تلك المنظمة بوقف نشاطها والإغلاق التام لمقرراتها.. ولكن إذا أغلقت، فمن يضمد جراح الفلسطينين؟
إن القيود التي تفرض على “الأونروا” انعكست سلبا على الأوضاع الإنسانية في شاتيلا جنوب لبنان، التي يسكنها أكثر من 30 ألف نازح فلسطيني منذ خمسينات القرن الماضي، فلا يزال نسل الفارين من فلسطين يعانون على أرض المخيم، لكنهم يأملون في العودة إلى الوطن الأمن قريبا.
ومؤخرا، أجبرت الظروف الصعبة سكان مخيم شاتيلا، على رؤية المجازر التي يرتكبها الاحتلال في عائلاتهم التي تباد من بعد، ورغم ذلك فهم لا يملكون فعل أي شيء وسط ثقل العيش والحياة بلا حقوق على أرض لبنان والفقر المدقع المنتشر هناك وغياب الرعاية الصحية وموت الأطفال في كل وقت، حيث لا تسمح السلطات اللبنانية لهم التوسع خارج محيطه منذ العام 1949، ورغم زيادة عدد سكان المخيم إلا أنهم مجبرين على العيش في هذه الظروف الصعبة، هذا غير العقبات التي يفرضها القانون اللبناني عليهم في حياة مليئة بالمخاطر اليومية.
واقعيا، يعيش الأطفال هناك وهم أكثر من نصف سكان المخيم، ظروفا هي الأسوأ من فقر وغياب الصحية والعيش على التبرعات وغياب القانون وشيوع الجريمة والفوضى وغيرها من الظروف السيئة، كما أنه عندما توقفت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم منظمة “الأونروا” انخفض الدعم لسكان مخيمات شاتيلا من 50 دولار حتى 30 شهريا، فيبدو أن أزمة سكان المخيم تتفاقن وتتوسع إلى ما لا يمكن توقعه أو يحمد عقباه!
ربما على السلطات اللبنانية أن تعطي ضوءا أخضر لبعض سكان المخيم المحرمون من كل ألوان الحياة، كما على الدول الكبرى خاصة أميركا إعادة التفكير في عودة الدعم لهؤلاء المستضعفين عن طريق “الأونروا” أو منظمات إغاثية أخرى حتى لا يتحول المخيم إلى مقبرة جديدة للفلسطينيين.
ويبدو أنه على الرغم من ثقل الحياة في المخيم، مازال هناك بصيص أمل بين صغار المخيم في أن يكبرون ويغيرون المستقبل، بل ويعودون إلى الوطن للعيش في سلام وحياة كريمة!