المتوكل طه
أمد/ إن قيادة فتح الحالية،هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن كل التصدّعات والغياب والتكلّس والتبديد الذي أصاب الحركة،ولهذا لا يجوز أن لا تسمع هذه القيادة رأينا، بعيداً عن الترهيب والترغيب.مع أهمية تمكين الشباب والمرأة والدم الجديد والديمقراطية الحقيقية..من الوصول والتعبير عن الذات والنفاذ.
إن فتح تحتاج، في داخلها، إلى ما يُسمّى بالكتلة التاريخية،بالمفهوم الغرامشي، حتى تكون هذه الكتلة الخليةَ الصحيّة،القادرة على جذب الخلايا الحيّة،والتي تستطيع أن تحتلّ المساحات البور واليباب في جسد الحركة المُرهق..على أن تكون ثقافة هذه الكتلة ثقافةَ المقاومة التي تتسع لكل معاني المقاومة،غير المختَزلة في شكل واحد، يتناقض مع جدلية المقاومة والنضال.
وإن حالة الغيبوبة التي أصابت معظم أعضاء قيادات الحركة،أفقياً وعمودياً، وتماهيهم مع حالة الصراع والمناكفة الدائرة على غير مستوى،المتقلّبة كل ساعة،هو الجريرة التي لا ينبغي تكرارها،لأن فتح بحاجة إلى قيادة يتمتّع أفرادها بقدرة على التفكير والإخلاص ونقاء اليد والتواصل والرؤية وإتقان اللغة العربية (صاحبة المروءة)،وغير المجروحة بعلاقة مبهمة أو ملوّثة بارتباطات أو إمكانيات ممجوجة ناتئة!أما إذا لم تتوفّر المساحة النقدية لمحاسبة المسؤولين عن كلّ هذا الإخفاق والضياع، فإن هذا يعني إعطاء الشرعية والمباركة لهم على كل ما اقترفوه بحق حركة فتح،وخطفها،وتوظيفها لمصالحهم الشخصية. كما يعني أن كادر فتح عاجز عن تأصيل مبدأ الثواب والعقاب،وأنه كادر مُستلب سهل الانقياد،يجعجع ولا يطحن، وأنه كباقي الدهماء والظواهر الصوتية الفاقعة المهزومة.أو أن الذين استفادوا من الحركة بوضعهم في هذا الموقع أو ذاك،هم الذين قد تحكّموا في كل شيء داخل الحركة،ولن يعود مكان للضمائر التي تصرخ بحسرة،من جرّاء هذا العنت والعبودية والخسران.وقد لا أبالغ إذا قلت إن حالة البؤس التي تعيشها حالتنا الوطنية،ناتجة عن بؤس حركة فتح.وإنّ كلامي هذا لا يغفل الاستراتيجيات الاحتلالية القوية والمتواصلة،ودروها في تخريب ومحاصرة وتهديم الذات الحركية والفلسطينية، ولكن أسأل:أين دورنا في الردّ على غوائل الاحتلال،وخلق الفعل المتناغم والمناسب، والقادر على إبقاء حركتنا حاضرة ومتماسكة،وتمتلك عوامل الصدّ والثبات والإنهاض،وإشاعة الخَلْق والوحدة والطهارة والإيثار؟
باختصار لقد كانت السلطة زمن الرئيس عرفات ومع بداياتها،رغم كل القيود والملاحظات،تذهب في سياق مهمّة التحرير،لأنها كانت”عامل تأزيم”، وبحثت عن كل المخارج، وواجهت أزمات.. حتى دفع الرجلُ حياتَه ثمناً لذلك.
لكن السلطة، بعد سنوات، وبعيداً عن الأشخاص والاتّهامات، أصبحت “عامل تهدئة” ومنحت الاحتلال استقراراً من حيث الكيفية والزمن..لم يتوقّعه منذ إقامة دولته الغاصِبة.
إننا لا نميل إلى انتقاد الأشخاص وتحميلهم المسؤوليات،بغض النظر عن كل الملاحظات وسوء الأداء أو تميّزه، فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، لكن ذلك لا يعفينا ولا يعفيهم من مواجهة الواقع والحقيقة الصادمة، أن هذا المشروع قد فشل ووصل إلى نهايته. ولا يحقّ لأحد، كائناً مَن كان، أن يوهِم نفسَه أو غيره أنه يمتلك معجزة ستأتي بِحَلٍّ سحريّ من جعبة الحاوي،لأن هذا ببساطة هو بيعٌ للوَهمْ،ولم يعد شراء الوقت ممكناً أو مفيداً،لأن المسافة بين أهدافنا،التي نسعى لتحقيقها،بالحرية والاستقلال والدولة والعودة والقدس، قد ضاقت إلى حدّ مفجع، ولا يمكن مدّها زمنياً أو موضوعياً. وإذا ما استمرّت القيادة في نهجها الحالي..عندها،لا مناص من أن نقول إنهم سيتحمّلون المسؤولية عن المصير المظلم الذي دُفِع إليه شعبنا، وسنتحمل معهم مسؤولية الصمت.. إنْ رضينا بذلك.
أما المثقفون والكُتّاب السياسيون والمفكّرون فإن معظمهم يدور حول نفسه، وإن امتلكوا وعي المعرفة فإنهم قد استخدموه تحت ظلال الترميز أو المجاز،أو تحت قوس التلطّف، أو التساوق والتماهي مع السياسي ومقولاته الرسمية. لكن قلّة قليلة منهم مَنْ ظلّ مشاكساً جسوراً لا يوارب،ويواجه ويشير دون وَجل إلى مواطن الخلل والتخلّي. ومن المثقفين مَنْ يَظهَر في المناسبات، ومنهم مَنْ يعتصم بمكتبه الأكاديمي، ومنهم مَنْ تضيق كلماته لضيق انتمائه الأيديولوجي، ومنهم مَنْ يخلط النقد مع النقمة.. ولم يشكّلوا حالة فكرية قادرة على مواجهة تخريب الوعي الجَمْعي المُمنهج الذي يستخدمه الاحتلال وأدواته ، ولم يطوّروا أو يشكّلوا تياراً فكرياً ذا ثقل،يؤسّس لمناعة وطنية مطلوبة،تجعل التساوق مع حالة التعايش مع المحتلّ عملاً مرفوضاً،صعباً بل مستحيلاً.
وفي اللحظة التي ما زال الشعب بحالته العامّة يستعصي على الكسر،تنجر الفئة السياسية التي استحوذت على دور الطليعة إلى التساوق مع حالة التعايش مع المحتل، وتنزوي النُخَبَه المثقّفة وتراوح مكانها على هامش الحالة النضالية..ونكتفي، في أحسن الأحوال ب”قُلْ كلمتَكَ وامشِ”، بينما يفتقد دور المثقف المطلوب الذي يشهر سيف كلمته ويواجه ويتصدى ويتقدّم الصفوف،وهذا للأسف ما نهرب منه كمثقفين،إلا من رحم ربي منّا.
إن المطلوب هو أن يُراكم المثقفون لَبِنات الوعي،ليحلّ وعي الفكرة المقاوِمة عميقاً في المدارك،ليؤصِّلها،ويغلب ماكينةَ تخريب الوعي الداهمة، التي تأخذها في سيولها إلى الهاوية.والثورة عامةً،تجعل بناء الوعي الجَمْعي أحدَ أهمّ أهدافها،لأن أداة التحرير الأولى هي الشعب الواعي والمدرك،وإلا ستذهب الثورة إلى اجترار السائد والمعتم والمتخلّف، وإلى استبدال قيم الانتماء للوطن لترفع من شأن قيم الإنتماء للقبيلة لتحل مكان الثقافة الوطنية وثقافة الثورة..فالانتماء للقبيلة لا يحتاج إلى الوعي الحرّ، بل إلى الطاعة العمياء وإلى العصبوية الضيقة،ولم يكن ذلك عفوياً كما لا يستهدف حماية الثورة أو “فتح”كقبيلة بمفهوم الجماعة،بل من أجل أن تختبئ جماعة بعينها تستولي على إرادة فتح،خلف فتح القبيلة،وكلما استيقظ الشعب على استلاب إرادته،تستدعي تلك الجماعة قيم القبيلة لتختبئ خلفها، فَتراهم يختبئون خلف فتح كلما اهتزت مواقعهم، ويدَّعون أن التهديد الذي يواجههم هو تهديد لفتح،والحقيقة أنهم هُم التهديد الأخطر على فتح.
والأخطر؛أنها جعلت سؤال “ما البديل” و”ما العمل” سؤالاً مُستعصياً، لأنها حوّلت شعباً بأكمله من صاحب مصلحة في التحرير إلى صاحب مصلحة في التعايش مع الواقع الثقيل.
إننا لا نميل إلى انتقاد الأشخاص وتحميلهم المسؤوليات، بغض النظر عن كل الملاحظات وسوء الأداء أو تميّزه، فالموضوع أكبر من ذلك بكثير، لكن ذلك لا يعفينا ولا يعفيهم من مواجهة الواقع والحقيقة الصادمة، أن هذا المشروع قد فشل ووصل إلى نهايته.ولا يحقّ لأحد، كائناً مَن كان،أن يوهِم نفسَه أو غيره أنه يمتلك معجزة ستأتي بِحَلٍّ سحريّ من جعبة الحاوي،لأن هذا ببساطة هو بيعٌ للوَهمْ، ولم يعد شراء الوقت ممكناً أو مفيداً،لأن المسافة بين أهدافنا،التي نسعى لتحقيقها،بالحرية والاستقلال والدولة والعودة والقدس،قد ضاقت إلى حدّ مفجع،ولا يمكن مدّها زمنياً أو موضوعياً.وإذا ما استمرّت القيادة في نهجها الحالي.. عندها، لا مناص من أن نقول إنهم سيتحمّلون المسؤولية عن المصير المظلم الذي دُفِع إليه شعبنا،وسنتحمل معهم مسؤولية الصمت.. إنْ رضينا بذلك.
والكُتّاب نوعان،الأول يدافع عن الفكرة، والثاني يدافع عن فكرته. ونحن بحاجة إلى الأوّل الذي يتجرّد من أهوائه،ويُغلّب المصلحة العامة،ويبقى بعقله المُنَظَّم الموضوعي قوّةً تدلّ السائرين إلى النهار.
أقول ما قلت لأني أريد فتح كما ينبغي لها أن تكون،ولا يتم ذلك إلا بالمراجعات والصراحة والمبادرات تحت مظلة فتح،لا خارجها.
كما أن م.ت.ف.التي هي بيتنا المعنوي وممثلنا الشرعي والوحيد، و”بقرتنا المقدسة” لا يجوز المساس بها،باعتبارها العنوان والمعتمد. لكنها تعاني هي الأخرى من عديد الأمراض والترهل والانكفاء والتكلّس،ما يعني أن تنفتح على مراجعة شاملة ،تحت خيمتها،تجمع كل القوى والرؤى والاجتهادات،بما يتوافق والشرعية الوطنية والدولية،دون حساسية وذعر وتخوين،بل بانفتاح وإيجابية وقبول.أما إذا أغلقت ” خيمتها”،فعندها سيتسرّب الريح من ثقوبها وينشغل بها.
وكان صحيحا أن نكون “مُخطئين” مع منظمة التحرير،بدلاً من أن نكون “على صواب” مع أي طرف خارجيّ..لكن منظمة التحرير امتلكت كلَّ العيوب لتنجح،كما يقولون،لكنها لم تأخذنا إلى أبواب الجنّة، فلتسمح بتعبيد العتبات لنبلغها.